استدعى جهاز الأمن والمخابرات الوطني ظهر أمس الاثنين الأستاذ محمد وداعة رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة (البعث السوداني) والكاتب الصحفي المعروف. وتم استدعاء وداعة على خلفية حوار مع رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور جبريل إبراهيم، نشرته (البعث السوداني) في عددها رقم 27 الصادر يوم أمس الاثنين 15 مايو، وتنشره (حريات) اليوم في مساحة منفصلة. وقال وداعة ل(حريات) في اتصال هاتفي صباح اليوم إنه تم الاتصال به هاتفياً حوالي الساعة الثانية ظهراً وطُلب منه الحضور في مباني الأمن الإعلامي بالخرطوم شرق، وقد وصل إلى مكاتب الأمن في حوالي الساعة الثالثة ظهراً، حيث جرى التحقيق معه بشأن جريدة البعث السوداني وما نشر في عددها الأخير، وكتاباته الصحفية الراتبة. وكان التركيز في التحقيق على نشر الجريدة للحوار مع الدكتور جبريل إبراهيم نقلاً عن صحيفة (التحرير) الإلكترونية، وأكد ضابط الأمن الذي حقق معه إن نشر اللقاءات مع قادة المتمردين ممنوع، وقال وداعة إنه أخبر المحقق معه بأن جريدة البعث السوداني صدرت منذ ثلاثة أشهر فقط ولم تتلق خطاباً رسمياً من أية جهة يمنعها من نشر لقاءات أو أخبار تتعلق بالحركات المسلحة. وقال وداعة تعليقاً على ذلك ل(حريات): (جهاز الأمن لا يزال يمارس أساليبه القديمة كأنه لم يحدث حوار مع أن الحكومة وحزبها والمتحاورين معها يؤكدون أن هناك مرحلة جديدة حصلت)، وأضاف: (لا توجد معالم لمرحلة جديدة. إن نشر الأخبار والمواد الصحفية هي مسؤولية صحفية قبل أن تكون سياسية، ومنع نشر المقابلات مع قادة الحركات المسلحة التي تسميها الحكومة المتمردين يشكل حجراً على حرية الصحافة، حيث تنتقي السلطات ما تراه مناسباً للنشر). وفند وداعة الأساس المنطقي لهذا الحجر بقوله: (هذه الحركات الحكومة تجلس معها منذ سنوات وتعقد الاتفاقات، والمتمردون يجلسون الآن في الحكومة في البرلمان وفي مجلس الوزراء، فلا مبرر من منع الصحافة من عقد المقابلات مع الحركات)، وأضاف: إن لدينا ايمان قاطع بأنه ينبغي أن تقف الحرب ويحل السلام، وهذا –أي نشر المقابلات مع قادة الحركات المسلحة- جزء من إدارة الحوار المطلوب)، وأكد وداعة أن هذا التضييق عام مشيراً لتقييد حرية التنقل ومنع وفد حزب الأمة من زيارة مدينة النهود بقوله: (الحكومة قبل يومين منعت الإمام الصادق المهدي من زيارة مدينة سودانية، وهنا الحديث عن الحريات يصبح أمراً لا قيمة له في ظل مثل هذه التصرفات، وهذا يأتي بعد ثلاثة أيام فقط من تشكيل الحكومة الجديدة والحديث عن أنها مرحلة جديدة). وأضاف وداعة: (أفتكر أن المجتمع الدولي أخفق تماماً حين أعطى الحكومة ضوءً أخضر في أن تفعل ما تشاء داخلياً وتفعل ما يريده الغرب خارجياً)، وشرح بالقول: (ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وتجارة البشر والأحلاف العسكرية والمشاركة في قوات أفريكوم هذا كله يفعل فيه النظام ما تريده أمريكا خارجياً، وداخليا يفعل ما يريده النظام، أما الحريات وحقوق الإنسان والمواطنة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرها فإنه لا يفعل فيها شيئاً). ودرج جهاز الأمن والمخابرات على إصدار تعميمات شفاهية للصحف تحمل توجيهات بوقف النشر في قضايا معينة، مع رفض مطالبة رؤساء التحرير بتقديم تلك التوجيهات كتابة، ومن ضمن تلك التعميمات عدم نشر أخبار ومقابلات مع قادة المقاومة المسلحة. وسبق وأوقفت صيحفة ألوان في مطلع العام 2012م بسبب نشر تعليق متعاطف مع زعيم حركة العدل والمساواة الشهيد خليل إبراهيم، وقال و قال مدير الاعلام فى جهاز الأمن حينها إن حيثيات قرار إيقاف الصحيفة استندت استندت على المواد 25 ، و24( د) من قانون الامن الوطنى والتى تخول لمدير الجهاز ايقاف وحجز اى مطبوعة يرد فيها ما يهدد الأمن الوطني. وكانت لجنة الحريات في عملية الحوار الوطني التي أدارتها الحكومة أوصت بالحد من سلطات الأمن وحصرها في جمع المعلومات، لكن التوصيات تم تبديلها، وفي النهاية سواء في تعديلات فبراير أو أبريل 2017م الدستورية، تم التأكيد على صلاحيات جهاز الأمن وتعضيدها بقوة، أسوة بالتعديلات التي حدثت في يناير 2015م. وبسبب تدخلات جهاز الأمن المتكررة لحجر التعبير، واستدعاء الصحفيين وتهديدهم، واعتقالهم وتعذيبهم أحياناً، وإيقاف الصحف، ومصادرة طبعاتها، وإيقاف الصحفيين ومنعهم من الكتابة، علاوة على استخدام سلاح الحرمان من الإعلان الحكومي، فإن سجل السودان في الحريات الصحفية ظل متدنياً للغاية وضمن أقل البلاد حرية على مدى سنوات عديدة منذ العام 2010م، وذلك في مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره سنوياً منظمة راسلون بلا حدود. وقد جاء ترتيب السودان في مؤشر هذا العام كسابع أسوأ دولة في العالم من حيث الحرية الصحافية (حصل على الخانة 174 من بين 180 دولة).