مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في الإشارات المتضاربة لتعديل لائحة المجلس الوطني
نشر في حريات يوم 16 - 04 - 2017


نبيل أديب عبدالله / المحامي
معلوم أن الأنظمة الدستورية الحديثة تنقسم بشكل رئيسي الى نظامين رئيسيين، وهما النظام البرلماني، وهو الأقدم في الظهور ورائدته بريطانيا، والنظام الرئاسي وهو نظام ظهر مؤخراً وتولى ريادته الدستور الأمريكي. ورغم أن وضع مقاليد الأمور في يد حاكم فرد يبدو أنه النظام الأقدم، إلا أن هنالك فروق اساسية بين النظام الاوتوقراطي القديم الذي كان يُخضِع أجهزة الدولة لإرادة الحاكم الفرد، وبين النظام الرئاسي الذي يقوم على أساس ديمقراطي. واقع الأمر أنه من الناحية التاريخية فإن النظام الملكي الأوتوقراطي والذي لا يخضع إرادة الملك لمراجعة من اي جهة كانت، قد تطور تدريجياً في بريطانيا إلى النظام الديمقراطي البرلماني حيث أصبح الملك يسود ولا يحكم، في حين أن النظام الدستوري الأمريكي قد نشأ رئاسياً بالتحديد لمنع إجتماع السلطات في يد شخص واحد.
النظام الرئاسي
يقوم النظام الرئاسي على مبدأ الفصل بين السلطات ولذلك فهو يحصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب بواسطة الشعب. ويتولى وفقاً لذلك رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي السلطة التنفيذية وهذا ما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الامريكية حيث جاء فيها (يتولى السلطة التنفيذية رئيس الولايات المتحدة الامريكية) وهو يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية بأية صورة من الصور.
كون أن السلطة التفيذية هي من إختصاص رأس الدولة في النظام الرئاسي يجعله، مع إحتلاله موقع السيادة، يقوم بشخصه، أو بواسطة مساعديه، بتصريف شؤون الحكم وليس مجلس الوزراء، بل ولا يوجد مجلس وزراء في الأصل، فالوزراء هم مساعدون لرئيس الجمهورية، يساعدونه في تصريف شؤون الحكم، ويخضعون لتوجيهاتة والمسؤولية في كل ذلك تعود عليه هو.
لذلك فحين عرض لنكولن مسألة على وزارئه وكانوا آنذاك سبعة وزراء فإتفقوا جمعياً على مخالفته في الرأي، أعلن لنكولن النتيجة بقوله "نعم" صوت واحد "لا "سبع أصوات الفائز "نعم" . وهذا يلخص دور الوزراء في النظام الرئاسي. ولذلك فعلى المستوى الوطني يتولى رئيس الدولة الامريكية حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونجرس الى عقد دورات استثنائية وتوجيه رسائل شفوية للكونجرس وتعيين كبار القضاة وتعيين المساعدين (الوزراء) وكبار الموظفين. اما على المستوى الدولي فرئيس الدولة هو المسؤول بصورة اساسية عن علاقات الولايات المتحدة الامريكية بالدول الاجنبية وهو الذي يعين السفراء والقناصل وهو الذي يستقبل السفراء الاجانب ويجري الاتصالات الرسمية. لذلك اصبح من المهم جداً في في النظام الرئاسي ان يتم انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام حتى يتساوى في تفويضه الشعبي مع البرلمان.
النظام البرلماني
في ظل النظام البرلماني يوجد رأساً للدولة سواء كان ملكًا أو رئيسًا منتخبًا لا يملك سلطة حقيقية، وإنما تنحصر سلطاته في أداء أعمال شكلية إحتفالية Ceremonial ، مثل أن يطلب من زعيم الأغلبية في البرلمان تشكيل الحكومة، أو قبول استقالة الحكومة إذا ما رأت تقديم استقالتها لأي سبب من الأسباب، واستقبال رؤساء الدول والسفراء الأجانب، وهي أمور شكلية وليس لها تأثير يذكر على الساسة العامة للدولة. فرئيس الدولة اذن غير مسئول سياسيا لا يتولى سلطات تنفيذية فعلية ولا يعتبر مركز ثقل فى تسيير امور الحكم فى البلاد. هذا لا تقع على عاتقه أية مسؤولية سواء كان ملكا أو رئيسا للجمهورية ولذلك لا يجوز انتقاده.
