بسم الله الرحمن الرحيم قبل هذا التطور التكنولوجي الكبير في عالمنا اليوم، وقبل وجود قروبات وسائط التواصل الاجتماعي العديدة التى تصل بيننا وبين شتى ألوان طيف المجتمع ؛ كان كشك بيع الجرايد هو الجامع في علاقتنا بالصحافة والصحفيين الذى نقرأ لهم. نذهب كل صباح لكشك الجرايد بارادتنا، وندفع من حر مالنا كي نتابع اعمدتهم بشقف ومحبة. قد يحدث الا تعجبنا مادة احدهم احيانا، ولكن لم تكن عندنا وسيلة للتعبير عن عدم إعجابنا، كما لم يكن بمقدرونا رد الصحيفة واسترداد جنيهاتنا المدفوعة لأن الجرايد لا ترد. بيد ان المشكلة الأكبر في ذاك العهد (البعيد القريب) انه بسبب غياب وسائل التواصل المباشر بين القارىء والكاتب كان من الصعب للصحفى أو الكاتب الوقوف على حقيقة ردود أفعال قرائه المادحة والقادحة، مما يجعل البعض بالاعتقاد توهما بانهم كتاب لا يشق عليهم غبار فتظهر عندهم دواعي نرجسية وعنطزة فارغة لا تقف على سيقان! اتحدث هنا عن تجارب جمعتنا فى الوسائط المختلفة بمجموعة من الصحفيين الكرام، وكانت تجربة جيدة بان نبدي راينا فى كتاباتهم بشكل مباشر. ولكن وجدنا في كثير من المرات أن بعضهم لا يقبل أو يحتمل النقد مطلقا فيما يرى ويكتب. وكأن مقالاته نزلت مع (السبع المثانى)؛ لا يأتيها الباطل من أي ناحية.. لاحظنا من يتضجر من الرأي الاخر فيغادر القروب بكل (تعال وتكبر)، ولاحظنا أيضا من يقرأ ولا يعير لمداخلتك اهتمام (بعجرفة غير لائقة)، ولاحظنا من يحاول التوضيح والتبرير من غير منطق قوي وهو افضلهم؛ لكن تقرأ بين ثنايا رده التبرم، وتشتم في كلامه رائحة "من انت كي تنتقدنى"! كلنا في النهاية بشر؛ والبشر خطاؤون يا اساتذة يا اجلاء.. لا يوجد فى هذا العالم شيء كامل، وبرغم ذلك تجد بيننا من لا يفتر في مصارعة طواحين هواء فكرة عدم الكمال هذه .. عندما توجة نقد الى احدهم تكتشف نفسك مسست (الأنا) العليا عنده؛ فيصاب بخلل عاطفى فوري، مما يفقده المهنية؛ ليجعل منك خصما وعدوا لدودا. فيحل بكم الخسران المبين!. يا أيها الكاتب الكريم أرجو لا تغفل باننا جمهورك المحب حتى لا نقول (زبائنك)؛ الذىن تتكسب منهم، فيجب ان تتواصل معنا بصورة حضارية، يجب ان تجد الطريقة المثلى التي تحفظ لكم حقوقكم الأدبية وترضي قراءكم الكرام، وأعلم ليس لدينا عداء شخصى معكم بل الحب الذي يجعلنا نقتطع من قوتنا ونشترى اصداراتكم كل هذه السنين. ايصعب عيلكم تحمل تعليق هنا او انتقاد هناك. صحفى جبان من يهرب من مواصلة جمهوره مباشرة عبر الوسائط الحديثة ويميل إلى التواصل معهم عبر اكشاك الجرايد. فرضت الوسائط الاجتماعية الحديثة واقع جديد للصحافة والصحافيين في سرعتها وقوتها فى نقل الاخبار والمعلومات محليا وعالميا؛ ولو اخذنا منبر سودانيزاونلاين كمثال نجد انه وسيط اجتماعي تمرس عبره عدد كبير من المشاركين على المناقشات الجادة والعنيفة والنقد اللاذع المتبادل مباشرة؛ مما أهل بعضهم بان تطور وأصبحوا كتابا صحفيين معروفين. فلا أفهم مع وجود نماذج كهذه كيف أن بعض كتابنا الصحفيين في الداخل يتزمرون ويمتعضون من كلمة