مدخل هذا رصد مبوّب لأشهر لا تتعدي الاربعة لكنها ذخرت ببطش وتعذيب لعشرات الشرفاء يصعب وصفه . هذا النموذج لانتهاكات حكومة الانقاذ أعرضه اليوم راجيا أن ينتبه النشطاء وكل المجموعات الشبابية أننا وبمثل هذا الملف الموثق نشق دربنا الي سوح التقاضي لرد الحقوق للضحايا ومعاقبة المجرمين أينما كانوا وغض النظر عن أدوراهم . فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وتظل مفتوحة للإقتصاص من هذا النظام المجرم وكل من تلوثت يده بدماء أبرياء أو بصرخات تعذيب تسبب فيها . لذلك ، وحتي لا تضيع الحقوق ولاتتوالي السنون فننسي الانتهاكات والمظالم التي حدثت خلال سنوات الانقاذ الكالحة فإنني أدعو كل النشطاء للمضي قدما في تدوين وقائع أي جريمة ذات صلة بملف حقوق الانسان . فمثل تلك الحثيثيات المفصلة تصبح ذات لسان وشفتين في دور العدالة فتعيد للضحايا حقوقهم وربما بعض من كرامة مهدورة . الضحايا قد يمضون ، والناس قد ينسون لكن ذاكرة الملفات تظل متقدة لا تعرف النسيان الموقف ببيت الاشباح المعروف بالواحة (ديسمبر 1994 الي مارس 1995 بمناسبة إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين والنشطاء صباح الْيَوْمَ 25 ديسمبر 2016 ، أودّ ان أشرككم معي في قراءة بعض من توثيقي للفترة من ديسمبر 1994 الي مارس 1995- اَي لأحداث مضي عليها اثنان وعشرون عاما – "وكاننا يا عمر لا رحنا ولا جئنا" – بوابة المعتقلات، السرية منها والمعلومة، تدور بلا انقطاع – يعتقل الشرفاء والمناضلون من اجل الحقوق والديمقراطية ثم يطلق سراحهم لأجل معلوم الي حين اعتقال قادم. الثلاثاء 7 مارس 1995 تم تحويل كل المعتقلين ببيت الاشباح الذي اطلق عليه حراسه من عناصر جهاز الأمن اسم "الواحة" امعانا في التنكيل بالمعتقلين الي سجن كوبر في الثالثة صباحا. كان بالمعتقل السري حينها 54 معتقلا ينتمون لثلاث مجموعات: 1. معتقلين سياسيين بدون تهم موجهة لهم؛ 2. معتقلون بشبهة المشاركة في جرائم اقتصادية و 3. معتقلون من دول إسلامية مختلفة لم يكن من الواضح لي حينها أسباب اعتقالهم. كان تحويل لمعتقلين غريبا في تفاصيله اذ انتقل معهم حراسهم من جهاز الأمن ورفض هؤلاء السماح لسلطات السجون بتسلم المعتقلين السياسيين رسميا وهو ما كان سيتيح لهم معاملة أفضل كمعتقلين سياسين وفق قوانين و لوائح مصلحة السجون حينها. لكن سمح للمعتقلين السياسيين – وعددهم 26 – بالبقاء في عنبر واحد وأتيح لهم النوم علي أسرة ومراتب لأول مرة منذ اعتقالهم اذ كانوا في الواحة يوضعون في حبس انفرادي ويتأملون علي الارض لشهور متصلة ولا يسمح لهم بالكلام فيما بينهم . بالرغم من رفض جهاز الأمن لتحويل المسؤلية لسلطات السجن الا ان مدير سجن كوبر سمح للمعتقلين بتلقي وجباتهم من اسرهم. ترحيل المعتقلين بالواحة الي كوبر في مارس 1995 لم يأتي كنتيجة لقرار باغلاق الواحة اذ كانت هناك عدة بيوت اشباح اخري عاملة كبيت في أركويت سعته أربعين معتقلا – وكان لعناصر الأمن عندها وحتى الْيَوْمَ كامل الصلاحيات لاعتقال اَي شخص وحجزه في اَي موقع كما حدث مؤخرا مع الصحفي بجريدة السوداني الذي اعتقل بوزارة المالية بعد سؤاله لوزير المالية عن صحة مستند متعلق بشبهة فساد في سوق الأوراق المالية بالخرطوم. ظروف الإعتقال بالواحة: الواحة كانت منزلا حكوميا عاديا ، بني جهاز الأمن إعدادا من الزنازين في فنائه علي عجاله عند قام بتحويله الي بيت اشباح. اغلب المعتقلين كانوا محتجزين في تلك الزنازين الضيقة ، بالكاد متر وعشرين سنتمترا في متر وعشرة سنتمتر – يفرض عليهم النوم علي الارض مباشرة بلا مرتبة ويفرض عليهم الجلوس بالأرض طوال النهار وهم بالزنزانة حتي لا يشاهدوا ما يدور في ساحة الدار من ضرب وتعزيب للمعتقلين الآخرين . تبقي مصابيح النيون بالزنزانة مضائة 24 ساعة في الْيَوْمَ – يسمح لهم بالخروج لأداء الصلاة فقط – الحمام وغسيل الملابس مسموح بهما مرة في الأسبوع. استعمل