ولكن في النظام البرلماني يوجد إلى جانب رأس الدولة رئيس للوزراء هو الذي يصرف فعلياً أعمال السلطة التنفيذية، لذلك فإنه هو الذي يختار الوزراء بوصفه زعيم الأغلبية في البرلمان وغالبا ما يختار وزرائه من بين أعضاء حزبه ما لم يكن مضطرا لتشكيل حكومة ائتلافية إذا كان حزبه لا يحظى بالأغلبية المطلوبة في البرلمان.
حجر الزاوية في النظام البرلماني هو مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، وهي مسؤولية تضامنية تتحملها الحكومة كلها عن سياستها العامة، ومسؤولية فردية يتحملها كل وزير عن وزارته . ويعني ذلك أنه إذا سحب البرلمان الثقة من الحكومة ليجبرها على الاستقالة كما ويجوز له سحب الثقة من أي وزير ليجبره على الاستقالة.
في مقابل سلطة البرلمان في سحب الثقة من الحكومة، فإن النظام البرلماني في العادة يمنح الحكومة سلطة حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، بدلاً من الإستقالة، وتفعل الحكومة ذلك حين تعتقد أن إتجاه الرأي العام يخالف إتجاه البرلمان وهذه السلطة تمنحها حق الاحتكام إلى الشعب، وفي هذه الحالة تحسم نتيجة الإنتخابات الموقف. ورغم أن الحكومة تمتلك سلطة دعوة البرلمان للانعقاد وفض دورات انعقاده،إلا أن هذه السلطة محدودة الأثر لأنها تتم ممارستها في زمن معين
الفرق الرئيسي بين النظامين هو الفصل بين رأس الدولة والجهاز التنفيذي في النظام البرلماني، في حين أن النظام الرئاسي يقوم على أن يتولى رأس الدولة السلطة التنفيذية. ولذلك فإنه لا ضرورة أصلاً لإنتخاب رأس الدولة في الأنظمة البرلمانية ورئاسة الدولة تنتقل بالتوارث في بريطانيا والدول الأوربية الأخرى التي أنتقل إليها النظام البريطاني، كهولندا مثلاً. وهذا لايؤثر على خضوع الحاكم لإرادة الشعب لأن رأس الدولة لا يحكم وتظل سلطاته رمزية إحتقالية Ceremonial، يمارسها نيابة عنه رئيس الوزراء، والذي يتم إنتخابه بواسطة البرلمان، ويكون مسؤولاً أمامه. في حين أن رئيس الجمهورية في الأنظمة الرئاسية يتم إنتخابه بواسطة الشعب، وهو مسؤول أمام الشعب، ومن هنا فإن النظام الرئاسي يبدوانه اكثر إلتزاماً بمبدأ الفصل بين السلطات، إذ ينتخب الشعب الرئيس الذي يتولى السلطة التنفيذية ويتولى السلطة التشريعية البرلمان الذي ينتخبه الشعب ايضاً على إستقلال من إنتخابه لرئيس الجمهورية، في حين ينتخب البرلمان رئيس الوزراء في النظام البرلماني. ولكن بدون الدخول في التفاصيل المعقدة لعلاقات السلطات بعضها ببعض فإن الواقع هو أن النظامين يقومان على فصل غير تام بين السشلطات وعلى رقابة متبادلة بينهم .
ولكن مؤخراً ظهرت أنظمة وسطية بين النظامين، حاولت بشكل أو آخر الخروج قليلا من النظام الذي تتبناه بإتجاه النظام الأخر، ولكن دون أن تتخلى بشكل كلي عن النظام الذي تتبناه، أو تتبنى بشكل كلي النظام الآخر وهو ما أنتج نظاما مختلطا يطلق عليه البعض إسم النظام نصف الرئاسي .
