منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب مانشستر سيتي بركلات الترجيح    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض.. السفير الذي لم تقبله لندن!    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    سيكافا بطولة المستضعفين؟؟؟    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    شاهد بالفيديو.. بعد فترة من الغياب.. الراقصة آية أفرو تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (بت قطعة من سكر)    الحركة الإسلامية السودانية ترد على كندا    مصر.. فرض شروط جديدة على الفنادق السياحية    شاهد بالصورة والفيديو.. ببنطلون ممزق وفاضح أظهر مفاتنها.. حسناء سودانية تستعرض جمالها وتقدم فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية الفنانة إيمان الشريف    ماذا كشفت صور حطام صواريخ في الهجوم الإيراني على إسرائيل؟    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    مقتل 33899 فلسطينيا في الهجوم الإسرائيلي منذ أكتوبر    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    محمد بن زايد وولي عهد السعودية يبحثان هاتفياً التطورات في المنطقة    ترتيبات لعقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة تنضم لقوات الدعم السريع وتتوسط الجنود بالمناقل وتوجه رسالة لقائدها "قجة" والجمهور يسخر: (شكلها البورة قامت بيك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. الفنانة عشة الجبل تظهر في مقطع وهي تغني داخل غرفتها: (ما بتجي مني شينة)    رباعية نارية .. باريس سان جيرمان يقصي برشلونة    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهدي إسماعيل : تقرير المصير (حصان طروادة الانفصال الثاني) والسودان الجديد: خطان متوازيان لا يلتقيان
نشر في حريات يوم 23 - 07 - 2017

تقرير المصير (حصان طروادة الانفصال الثاني) والسودان الجديد: خطان متوازيان لا يلتقيان
(جدلية الهامش والمركز، لن تُغطي عورة دعوة الانفصال)
مهدي إسماعيل مهدي
(1/3)
يسُرني استهلال هذا المقال بإزجاء التهنئة لُإدارة وقُراء وكتاب صحيفة الراكوبة بمناسبة عيد الفطر المبارك، والتهنئة موصولة أيضاً للدكتور حيدر إبراهيم، الذي أكد لنا بمقاله -الشاحذ للفكر والتفكر-بلوغه تمام التعافي وطمأننا بأن العارض الصحي الذي ألم به وآلمه وآلمنا جميعاً، لم يجبره على إلقاء سلاحه أرضاً، وأن زناد عقله الراجح لا يزال يقدح رؤى ناقدة تستند على التحليل الموضوعي للحقائق كما هي، ولعل الزخم الذي تجده مقالاته ما بين المدح والقدح، إنما يعود إلى حالة الاستعداد والتحفز (حد الغلو والتربص، والخروج عن النص أحياناً) التي تسود الساحة السياسية السودانية عموماً وساحة الحركة الشعبية على وجه الخصوص، على إثر الزلزلة الداوية التي تسببت فيها استقالة "الكومريد"/عبد العزيز الحلو، وماتبعها من تداعيات، يصفها مؤيدوه بالثورة التصحيحية، بينما يدمغها مناوئوه بالإنقلاب على ثوابت رؤية السودان الجديد.
وللمفارقة فلقد سعى كُل فريق إلى اللواذ بمشروع السودان الجديد كحاضنة وأرضية فكرية لمواقفه، انطلاقاً من تفسيره الذاتي للمشروع الذي يدعي الطرفان أنهما يؤمنان به وينطلقان منه!!. ففريق "الفريق"/الحلو، يجد في نظرية "جدلية صراع المركز والهامش"-كما صاغها د. أبكر آدم إسماعيل، وهتفت بها جموع الانفصاليين من أبناء جبال النوبة، بقيادة أمين زكريا قوقادي وعادل شالوكا وقمر دلمان ودريج (وأخيراً؛ عبدالعزيز الحلو) -إلى آخر عقد دُعاة تقرير مصير جبال النوبة-سبباً وجيهاً للمطالبة بتقرير المصير (المصطلح المُهذب أو المُدغمس للانفصال)، وبالتالي فإنهم يعتقدون أن انفصال هذا المركز "المُهمش ثقافياً واجتماعياً"، هو الحل الناجع لقضية تهميشهم وإقصائهم عن صُنع القرار، طالما أن هذا المركز العروبي/الاسلاموي لا يُريد أن يتخلى طواعيةً (عبر التفاوض السلمي) أو قسراً (عبر الكفاح المُسلح) عن امتيازاته الاقتصادية واستعلائه العرقي وهيمنته الثقافية، التي اكتسبها أو اغتصبها منذ دخول العرب السودان، وتمكنهم من إنشاء مملكة سنار.