نقد صغيرة عارضة. أعتقد انهم سينغلقوا في محليتهم الى الابد، لانهم يقوون على مواكبة هذا العصر الجارف الذى اعتمد مفردات الردم والرش في قاموس الكتابة والمحاورة… تلعب الصحافة دور بارز فى المجتمعات لما تنشر من وعي وثقافة ويحظى الصحفى بمعجبين يصلوا احيانا الى درجة مريدين؛ يتاثرون به وبمقالاته، ويتبنون افكاره ومفرداته. نعم نعلم علم اليقين ان النفوس البشرية تميل آذانها لسماع المدح دون النقد لكننا نتوقع ذلك بصورة أقل عند الصحفى الذى قوي وتمنع بالاطلاع والدراية حتى جعل اسمه يلمع وصار من وجهاء المجتمع. فمهنيته تحتم عليه استقبال النقد بصدر رحب ومناقشة النقد وتفنيده بإيجابية وعقل مفتوح على الأقل بغرض السعي خلف التطور المتواصل في عصر يسير فيه كل شيء نحو الامام. نلاحظ وجود نماذج صادمة لتبدل المواقف وعدم الثبات على مبادئ واضحة عند الكثير من صحفينا بالداخل؛ مما جعل منهم كتابا بقامات قصيرة، بل هشة جدا؛ تهرع الى التنكيل والتوبيخ والاذدراء بالآخر عند اول مطب نقدي. معلوم بالضرورة؛ ان الانقاذ لعبت دورا كبيرا وممنهجا في تفريخ هذه النماذج من الصحفيين الذين لونهم كالماء وطعمهم كالخشب. حتى حينما يلبس احد من هولاء الصحفيون جبة المعارضة لينتقد النظام فتجده يفعل بعبارات جوفاء باهتة أفضل عدمها؛ كلما قرأت لهم تقفز الى ذهني دايماً قصة معاوية بن ابى سفيان مع أحد رعاياه: كان الرجل يقول لمعاوية والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك فيقول: بماذا؟ فيخاف الرجل من سطوة معاوية فيرد: بالخشب يا امير المؤمنين فيقول معاوية مبتسما إذن نستقيم. هذا حالهم صحفينا؛ يناضلون ويعارضون بالخشب لانهم قد اغتنوا من هذا النظام القايم بفضل معارضتهم الجوفاء، فتجد النظام يجزل لهم العطاء ليلا وينفس بهم على الشعب نهارا. هؤلاء نعرفهم ب (النبت الانقاذى)..والدليل يفجرون الجسام من المواضيع وقضايا الفساد التى تقوم لها الدنيا ولاتقعد، وفى صبيحة اليوم التالي يأتوننا بموضوع جديد ننسي به الاول كانه لم يكن في الاساس.! اذا لم يحترم كتابنا عقولنا كقراء وأننا واعيين لهذه الفقاعات المدفوعة سوف يتساقطون في انظارنا الواحد تلو الاخر كاوراق الخريف بل سيصبحون احدى اهداف الثورة عندما تقوم. وعليهم ايضا أدراك حقيقة انه اذا انتقدك شخص اعيد البصر كرتين فيما نقدك فيه قبل ان تسارع بالرد الفوري والغضب يتملكك.. الاعتراف بالذنب او الخطأ فضيلة يصاب عليها الفرد. كذلك ضرورة احترام الراي الاخر مهما كان وعدم الجنوح إلى التقليل من شان الآراء الغير مطابقة.. إذا اعتبرت أن من حقك أن تسرح بقلمك وتكتب ما شئت فلماذا لا تحترم من تكتب له وتقبل بحقه في التعقيب والمناقشة بحرية مطلقة حتى يتحقق التوازن النقدي المطلوب؟ عموما أن إلاعتراف وإلاقرار بأن نفوسنا ليست مقدسة ولا معصومة ولا بريئة ولا نزيهة ولا مزكاة لا يخلق لنا المبرر في إرتكاب الآخطاء بل يجب ان يجعلنا الاحرص على عدم الوقوع في الخطأ ما استطعنا. الإمام الشافعي رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب