أسعدني كثيرا خبر تكريم جامعة الأحفاد للأستاذة آمال عباس ومنحها الدكتوراه الفخرية تقديرا لما قدمته في الحياة العامة، وهو تكريم مستحق وكان واجبا على الأحفاد وعلى كل المؤسسات التي تتحرك في مجال العمل العام. وأظن أن مثل هذا التكريم يضرب في اتجاهين، الأول هو تقدير وتكريم من قدموا عملا نافعا لبلادهم وشعبهم، ومن ناحية أخرى إعادة الاعتبار للدرجات العلمية الفخرية التي تمرمطت سمعتها بالأرض من جراء فعل واستهتار بعض الجامعات. لقد خلقت هذه الدرجات التكريمية كنوع من التقدير المعنوي والأدبي للجهود التي يبذلها الأفراد في مجالات مختلفة، وحملت اسما ووصفا أكاديميا لتأكيد جديتها ورصانتها، وللإشارة إلى أنها منحت بعد فحص وبحث وتمحيص يليق بالمؤسسات الأكاديمية وسمعتها، وأنها لا تمنح عبثا أو مجاملة. لكن يؤسف المرء أن يقول أن هذا الأمر حدث فيه خلط كثير في الفترة الماضية، وشابته شوائب أساءت للمؤسسات الأكاديمية قبل أن تسئ لغيرها، وحطت من قدر هذه الدرجات التكريمية. فقد ظلت الدرجات تمنح لشخصيات سياسية أو مالية تقربا وزلفى، بغض النظر عن مدى جدية وقدر مساهماتهم، وتجاوز أناس من نفس المجال أكثر كفاءة وعطاء. أنظر لما فعلته جامعة الخرطوم حين قررت سحب الدكتواه الفخرية من العقيد القذافي، فكررت الخطأ الأول وزادته سوءا. لقد منحت هذه الدرجة في إطار هرجلة سياسية لم يتم خلالها بحث وتمحيص جدارة المرشحين لها، بل تم النظر إما في مكانتهم السياسية أو فائدة وقتية تعود على الجامعة هنا أو هناك. وكان خطأ الجامعة كبيرا حين اتخذت قرار منحه الدرجة العلمية دون حيثيات مقنعة، بدليل أنها عادت وسحبتها منه في ظروف سياسية يبدو أنها ستفقده نفوذه وتخرجه من الحكم، مما يجعل الجامعة في وضع من تنكر للرجل أوان زوال سلطانه، وهذا هو الخطأ الثاني. للاستاذة آمال عباس بصمات واضحة وجلية في أكثر من مجال، فهي ظلت في قلب الحركة النسوية منذ كانت طالبة يافعة، ودخلت معترك الحياة السياسية في سن صغيرة أيضا، اتفق الناس معها أو اختلفوا في مواقفها السياسية، لكنها ظلت شخصية مبدئية ومصادمة. وبدأت آمال عباس الكتابة في مجلة صوت المرأة ثم انتقلت للصحافة اليومية، وظلت دوما صاحبة اهتمامات متعددة، تخلط الكتابة السياسية بتقليب صفحات الشعر والأدب، والبحث والتنقيب في التراث الشعبي بمحبة شدبدة له ولمنتجيه، وبمعرفة ودراية غير مفتعلة. وسجلت آمال عباس اسمها في تاريخ الصحافة حين كانت أول امرأة تتولى رئاسة تحرير جريدة يومية سياسية هي “الرأي الآخر”، وعاشت الصحيفة أزهى وأنضر أيامها في تلك المرحلة، وخاضت معارك باسلة دفاعا عن الحرية والديمقراطية والعدالة. آمال عباس كتلة من الشجاعة والصبر والمحبة للأجيال الشابة من الصحفيين والصحفيات، ومكتبها مفتوح على الشارع مباشرة لا يخلو يوميا من الزائرين من كل الأجيال والأعمار والاهتمامات. وأهم ما في آمال عباس أنها ما تزال تواصل رحلتها وكأنها لا تزال في نقطة البداية. تحية لآمال عباس الإنسانة والناشطة والكاتبة والصحافية، وشكرا لمؤسسة الأحفاد التي ظلت دارا للعطاء المستمر في كل المجالات. فيصل محمد صالح [email protected]