ويرى الفريق المناوئ للحلو (من الوحدويين)، أن السبيل الأمثل لتشخيص ومعرفة أسباب نزاعات السودان (وغيرها من النزاعات في كثير من الدول والأمم التي في طور النشوء والتشكُل)-ومن ثم علاجها بطريقة علمية وموضوعية- إنما يكمن في الاستعانة بأدوات التحليل الاقتصادي الاجتماعي كالواقعية النقدية (Critical Realism) التي انطلقت من نقد الماركسية وانتهت بنفي الكثير من مقولاتها المركزية، وعملت على تطويرها وتطويعها لتتلاءم مع حقائق العصر، وذلك بعد تحريرها من أسر الحتميات الصمدية (Deterministic) التي ثبت خطلها عملياً، بشهادة ارتداد دول المعسكر الاشتراكي إلى رأسمالية الدولة بدلاً عن التقدم نحو الجنة الشيوعية الطوباوية الموعودة.
ولا مُشاحة في أن ينطلق د. حيدر (بخلفيته العلمانية) من هذه الأرضية الفكرية، واستخدامها كأداة (Approach/Paradigm) لتحليل الظواهر الاجتماعية، باعتباره باحثاً ثبتاً وخبيراً متمرساً في هذا الضرب المعرفي، كما لا يضيره شيئاً ولا يشينه البتة الصدع بحقيقة أصوله العرقية التي لم يكن له يد في اختيارها، مع أننا نرى أن "جلابي ودنقلاوي وفلاتي" ليست أكثر من انتماءات وهمية لا معنى لها في أرض الواقع.
* -إن د. حيدر لم يكن الأول ولن يكون الأخير الذي يُعزي حروب ونزاعات السودان المتواترة، إلى العوامل الاقتصادية/الاجتماعية، فقد سبقه إلى ذلك السير/ د. دوجلاس جونسون (الذي اختير عضواً باللجنة الدولية لرسم حدود منطقة ابيي-لخبرته العميقة بالقضايا السودانية) وقد أسهب في كتابه بعنوان "الأسباب الجذرية للحروب الأهلية في السودان" في شرح أسباب هذه النزاعات، كما سار على ذات المنوال د. محمد سليمان محمد في كتابه "السودان حروب الموارد والهوية-الطبعة الأولى عام 2000″ بالإضافة إلى مؤلفات بروفيسور/ ر. س. اوفاهي، ود. عبد الباسط سعيد، وغيرهم من البحاثة والأكاديميين، السودانيين والأجانب، الذين تناولوا نزاعات وحروب السودان من منظور التحليل الاقتصادي/الاجتماعي. كما أن تقارير مكتب البيئة بالأمم المتحدة (UNEP) عن السودان أشارت كثيراً إلى أن العامل الاقتصادي الناتج عن الجفاف والتصحر وتدهور الإنتاج الزراعي، يُعتبر من العوامل الأساسية في تفجر صراع الموارد الطبيعية المتناقصة (الماء والمرعى) وازدياد الطلب عليها، وبالتالي التسبب في ارتفاع وتيرة الحروب بين الرعاة والمزارعين.