الأنظمة النصف رئاسية
ظهر هذا انظام المختلط أول ما ظهر على يد ديجول بواسطة الإصلاح الدستوري في فرنسا في عام 1961م والذي شرع انتخاب رئيس الجمهورية بالإنتخاب المباشر، دون إلغاء الإطار البرلمان. و هو الأمر الذي تبنته أنظمة برلمانية أخرى مثل ألمانيا والنمسا. يبدو النظام النصف رئاسي اقرب إلى النظام البرلماني منه إلى النظام الرئاسي، فما زالت السلطة التنفيذية منقسمة بين رئيس دولة ووزارة يرأسها رئيس الحكومة. و النظام نصف الرئاسي يجعل الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، والذي يجوز له إجبار رئيس الحكومة مع مجموع وزارته على الإستقالة عبر التصويت على حجب الثق. كما ويحتفظ النظام نصف الرئاسي للسلطة التنفيذية بسلطة حل البرلمان.و الفارق الأساسي يتمثل في طريقة إنتخاب رأس الدولة الذي يتم إنتخابه بالإقتراع العام كما في الولايات المتحدة الأمريكية .
الصلاحيات الدستورية للرئيس في الدساتير نصف رئاسية تجعله مشارك في الحكم في حدود محددة، ويرى البعض أنه منظم أكثر منه حاكم، ففي فرنسا مثلا له سلطة إعادة القوانين أمام البرلمان لدراستها من جديد، وسلطة حل الجمعية الوطنية، و اللجوء إلى الاستفتاء. كذلك فإنه هو الذي يختار رئيس الوزراء ولكن يتوجب عليه أن يختار من يحوز على تأييد أغلبية أعضاءالجمعية الوطنية .
هل الدستور الإنتقالي هو دستور رئاسي؟
ورغم أن دستور 2005 قد إشتهر بأنه هو دستور رئاسي، إلا أن النظرة المتعمقة قد لا تجده كذلك. حمل دستور 2005 مفارقة أساسية في أحكامه للنظام الرئاسي التقليدي، فنصت المادة 49 منه على أن تتكون السلطة التنفيذية من رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء القومي. وهذه المادة مقروءة مع المادة 70(4) تجعل لمجلس الوزراء نصيباً واسعاً في السلطة التنفيذية بشكل مستقل عن سلطة رئيس الجمهورية. ورغم أن رئيس الجمهورية هو الذي يشكل مجلس الوزراء القومي م 70( 1) بما يعني أنه هو الذي يعين الوزراء، وهو الذي يعفيهم من مناصبهم (م 67 ب ) ولكنه لا ينفرد بذلك، فالوزير القومي مسؤول أمام رئيس الجمهورية والمجلس الوطني م 74 (1). وأضف لذلك أن الوزراء مسؤولون مسؤولية تضامنية وفردية أمام المجلس الوطني عن أداء مجلس الوزراء القومي م 74 (2). وهذا يعني أن المجلس الوطني ( البرلمان ) يمكنه سحب الثقة عن مجلس الوزراء مما يؤدي بالضرورة لإستقالة المجلس وهذا الوضع غير المألوف في الأنظمة الرئاسية أدى من الناحية النظرية إلى أن تكون لمجلس الوزراء مسؤولية تضامنية أمام البرلمان، وليس أمام رئيس الجمهورية الذي شكل المجلس، وهذا يعني أن رئيس الجمهورية لا سلطة له في حل مجلس الوزراء، وهو الأمر الذي فطنت له التعديلات الأخيرة، وأن كانت له سلطة إعفاء كل وزير بواسطة المادة 76 (ب ). وربما كان السبب في هذا الوضع المفارق بشكل واضح للنظام الرئاسي هو رغبة الحركة الشعبية في أن تكون التغيرات في تشكيل مجلس الوزراء الأول محدودة لعلمها أن تأثيرها على مجلس الرئاسة محدود، وهو الأمر الذي قاد للأزمة الدستورية الأولى حين رغب الطرفان في تعديل وزاري ولم يتفقا على تفاصيله. ورغم أن رئيس الجمهورية غير مسؤول أمام المجلس الوطني، وهو وضع عادي بالنسبة للنظام الرئاسي ولكن الوضع غير العادي بالنسبة للنظام الرئاسي هو أن مجلس الوزراء مسؤول مسؤولية تضامنية أمام المجلس الوطني، وهو ما يعني أن البرلمان يمكنه تجريد الرئيس من حكومته، وممارسة سلطة الرقابة الفعلية على سياسات الرئيس عن طريق حجب الثقة عن مجلس الوزراء.