الحراس أيضا مكبرات الصوت في فترات معينة لتعريض المعتقلين لدعاية دينية مكررة – ووفق رواية من اطلق سراحهم كان الحراس يسمحون "للتائبين" من المعتقلين بالانتقال الي المبني الرئيسي ، حيث يمكنهم الحديث مع بعضهم البعض – ومشاهدة فيديوهات الدعاية الجهادية – وكأنوا يلزمون بإعداد الوجبات لكل أهل الواحة من معتقلين ومعزبيهم. ذكر المعتقلون ان حراسهم كانوا مقيمين في غرف المنزل الرئيسي الخمس ولا يغادرون الواحة مثلهم، وكانوا ينادون بعضهم بأسماء منها: جدو او ابو العباس ، وهو قائد فريق عناصر الأمن؛ محمد خير؛ ابو بكر ؛ عمر؛ حسن والامين. أدناه بعض من ترددوا علي الواحة من ديسمبر 1994 الي مارس 1995 : المعتقلون السياسيون يوسف حسين: تنقل بين بيوت الاشباح وسجن كوبر مرات ومرات في فترات اعتقاله المتكرره. احمد بابكر: كان قد اكمل ثمانية أشهر بالواحة عندما تم نقلهم لكوبر. محمد المهدي: امام جامع ود نوباوي، اعتقل في فبراير بالواحة وحول مع الآخرين . محمد عثمان: تعرض للتعزيب في شهر رمضان (فبراير) بالواحة – وفي احدي المرات ربطت يده بباب الزنزانة ليومين متتاليين لحرمانه من النوم . عمر صالح: مواطن من شندي. محمد الغالي: طبيب اعتقل في فبراير بالواحة وأطلق سراحه في مارس من كوبر. محمد فرح، من حي الثورة – اطلق سراحه في مارس. حسن … : بعثي، اعتقل لسبعة أشهر وأطلق سراحه من كوبر . قوردون …: ضابط شرطة من جنوب السودان، كل جريمته انه أراد اللحاق بأسرته التي ذهبت الي مصر – ورفض طلبه. مصطفي …: اعتقل بالواحة طوال ثلاث أعوام ، ثم اطلق سراحه من سجن كوبر . كمال الطيب: مهندس معماري، اعتقل في يناير وأطلق سراحه في فبراير – زوج قريبة المعارض الشيوعي التجاني الطيب. بهاء الطيب: الأخ الأصغر لكمال المذكور أعلاه – خريج جديد – اعتقل في يناير 1995 وتعرض للتعزيب خلال جلسات استجوابه بالواحة فاقمت من اثاره انه يعاني من الازمة. ثلاث عسكريين مشتبه في أعدادهم لانقلاب في شهر فبراير ، ذكروا انهم تعرضوا لتعزيب بشع بوحدة الاستخبارات العسكرية قبل تحويلهم الي الواحة ومنها الي كوبر. المعتقلون الأجانب : في فترة هذا الرصد، ديسمبر 1994 الي مارس 1995 كان بالواحة: مغربيان هما مصطفي وسليمان ومسلمان من بوروندي هما رمضان ومحمد – وجزائري اسمه صالح. كان من ضمن المعتقلين بالواحة أيضا ثمانية عسكريين تشاديين هربوا الي السودان قبل اكثر من عام ونصف بعد مشاركتهم في محاولة انقلابية فاشلة ببلدهم وأطلق سراحهم في 17 فبراير بعد حدوث مصالحة ما بتشاد وأعيدوا لبلادهم بطائرة خاصة . معتقل نيجري شاب عمره ثمانية عشر عاما ، اسمه هنري، اعتنق الاسلام بالمعتقل وسمي عبدالله – كان في زيارة عمه كينق عبدالله، مدير شركة بدروسيم المعروفة – واعتقل مع عمه – الصغير لا يعرف لماذا اعتقل او مني سيطلق سراحه، ولكن من الواضح ان السلطات كانت تستعمله كوسيلة للضغط علي أسرته لتسديد مبلغ من المال …. كان هناك أيضا مواطنين من الكونغو ذكرا لبقية المعتقلين إنهما حضرا للسودان بترتيب من جنرال سوداني معروف لديهما باسم "عمر" وذلك لإكمال صفقة لتوريد زئبق احمر بقيمة مليون دولار. تمت استضافتهما في فندق القرين فيلج و عندما فشلا في توفير المطلوب منهما ارسلهما مضيفهما الي الواحة! احمد دقشوم – اتهم بسؤ استغلال أموال تخص صندوق دعم الطلاب وأطلق سراحه لاحقا. في يوم من شهر ديسمبر ، نجح سبعة معتقلين في الهروب من الواحة بكسر أبواب زنزانتهم – وتم اعادة القبض علي ثلاث منهم لاحقا – تعرضوا لتعزيب مبرح والجلد في فناء "الواحة" . وأخيرا ، سأكرر ماقلته آنفا وهو أننا وبعد الترحيب المستحق بالابطال الذين اطلق سراحهم بالامس – يتعين علينا مضاعفة الجهد لكسر قيود النسيان بالتوثيق . ولتكن بدايتنا التدشينية بمن أطلق سراحهم . وليصبح هذا الجهد التوثيقي ضمن أولويات همنا الوطني حتي نقتص منهم فردا فردا في يوم نراه قريبا ، ويرونه بعيدا