ولقد استندت على منهج التحليل الاقتصادي الاجتماعي (Socio-Economic Analysis) في دراستي البحثية عام 1980، عن مشاكل الزراعة الآلية في الحزام الطيني الفاصل بين شمال وجنوب السودان. والتي جاء فيها:
THE POLITICAL IMPLICATIONS:
........"IT is not only the economics of mechanization at the farm level that have to be considered but also the impact of mechanization on the social and political framework and on the distribution of the economic power. The central clay plains belt of Sudan has a unique geo-political importance. By looking at the map of Sudan, we find that this belt separates the country into two distinct parts, the Northern part with its Islamic-Arabic culture, and the southern part with its Afro-culture. Because of this political position, stability in this belt is essential for the stability of the country as a whole. The demonstration effects of this region will influence the mode of production of future development projects in Sudan. The existing organizational structure, which is a capitalist mode of production, will lead to accumulation of wealth in the hands of the small elite. It could eventually create a mass of landless laborers, and this is an obvious area of potential class confrontation. It is no secret that Sudan is seeking decentralization and a regional system of government. This necessitates the fair distribution of development projects over all the different regions, so as not to make some regions dependent on others. The expansion in the mechanized area is presently concentrated in the northeast part of the region. It should be extended towards the western and southern parts to create the regional balance, which is badly needed. The existing organizational structure and leasing system is biased in favor of large farmers, and creates a group of suitcase farmers. No real effort has been made to help the traditional farmer. The credit services offered by the Agricultural Bank of Sudan (A.B.S.) and the Mechanized Farming Corporation (M.F.C.) should be directed towards the peasant farmer with a view to transforming traditional agriculture into a modern industry".
*- Problems of Mechanized Rain-fed Agriculture in the Central Clay Plains of Sudan, (Socio-economic Analysis) – Submitted in partial fulfillment of the requirements for the degree of Master of Science in Agricultural Economics (Development Planning).Wye College (University of London)-1980: By M.I. Mahdi Osman.
*- تكمن أزمة تخلف السودان وغيره من الدول التي يُطلق عليها مواربةً "الدول النامية" في بُدائية وسائل الإنتاج وعدم عدالة علاقاته، ومن هنا ينتج الحيف الاقتصادي (نظرية فائض القيمة) الذي يتبلور في تهميش فئة حتى حد الإملاق والإدقاع، وثراء فئة حد الفُحش والتخمة، وهذا التباين لا يتقيد بالموقع الجغرافي أو الأصل العرقي أو المذهب الديني أو الخلفية الثقافية. ولقد صك الراحل د. جون قرنق هذه الرؤية وصاغها في مشروع "السودان الجديد"، الذي تبلور في اتفاقية السلام الشامل (اتفاقية نيفاشا 2005) التي تأسست على إزالة الظُلم الاقتصادي والإقصاء الثقافي والاستعلاء العرقي، الذي يتجسد في أشكال ومظاهر عديدة (سلوكية وثقافية وتراتيبية اجتماعية،، إلخ)، وقد عالجت اتفاقية نيفاشا هذه المظاهر السالبة، من خلال النص على المُشاركة العادلة في السُلطة السياسية على مستوى المركز(48% للمؤتمر الوطني، و32% للحركة الشعبية، و14% للمعارضة الشمالية، و6% للمعارضة الجنوبية) وقسمة ثروة البترول مناصفة بين المركز والاقليم مع تخصيص نسبة 4% للمُجتمعات المحلية (48% للحكومة المركزية، و48% لحكومة الجنوب و2% للدينكا و2% للمسيرية) ، وهذا لحمة وسداة اتفاقية السلام الشامل 2005.
*-لا شك في أن حق تقرير المصير: حق إنساني أصيل، وللذين يرون فيه حلاً لتهميشهم الاقتصادي وتمييزهم الاجتماعي وإقصائهم الثقافي، الحق "كُل الحق" في المطالبة به شريطة أن يتم ذلك بالصوت الجهير دون إدعاءٍ كذوب بإلباسه ثوب الوحدة أو إدعاء تحرير السودان كُله، لأن الدعوة في هذه الحالة تكون "كلمة حق أريد بها باطل"، رغم القناعة الراسخة بأن وجود ظُلم أو تمهيش على أي فئة اجتماعية، لا يُبرر انفصالها ولا يُعالج مسألة تهميشها، إذ ثبت بالدليل القاطع أن الانفصال أو الانعزال، لا يعني سوى الهروب إلى الأمام، وبالتالي لا ولم ولن يحل أزمة الإقصاء و/أو التهميش، بل قد يفاقمها، كما حدث في دولة جنوب السودان. بالإضافة إلى أن الانفصال مسار باهظ التكلفة، بل وغير مُمكن في حالة إقليم جبال النوبة نتيجة التداخل العرقي والتصاهر الأسري، وقد يؤدي إلى استقطاب حاد على أساس أثني صريح، مما قد يعقد المسألة أكثر ويدفع بالقبائل ذات الأصول العروبية إلى الاصطفاف مع المركز دفاعاً عن سُبل كسب عيشها وحقوقها المُكتسبة في النار والماء والكلأ (فالناس شُركاء في ثلاثة). وعلينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال ولنتعظ بتجربة الجنجويد في دارفور، وحرب المسيرية والدينكا في جنوب كُردفان (صراع الهامش والهامش، كما قال د. حيدر)، ومجازر الإبادة بين الهوتو والتوتسي في رواندا، ومقتلة السُنة والشيعة الماثلة بين أيدينا في العراق وغيره.