وتماشياً مع هذه السياسة التي تهدف لإخضاع السلطة التنفيذية لرقابة السلطة التشريعية، نص الدستورعلى سلطة المجالس التشريعية للولايات على حجب الثقة عن الوالي. وفي هذه الحالة يلزم إجراء إنتخابات جديدة للوالي، فإذا فاز يعتبر المجلس التشريعي محلولاً وتجري إنتخابات جديدة للوالي م 179. وهذا يعني أن الدستور وإن لم يمنح الوالي سلطة حل المجلس التشريعي إلا أن فوزه في الإنتخابات بعد حجب الثقة عنه يؤدي تلقائياً لحل المجلس. وكل هذه السلطات والحلول غريبة عن النظام الرئاسي الذي لايمنح السلطة التنفيذية سلطة حل المجلس التشريعي، ولا للمجلس التشريعي سلطة حجب الثقة عن السلطة التنفيذية
موقف سلبي في تعديلات 2015
تماشياً مع الإتجاه الذي سبق إنتخابات 2015 في تقوية الجانب المركزي في الدستور، فقد الغت التعديلات الدستورية لعام 2015 المادة 179 وإستعاضت عنها بأحكام جديدة أعطت بموجبها رئيس الجمهورية سلطة تعيين الولاة، وأجازت له إعفاء الوالي من تلقاء نفسه، أو بناء على توصيه ثلثي أعضاء المجلس. وهذا التغجيل منح رئيس الجمهورية سلطة تعيين وعزل الوالي وإمنعانا في تخفيض سلطة الوالي سمح أيضاً للمجلس التشريعي بالتوصية بعزله، ولكنه لن يكون له دور في إختيار الوالي البديل الذي سيعينه الرئيس وبالتالي فقد إنتهت تلقائياً مسألة حل المجلس التشريعي إذ لم يعد ممكنا إعادة إنتخاب الوالي .
والملاحظ أنه رغم أن تعديل الدستور لعام 2015 قد قصد ونجح في زيادة سلطة رئيس الجمهورية ألا أن زيادة السلطة كانت أفقية وليست رأسية، بمعنى أنها كانت متعلقة بزيادة سلطة المركز في مواجهة الولايات، وبالتالي فإن مسؤولية مجلس الوزراء ظلت أمام البرلمان دون الرئيس .
على الصعيد العملي لم تشكل مسألة مسؤولية مجلس الوزراء التضامنية أمام البرلمان أي مشكلة، لأن البرلمان الأول والذي كان معيناً بأكمله، تم تعيينه بشكل يضمن عدم حجب الثقة عن مجلس الوزراء، ولم يتغير الحال بعد الإنتخابات في عامي 2010 و2015 حيث تم خوضها بواسطة الحزب الحاكم وحده، وبالتالي فلم تثر أي خلافات بين البرلمان ومجلس الوزراء.
