* لم نفق من صدمة إزالة مساحات ضخمة من النخيل والمزروعات الأخرى بمنطقة الجريف غرب قبل بضعة أيام بدون سبب معروف، حتى صُدمنا بإزالة جزء كبير من حدائق 6 أبريل بوسط الخرطوم وترحيل حديقة الحيوان التي تشغله الى جهة غير معلومة، لإنشاء المكتبة الوطنية، وكأن الأماكن في الخرطوم إنعدمت حتى تُزال الحدائق، وتُقطع الاشجار التي يبلغ عمر بعضها أكثر من مائة عام، ويُدمر الغطاء النباتي في منطقة مهمة جداً في وسط الخرطوم، وتتعرض الحيوانات البرية للموت بسبب الترحيل غير العلمي!! * لقد أعاد القرار الرئاسي المؤلم الى الذاكرة اغلاق حديقة الحيوانات بالخرطوم قبل إثنين وعشرين عاماً، وترحيل حيواناتها الى أماكن متفرقة في العاصمة مما تسبب في موت معظمها، وإفتقاد البلاد الى معلم سياحي بارز من معالمها، ومكان جميل للتعلم والترفيه للأطفال والمواطنين، بدون سبب معروف غير ما تداولته بعض المجالس أن الإغلاق تم لأسباب شخصية بحتة، أو ما زعمه البعض ان سادة القصر الجمهورى الجدد إشتكوا من الروائح التي ينقلها لهم الهواء من الحديقة، الى أن فوجئ الناس لاحقاً بعمليات حفر وتشييد في المكان الذي يحتله حالياً البرج الليبي أو فندق (كورنثيا) المملوك لجهة أجنبية!! * ليس ذلك فقط، بل شهدت كل المناطق المخضرة التي تقع على شواطئ الأنهار في الخرطوم وغيرها تدميراً هائلاً، وتشييد المباني والمقاهي والمطاعم والأكشاك عليها، وهي من أكثر المناطق خضرة وجمالاً في العاصمة، بل وفي العالم، والتي لا تعتبر مناطقاً للسياحة والترفيه فقط، بل غطاءً نباتياً مهماً لحماية البيئة العاصمية والتوازن الببيئي بأشكاله المتنوعة، وكان من الممكن بقليل من التفكير تطويرها واستثمارها بشكل مختلف يحافظ عليها، ويجعلها أكثر المناطق جذباً للسياح والزائرين، خاصة منطقة المقرن التي يقترن فيها النيلان الأبيض والأزرق، والتي قل أن توجد في أي مكان آخر في العالم، وجزيرة توتي التي أُعدمت بشكل عملي بإنشاء جسر لا أهمية له، جعلها جزءاً من اليابسة وأفسد بيئتها الجميلة، وحولها الى مكان مكتظ بالأوساخ والعربات ومحلات تغيير الزيوت وورش الميكانيكا، والأكشاك التي تتناثر في كل مكان وتلقى بأدرانها على النيل، بدلاً عن تحويلها الى حدائق ومناطق للسياحة الشاطئية والنيلية، وبيئة نباتية طبيعية جميلة لأنماط الحياة المختلفة، تحافظ عليها وعلى الدور الكبير الذي تلعبه في حماية البيئة والتوازن البيئي، وتخلق منها مزاراً سياحياً لا مثيل له مع المقومات الطبيعية والسياحية الكبيرة التي حباها الله بها، ولكن الطمع والتهافت على المال وقصر النظر جعل حتى من يتهافت على جمع المال، يفكر بطريقة مشوهة، شوهتها وأفسدتها وحرمت الجميع، ومنهم من افسدها، من الانتفاع بها بشكل عملي وعلمي ومثالي يراعي خصوصيتها ويجعلها رافداً مهماً من روافد الدخل القومي، لا ينضب ولا ينقطع !! * حملت الأنباء أن (محلية الخرطوم) شرعت أول أمس في إزالة حديقة الحيوان بحدائق 6 أبريل، التي تبلغ مساحتها 11 ألف متر مربع، بموجب قرار من رئاسة الجمهورية بتخصيص الأرض لبناء المكتبة الوطنية، وأمهلت المحلية شرطة الحياة البرية 10 أيام لترحيل الحيوانات الى محلية جبل أولياء، في وقت رأت فيه الشرطة أن المهلة غير كافية لنقل الحيوانات، وأكدت أن حديقتي حلة كوكو والقرشي لا تسع مساحتهما للحيوانات الموجودة، وكان من الممكن التريث لحين ايجاد مكان مناسب لها، بدلاً من النقل المتعجل الذي سيؤدي لموتها، كما حدث من قبل للأسود والفيلة والزراف والغزلان، التي ماتت عندما تم ترحيلها من الحديقة القديمة، بدون إعتبار لطبيعة حياتها والبيئة التي تناسبها، ولقد أفاد مصدر في شرطة الحياة البرية أنهم فوجئوا بالقرار الجديد، وأن المهلة التي منحتها لهم المحلية (10 أيام) لا تكفي لتشييد قفص واحد، دعك من توفير المقومات البيئية الملائمة لهذه الحيوانات مما سيؤدي حتما لموتها !! * والله إن الإنسان يصاب بألم دفين كل يوم عندما يرى البيئة الطبيعية، والأنهار والنباتات والحياة الطبيعية تقتل مع سبق الإصرار والترصد كل يوم في بلادنا، بهذا الشكل المزري، لتحقيق مطامع شخصية، أو تشييد الأبنية الخرصانية، بدون تفكير في ما يمكن أن يقع من أضرار فادحة على البلاد والأجيال المقبلة، خاصة مع وجود تقارير علمية مؤكدة، آخرها ما بثته قناة (السي إن إن) الأمريكية في خبر عاجل، أن السودان معرض للتصحر بشكل كامل في غضون الخمسين سنة القادمة، إذا لم تتضافر كل الجهود لزراعة الغابات و تطوير القطاع النباتي وإيقاف الرمال التي تزحف بشراسة لابتلاع السودان وإزالته من الوجود!! الجريدة