وعلى كُل حال فإن علاج التهميش الواقع على أي فئة اجتماعية لا يكون بانفصالها و "فرز عيشتها"، وإنما يكون بإزالة أسباب هذا التهميش، ومن ثم التعايش على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، غض النظر عن أي تمايز أو امتياز، فالمرأة مثلاً؛ تُعد من أكثر الفئات الاجتماعية عُرضةً للتهميش والقهر، فهل تطالب بحق تقرير المصير والانفصال؟؟ ولئن جاز لها ذلك على المستوى الفردي/الأسري، إلأ أنه لن يُعالج قضيتها على المستوى العام- أو حتى على مستوى الأسرة، لأنها قد تخرج من قهر وتهميش الزوج لتقع في أتون قهر وتهميش الأب و/أو الأخ!!!، طالما أنها تعتمد عليهم اقتصادياً ومالياً، ولذلك فإن علاج مُشكلتها يكمن في المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات والمُشاركة في السُلطة والثروة (وهذا لب وجوهر رؤية السودان الجديد ومعالجته للنزاعات السودانية) ولذلك فإن رؤية السودان الجديد لا ترى في حق تقرير المصير حلاً، بل إنها ربما تتناقض معه وتنفيه، رغم الإقرار به كحق إنساني أصيل من حقوق الإنسان التي كفلها العهد الدولي لحقوق الإنسان، وليس هنالك أدنى شك في أنه لا يعالج قضية تهميش أو إقصاء أي فئة اجتماعية أو مجموعة اثنية أو طبقة اقتصادية، أياً كان موقعها الجغرافي أو تصنيفها الاجتماعي.
*-ثمة ضباب كثيف يُحيط بمصطلح "جدل الهامش والمركز" وماذا يُعني به، إذ يبدو أن الكُل يُغني على ليلاه، فيراه البعض من منظور الصراع الثقافي، بينما يراه آخرون من منظار عدم التوازن التنموي. ولعل جُل الصادحين به ينتهون إلى توصيفه وتعريفه جغرافياً، كصراع بين مركز السُلطة الذي تمثله العاصمة المثلثة (لحم الراس أو كرش الفيل)، وبين الأقاليم (الأكثر تجانساً عرقياً وثقافياً واقتصادياً)، فالعاصمة أصبحت بفضل نزاعات وحروب الهامش الجغرافي أكبر مستوطنة عشوائية للمُهمشين في السودان، ولم ينزح إليها هؤلاء القادمين من الهامش الجغرافي لكي ينشروا ثقافاتهم أو فنونهم أو آدابهم أو لغاتهم المحلية، وإنما أتوا إليها ليسدوا رمقهم ويضعوا قليلاً من شوربة الماجي "وجداد الله كتله" في بطونهم الخاوية.
بل أن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لم يأت إلى أرض رُماة الحدق من أجل نشر رسالة الاسلام (التي ارتد عنها، وهو من كتاب الوحي، ولم ينقذه من القتل بعد فتح مكة، إلا شفاعة شقيقه في الرضاعة-عثمان بن عفان)، فابن أبي السرح، عاد راجعاً أدراجه تاركاً أجدادنا في كُفرهم بعد أن أبرم اتفاقية البُقط التي تعلمون نصوصها جيداً (365 عبداً فرز أول، وقناطير من الذهب والعاج وريش النعام). ولماذا نذهب بعيداً ونغوص في أغوار وأضابير التاريخ، فكتب تاريخنا الحديث، تقول لنا بدون لف ودوران، أن عامل خليفة المسلمين العثماني "الخديوي محمد علي باشا" أتى إلى السودان غازياً (عام 1821) من أجل ذهب بني شنقول وسواعد العبيد المفتولة (عناصر الإنتاج الاقتصادي التقليدي)، ولم يأت مُبشراً بالمشروع الحضاري!!!.