تعديلات 2017 والمهمة المستحيلة
ولكن الأمر قد تغير في تعديلات 2017، فقد نادت الوثيقة الوطنية بتقليص سلطة رئيس الجمهورية بتعديلات تقود نحو النظام نصف الرئاسي، وتقليص قبضة الحزب الحاكم على البرلمان بضم نواب جدد للمجلس الوطني، إلا أن التعديل المتوقع في تركيبة المجلس الوطني والذي سيبعده عن قبضة الحزب الحاكم دفع لأن تهدف التعديلات الدستورية إلى تشديد القبضة الرئاسية، في نفس الوقت الذي يتم فيه خلق وظيفة رئيس الوزراء. وهكذا فقد عمدت التعديلات لأول مرة لإقرار مسؤولية مجلس الوزراء التضامنية أمام رئيس الجمهورية، ومنحه سلطة حل المجلس. تم تعديل المادة 58 (1) من الدستور والخاصة بصلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية، فتمت زيادتها بحيث إضيفت لها سلطات تؤكد هيمنته على السلطة التنفيذية، ومن ثم فقد إضيفت لتلك السلطات والصلاحيات لأول مرة سلطة حل مجلس الوزراء، وهي سلطة لم تكن موجودة كما أسلفنا في الدستور، ولم تتعرض لها تعديلات 2015. من أجل خلق وظيفة رئيس الوزراء تم خلق مسافة بين الرئيس ونائبيه وبين مجلس الوزراء. فأصبح حضور الرئيس لجلسات المجلس، وهو حضور يستلزم رئاسته للجلسة، ليس تلقائياً وإنما يتصل بمتطلبات المصلحة العامة، أو الضرورة، وكذلك أدت التعديلات لفقد نائبي رئيس الجمهورية عضويتهما في مجلس الوزراء. ورغم أن هذا الوضع يشابة النظام النصف رئاسي شكلاً إلا أن مسؤولية مجلس الوزراء ورئيسه في ذلك النظام هي أمام البرلمان فحسب وهذا ما لم تأخذ به التعديلات.
فقد أدخلت المادة 70 المعدلة منصب رئيس مجلس الوزراء ولكنها نصت على تعيينه بواسطة رئيس الجمهورية، وعلى أن يكون مسؤولاً أمام رئيس الجمهورية، والمجلس الوطني. ظلت سلطة تشكيل مجلس الوزراء في يد رئيس الجمهورية، إلا أنه أصبح يمارس تلك السلطة بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء القومي. كما وأُدخِت حكم أصبح بمقتضاه مجلس الوزراء القومي مسؤولاً عن أداء مهامه أمام رئيس الجمهورية، وأمام المجلس الوطني. إذن فقد تم تقييد سلطة رئيس مجلس الوزراء في مواجهة رئيس الجمهورية الذي يعينه ويعزله، ولكنه لا يعتير مساعداً له فحسب من حيث كونه مسؤولا أيضا أمام المجلس الوطني. أي أن سلطة رئيس الجمهورية قد زادت في مواجهة مجلس الوزراء ولم تتقلص.
والنص على مسؤولية مجلس الوزراء القومي عن أداء مهامه أمام رئيس الجمهورية يشكل الأرضية القانونية لسلطة حل مجلس الوزراء التي أضافتها التعديلات الدستورية لسلطة رئيس الجمهورية. ولكن الشكل الذي يمكن أن يمارس به المجلس الوطني سلطته في الرقابة على مجلس الوزراء، وهي سلطة موجودة أصلاً بموجب المادة 74 (2) من الدستور التي لم يلحقها تعديل في أيا من التعديلين ما زال غير مفصح عنه.
لما كانت التعديلات الدستورية لعام 2017م هي في نهاية الأمر تعديلات قُصِد بها أن تكون توافقية بمعنى أنها ليست تعبيراً عن إرادة المؤتمر الوطني فحسب، أو على الأقل يجب أن تبدو كذلك. ولماكان هنالك إتفاق على إدخال عضوية جديدة في المجلس الوطني ممثلة لأحزاب المعارضة المحاورة، أو الأحزاب نصف المعارضة لو شئت، فإنه كان لابد من أن يتم تعديل لائحة أعمال المجلس الوطني لإستقبال القادمين الجدد، إما لإضفاء معنى على التعديلات الدستورية، أو لتحجيم تأثير القادمين الجدد، بحسب الزاوية التي تنظر بها أيها القاري لمجريات الأمور. ومن هنا حدث التقاطع بين التعديلات على الدستور، والتعديلات على اللائحة.
