قال خبراء قانونيون وسياسيون إن أهم توصية خرجت بها محصلة الحوار الوطني هي توصية الفصل بين منصبي النائب العام ووزير العدل إن صلحت البيئة السياسية لذلك الفصل وكان الفصل بين المنصبين بحقه ومتطلباته وقبل الحزب الحاكم أن يتواضع إلى الالتزام بالدستور والقانون . ماعدا ذلك فأن جميع التوصيات مجرد نصوص غير ملزمة للحكومة إلا فيما ترغب فيه بدءا بمنصب رئيس الوزراء الذي لا يتمتع بأي صلاحيات مستقلة وانتهاء بنصوص الدستور التي ستظل معلقة في الهواء والتي تتجاوزها السلطة أنا شاءت خاصة في مجال الحريات الأساسية كما حدث من تعديلات للدستور الانتقالي الحالي . ولعل من المؤسف حقا أن يتمخض الحوار الوطني الذي ضربت له الطبول ليلد في نهاية المطاف مناصب جديدة للمشاركين فيه من قادة الأحزاب والحركات الوهمية في أوكازيون الحزب الحاكم حيث كان الأمل أن تكون الخطوة أكثر جدية وإدراكا للواقع المتردي الذي تمر به البلاد على كافة المستويات الاقتصادية والمعيشية والأمنية والاجتماعية وغيرها لا أن تكون النتيجة مزيدا من استنزاف الموارد ممن لا يملك لمن لا يستحق . كان المؤمل أن تستمع السلطة لآراء العقلاء من أبناء الشعب السوداني من قادة الرأي بأن تبرهن على مصداقيتها بإبداء تنازلات حقيقية تمس حياة الناس بعد معاناة امتدت لأكثر من ربع قرن ببسط الحريات الأساسية وحرية العمل السياسي والاستجابة لمتطلبات حوار حقيقي تجتمع حوله القوى الحقيقية والمسؤولة ذات التأثير السياسي والاجتماعي وأن تلتزم السلطة بخارطة الطريق والتوافق مع المجتمع الإقليمي والدولي الذي اعتمد هذه الخارطة كمرجعية سياسية وأساسية للحوار المنتج بعيدا عن الدعاية السياسية المؤقتة وملهاة الأحزاب الوهمية التي يبحث قادتها عن ثمن ولائهم للحزب الحاكم وسياساته ويتبارون في تسويق رغبات الحزب الحاكم عبر القنوات الفضائية بمبالغة في الظهور الإعلامي تفوق مقدمي نشرات الأخبار . والحقيقة هي أن قيادات نافذة في الحزب الحاكم يرون من خلال خطابهم الإعلامي أنهم قد تفضلوا على الشعب السوداني بهذا الحوار بعد ان فشلت المعارضة في إحداث التغيير الذي تريده لعجزها في مواجهة القمع وهذا يعني أن يمضي التغيير المطلوب وفق رؤية الحزب الحاكم لمن يرغب . ولتمرير هذا المفهوم كان لابد من استنساخ أحزاب وهمية تتوافق مع الحزب الحاكم على رؤيته في إحداث التغيير لذا تعاظم العدد لمئة حزب وثلاثين حركة لا يعرف أي مواطن اسماءها او أسماء قادتها . لتخرج في نهاية المطاف بنتائج مقبولة شكلا لكنها فارغة المحتوى وهذا ما يحدث الآن من خلال استحداث منصب رئيس وزراء بلا صلاحيات أو إجراء تعديلات وزارية شكلية لإرضاء بعض الداعمين لسياسات الحزب الحاكم سواء أحزاب أو شخصيات ليس لها تأثير في الواقع السياسي إلخ . غير ن هذا السبيل سيعيد الأمر إلى مربعه الأول ويبقي حالة الاستقطاب السياسي وعدم الثقة ويفوت على البلاد فرصة تاريخية لإعادة الأمر إلى مساره الطبيعي . فأما أن تكون السلطة وحزبها الحاكم جادون في التحول إلى دولة القانون والمؤسسات وحقوق الانسان والديمقراطية وإما أن تكون أسيرة لثقافة الهيمنة وسلطة الحزب الواحد ولكلا الخيارين مآلاته ونتائجه إما بردا وسلاما أو مزيدا من التمزق والاستقطاب فأي السبيلين سيختار قادة المؤتمر الوطني بعد ربع قرن من الفشل السياسي.