في الجُزء الثاني من هذا المقال نستعرض مبررات ومسوغات انقلاب الفريق الحلو أو ثورته التصحيحية (حسب موقعك من إعرابها)، وما إذا كان علاجها، يكمن في شق الحركة عمودياً وافقياً، أم أن هنالك ثمة طريق ثالث كفيل بتصويب أخطائها والحفاظ على رؤيتها ووحدتها (علماً بأن الرفيق/ الفريق كان جُزءاً أساسياً من عدم المشروعية وغياب المؤسسية، التي أشار إليها غيره باكراً).
أما الجُزء الثالث والأخير (بإذن الله) فسوف يكون اسهاماً متواضعاً بالرأي وخارطة طريق، للخروج من هذا المأزق الذي يشبه "بيضة أم كتيتي-كان شلتها بتقتل أمك، وكان خليتها بتقتل أبوك) !!.
* خاتمة ومناشدة:
نُناشد إدارة صحيفة الراكوبة ألا تجبر كُتابها على التعامل مع الأشباح الذين يتوارون خلف أسماء مُستعارة (وجلهم من الدجاج الإلكتروني)، إذ أن تعليقاتهم لا تُضيف أي قيمة للحوار بل تُفرغه من محتواه وجدواه وتنحرف به بعيداً عن مقاصده؛ علماً بأن كُتاب هذه المقالات يجودون بوقتهم ويرهقون أعصابهم ويشحذون فكرهم لتقديم ما ينفع الناس.
بريتوريا-جنوب افريقيا
(6/يوليو/2017)
………………….
(2/3)
استعرضنا في الجُزء الأول من هذا المقال الثلاثي، الأرضية الفكرية لمشروع السودان الجديد، وجادلنا بأن رؤية السودان الجديد إنما استندت على منهج التحليل الاقتصادي/الاجتماعي (Socio-Economic Analysis)، وأن منهج التحليل الثقافي ليس هو الأداة الملائمة لتحليل حالة الإقصاء والتهميش والتخلف التي ترزح تحتها المجتمعات السودانية بدرجات متفاوتة، وقُلنا أن اتباع منهج التحليل الثقافي سوف يقود حتماً إلى تشخيص خاطئ وبالتالي وبالضرورة فإن الوصفة العلاجية المُنبثقة عن هذا التشخيص (الروشتة) لن تكون صالحة وقد تؤدي إلى موت المريض (تقرير المصير بمعنى الانفصال بزعم استحالة التعايش – ولنا في تجربة جنوب السودان درساً وعظة)، وخلصنا إلى أن أسباب التهميش هي اقتصادية في الأساس، وأن الاستعلاء العرقي و/أو الثقافي ليس سوى نتيجة وليس سبباً، ولذلك فإن التنمية الاقتصادية المتوازنة (المشاركة العادلة في الثروة) والمواطنة المتساوية (في الحقوق والواجبات)، كفيلة بعلاج الحروب والنزاعات الأهلية في السودان، وأوجزنا بأن الخلاص يكمن في التطبيق النزيه والعادل لاتفاقية السلام الشامل 2005، المُستندة على، والمُعبرة عن، جوهر رؤية السودان الجديد، كما صاغها بحذاقة/د. جون قرنق دي مبيور.
واختتمنا مقالنا بالوعد؛ (في الجُزء الثاني من هذا المقال نستعرض مبررات ومسوغات انقلاب الفريق الحلو أو ثورته التصحيحية -حسب موقعك من إعرابها-، وما إذا كان علاجها، يكمن في شق الحركة عمودياً وافقياً، أم أن هنالك ثمة طريق ثالث كفيل بتصويب أخطائها والحفاظ على رؤيتها ووحدتها -علماً بأن الرفيق/الفريق كان جُزءاً أساسياً من عدم المشروعية وغياب المؤسسية -التي أشار إليها غيره باكراً)، وسلام عليك يا د. الواثق كمير.
وسوف نستعرض دونما اسهاب أو تطويل، وبإيجاز غير مُخل مسوغات الاستقالة، التي يُمكن إيجازها فيما يلي:
1- المنفستو والدستور: إذ يقول الحلو "بعد فك الارتباط كان هناك منفستو كتبه د. الواثق كمير، يدعو لتغيير اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الحركة الشعبية للديمقراطية والمواطنة، إضافة إلى تغيير الأهداف والوسائل، ولم اتفق مع الأمين العام، إلخ… ولذلك طلبت من د. أبكر آدم إسماعيل ومركز دراسات السودان الجديد بمراجعة مسودة د. الواثق والعمل لتقديم مسودة أخرى، وتم ذلك وقمنا بتكوين لجنة برئاسة/ياسر جعفر، للخروج بمسودة واحدة للمنفستو، ولم تظهر تلك المسودة المنتظرة حتى اليوم"-انتهى الاقتباس.
ولو أخذنا هذا الكلام على علاته، فعلى من يقع الخطأ والتقصير في عدم الموافقة والرفض وتكوين لجنة جديدة، وعدم خروج أو ظهور تلك المسودة حتى اليوم!!؟؟. فإذا لم يكن الحلو، فاعلاً أصيلاً في عدم خروج وظهور أياً من المسودتين، فهو شريك بنصيب وافر في عدم ظهور المنفستو (الذي يتأسس عليه الدستور، كما قال). ولأزيدكم من الشعر بيتاً، فلقد شرفني د. الواثق كمير، بالمشاركة في كتابة "وثيقة الرؤية"، (وساهمت بقسط وافر في صياغتها شكلاً وموضوعاً)، وهي لم تكن أكثر من مسودة أو مُقترح. وقد عمل الطرفان على إجهاضها ونجحا في ذلك -دون عرضها على أي مؤسسة أو هيئة تنظيمية للحركة -(وكل هذه الممارسات من الطرفين، تُثبت عدم المؤسسية التي ظلت ولا زالت تُدار بها الحركة الشعبية).
أما عن الدستور، فيقول الحلو في استقالته "..وفي عام 2013، أثناء انعقاد المجلس القيادي بكامل هيئته فوجئت بقيام الأمين العام بطرح مسودة الدستور لاجازتها قبل الاتفاق على المنفستو، .. ولكن مع إصرار الأمين العام ومساندة رئيس الحركة له، تمت مناقشة الدستور بواسطة المجلس وإجازته". وهذا الكلام يعني أن الدستور نوقش وأُجيز بواسطة المجلس القيادي بكامل هيئته (مع أن العُرف درج على إجازة الدساتير عبر الجمعيات العمومية)، مما يثبت "مرة أخرى" عدم المؤسسية التي ظلت ولا زالت تُدار بها الحركة الشعبية.
2-المؤسسية:
يقول الحلو "فى عام 2012 اتفقنا على ضرورة إحياء أو بناء الهياكل القيادية للحركة الشعبية شمال بعد استقلال الجنوب وبدء الحرب الثانية في يونيو 2011″، ولعلك تُلاحظ عزيزي القارئ أنه تحدث عن بناء الهياكل القيادية، أي من أعلى إلى أسفل، مع أن البناء (حتى ولو كان حيطة) دائماً ما يتم من أسفل إلى أعلى. ثُم استطرد منتقداً تشكيل وأداء المكتب السياسى /المجلس القيادى، ومجلس التحرير القومي، والأمانة العامة للحركة الشعبية (ووجه في هذا السياق نقداً لاذعاً للأمين العام واتهمه بالانفراد بالقرار رغم وجود أربعة مساعدين له، قائلاً بالنص "إن الأمانة العامة للحركة الشعبية هى الجهاز التنفيذى الذي تقع على عاتقه مسؤوليات سياسية كبيرة وتحتاج لمتابعة وعمل يومي. لذلك قمنا بتعيين أربعة مساعدين للأمين العام ولكنه لم ينجح فى تفعيل هذه المكاتب الأربعة، رغم تذكيرنا المتكرر له بضرورة الاستعانة بالمساعدين، ولكنه لم يستمع وظل يعمل لوحده وكانت النتيجة، أما الانفراد بالقرار أوالعمل عبر أفراد أو مساعدين شخصيين باختياره هو، وعددهم أكبر من عدد المساعدين الدستوريين الأربعة".