التعديل في لائحة أعمال المجلس
جاء في صحف الخميس الماضي تلخيصاً للتعديلات التي تم إدخالها على اللائحة، ولكننا لم نوفق حتى كتابة هذا المقال في الحصول على نصها، مما يجعلنا نعتمد على ماجاء في في الصحف بالنسبة لما يهمنا من تلك التعديلات. وقد حمل تعديل اللائحة حسبما جاء في الصحف حكماً يجيز لعدد 50 عضواً أن يطلبوا إستدعاء رئيس الوزراء لإستجوابه بواسطة المجلس، وأنه وفقاَ لما يسفر عنه الإستجواب يجوز لأي عضو التقدم بمشروع توصية لرئيس الجمهورية بعزل رئيس الوزراء أو الوزير. وهذا يعني أن الإجراء يخلط بين صوت اللوم a censure motion وحجب ثقة Vote of no confidence لأن صوت اللوم يعني عدم قبول تصرف معين أو فعل معين، ولا يعني بالضرورة إستقالة أو عزل من قام بالفعل او التصرف في حين أن حجب التقة يتعلق بعدم الرضا عن سياسة مما يلزم معه عزل صاحبها. على أي حال فقد أجاز الإجراء طلب التصويت برفع توصية لرئيس الجمهورية بعزل رئيس الوزراء أو الوزير الذي تم إستجوابه.
غني عن البيان أن هذا الحكم كان يجدر أن يكون جزء من التعديلات الدستورية حتى يكون ملزماً لرئيس الجمهورية، لأن لائحة عمل المجلس ليست ملزمة له. صحيح أن نص الدستور على مسؤولية رئيس الوزراء أمام المجلس الوطني يعني أن حالة حجب الثقة عنه موجبة للعزل أو الإستقالة، ولكن كان الأوفق أن يتضمن التحكيم حكماً واضحاً بذلك كان الأجدر أن يتضمن التعديل على لائحة أعمال المجلس حالة التصويت على الثقة في سياسة الحكومة، دون حاجة لإستجواب رئيس الوزراء، طالما أن التعديل الدستوري يؤكد مسؤولية مجلس الوزراء أمام المجلس الوطني، وهي مسؤولية كما أسلفنا موجودة في الدستور منذ صدوره، ولذلك فطالما أن البرلمان قد قرر أن يأخذ المسألة بيده، ويعدل لائحة أعماله ليُفعِّل ممارسة سلطته في الرقابة على مجلس الوزراء، فكان الأولى أن يضمنها حكماً حول مسألة حجب الثقة .
إشارات متضاربة
وتعديل اللائحة مثله مثل تعديل الدستور يحمل إشارات متضاربة، فمن جهة فإن إختيار المجلس أن يُفعِّل سلطته الدستورية في الرقابة على أداء مجلس الوزراء بحيث يلزم الحكومة بالإستقالة، إذا صوت المجلس بحجب الثقة عنها، بتضمين الحكم في اللائحة، بدلا من تضمينها في التعديلات الدستورية يشير لأن المجلس قد إختار السبيل الأقوى في تثبيت سلطاته، لأن اللائحة لا يخضع فيها لمراجعة أحد. فالسلطة التنفيذية لا تستطيع أن تعترض على اللائحة، كما وأنه لا يجوز للمحاكم أن تراجع المجلس فيها، لأنها تخرج عن سلطة المراجعة القضائية
من الجهة الأخرى فإن ربط ممارسة السلطة بالإستدعاء للإستجواب، والتي إستثنى منها سلطة إستدعاء رئيس الجمهورية ونائبيه، يشير إلى الإتجاه المعاكس لأن هذه السلطة لايمكن ممارستها بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء الحالي، لأنه يشغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية.
ويظل السؤال قائما، هل تعديل اللائحة بهذا الشكل يرمي إلى تفعيل سلطة الرقابة البرلمانية على أعمال مجلس الوزراء، وهي سلطة موجودة في الدستور منذ ولادته، ولكنها لم تستغل قط؟ و هل يشكل تعديل اللائحة بوادر تحرك مستقل للمجلس الوطني يثبت خطأ الظن بأنه مجرد خاتم مطاطي يتم وضعه على قرارات السلطة التنفيذية ؟
هذا ما ستجيب عليه الايام ،،،
نبيل أديب عبدالله
المحامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.