ولعل الرفيق/الحلو، محق في هذا النقد اللاذع، ولكنه يثبت أيضاً للمرة الثالثة "عدم المؤسسية التي ظلت ولا زالت تُدار بها الحركة الشعبية"… وهي مسألة يتحمل وزرها الفُرسان الثلاثة على قدم المساواة.
كذلك انتقد الرفيق/الحلو، الأداء الإعلامي وقال إنه لا يعبر عن رؤية الحركة الشعبية، وضرب أمثلة لذلك بالموقف من حق تقرير المصير، ووجود جيشين، وتغيير شعارات ومطالب الحركة الشعبية. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو "هل تمت مناقشة هذه القضايا الاستراتيجية في مؤتمرات عامة، وتمت بلورتها في مواثيق مُلزمة واستراتيجيات لا تقبل الإجتهادات الفردية، أم أن الموقف التفاوضي ظل عُرضةً للقناعات الفردية مما وسم موقف الحركة الشعبية بالتناقض والتردد، ولعل في الموقف الأخير من خارطة الطريق التي تم التوصل إليها بعد خمسة عشر جولة استغرقت ستة سنوات، ما يؤكد ويتثبت "عدم المؤسسية التي ظلت ولا زالت تُدار بها الحركة الشعبية".
وعموماً فإن قراءة موضوعية لاستقالة الرفيق/الحلو، تقود إلى الخروج بالآتي:
أ-غياب المؤسسية في إدارة شؤون الحركة (لأسباب ذاتية تتصل بالمنابت الفكرية لقادتها، وأسباب موضوعية ناتجة عن العمل السياسي من خارج السودان، وما يتطلبه العمل المسلح من سرية وتحوطات أمنية).
ب_ أن الرفيق/الحلو، كان ولا يزال جُزءً لا يتجزأ وشريكاً أصيلاً في عدم المؤسسية (وعليه أن يتحمل نصيبه في هذا القصور بصفته نائب رئيس الحركة خلال الستة سنوات الماضية).
ج_ اغفاله لمسألة وسؤال المشروعية (من الذي انتخبه وانتخب قيادة الحركة الشعبية؟)، هل يجوز استمرار واستمراء الشرعية الثورية إلى ما لا نهاية؟ (ولعله تغافل عن موضوع المشروعية الانتخابية، لأن انقلابه الحالي مؤسس على الشرعية الثورية، التي يعيبها على رفيقيه).
د-عدم قناعته الذاتية بالعمل الجماهيري والنضال السلمي والثورة الشعبية، إذ يقول "ولنا عبرة فى تجارب الماضى وانتفاضتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985. هل تمكنت تينك الانتفاضتين من إنجاز التغيير الجذري المطلوب فى بنية المجتمع السوداني أم كانتا امتداداً واستمراراً ومواصلةً لنفس ترتيبات وتراتبية دولة الجلابة القائمة منذ 1954؟ لم يجنى السودان وعلى الأخص الهامش من تلك المسرحيات شيئاً مفيداً. سواءً كان تحولاً ديموقراطياً حقيقياً أو عدالة تذكر. كان هناك عملية تغيير للوجوه الحاكمة نعم، ولكن لاشيء تبدل ولا تغيير جوهرى فى أسس النظام، بل استمرار لنفس السياسات الاقصائية واستبدال الدكتاتوريات العسكرية بدكتاتوريات مدنية أشرس، زادت من تسعير الحروب ضد الهامش فى الحالتين".
وكم هو حزين ومؤلم أن يصف سياسي ثوري سوداني ثورة أكتوبر بأنها مسرحية، فهذا بصق على التاريخ لا يجوز!!!.
ه- ارتفاع النبرة الاثنية في تفسير الرفيق/الحلو، لاخفاقات الحركة الشعبية، وفي ذلك يقول "عدم اتفاق أبناء النوبة على تمثيلى لهم فى القيادة بسبب الإثنية، فتح الباب للرئيس والأمين العام لتجاهل آرائي باستغلال بعض ضباط جبال النوبة من وراء ظهرى لخدمة أجندتهم وتمرير قرارات مصيرية خطيرة على مستقبل الثورة، كما فعلوا فى اتفاق نافع /عقار، وعندما طرحوا مطلب الحكم الذاتى فى 2015، والتنازل فى الترتيبات الأمنية فى أغسطس 2016″، وقوله أيضاً… "عدم الاتفاق حول تمثيلى للنوبة فى القيادة، مكًن المؤتمر الوطنى من شق صفوف النوبة باستخدام هذا الكرت، وخلق عدة تنظيمات معارضة للحركة الشعبية باسم الأغلبية الصامتة مرة، وأهل المصلحة مرة، وأهل الشأن مرة، والحركة الشعبية جناح السلام و غيره، استناداً على حقيقة اننى لا انتمى لاثنية النوبة".
و_ شخصنة القضية، وحصرها في خلافه مع الرئيس والأمين العام، حيث يقول "لا أستطيع العمل مع رئيس الحركة وأمينها العام كتيم واحد، لانعدام المصداقية لديهم، وتآكل عنصر الثقة بيننا. وأن هناك أشياء غامضة ولا أفهم كل دوافعهم".
وتعقيباً على هذا الكلام الواضح، فلنكن صريحين بذات القدر، ونقر بأن السودان لا يزال مجتمعاً عنصرياً وهشاً، وأن الحركة الشعبية تناضل من أجل مجتمع لا تمايز ولا تمييز فيه، ولكن هذا لا يحدث بين يوم وليلة، ولذا فإن سهم العُنصرية المسموم الذي يستخدمه الحلو ضد عرمان (دونما اعتبار لرفقة النضال والسلاح) سوف يرتد عاجلاً أم آجلاً إلى صدر المبادر، فكما تُدين تُدان "وإن غداً لناظره قريب".
استطرد الرفيق الحلو مُعدداً الممارسات الخاطئة (غير المؤسسية) مثل: العلاقات والمكاتب الخارجية، فقال (صار اختيار وتعيين ممثلى الحركة الشعبية لدى الكثير من الدول مسألة خاضعة للمزاج الشخصى، والا فإن هناك معايير سرية لا علم لى بها فى اختيار جزء من أولئك الممثلين)، ثُم عرج على التفاوض قائلاً (لا حوجة لاضاعة الوقت فى مسألة تجاوز رئيس وفد التفاوض لتقاليد تكوين لجان التفاوض فى الحركة الشعبية منذ تأسيسها و عدم وضوح المعايير التى اعتمدها فى ذلك،،، بل سوف أركز على استمراء عادة تخفيض سقف مطالب الحركة الشعبية فى المفاوضات و باستمرار دون مقابل أو تنازلات من جانب وفود الحكومة التى ظلت تتمسك بثوابت الإنقاذ، مثل حكم الشريعة و تجريد الجيش الشعبى من السلاح . سيكون تركيزى على الاختلاف حول المواقف التفاوضية وخاصة في بند الترتيبات الأمنية. لأن التنازل فى الترتيبات الأمنية يعنى فى نظرى تجريد الجيش الشعبى من سلاحه عبر وسيلة استيعابه فى جيش المؤتمر الوطني). وهنا مربط الفرس كما أسلفت، وأود أن أشير إلى نقطة هامة وهي أن المُهمشين "وخاصة من أبناء النوبة" لا يزالون يشكلون عظم ظهر الجيش السوداني الرسمي "ضباط الصف-NCOs" من رتبة عريف إلى وكيل أول.
ثُم عدد السيد/ الحلو،مسوغات أخرى لاستقالته قائلاً "و بناءا على ما ذكرت أعلاه من أسباب و أسباب أخرى لا يسمح المجال ذكرها، إضافة إلى تجربتي الطويلة فى العمل مع رئيس الحركة والأمين العام كضباط تنفيذيين للمجلس القيادى للحركة فقد توصلت للقناعات التالية": وذكر تسعة أسباب تمنعه من الاستمرار قي موقعه القيادي بالحركة الشعبية (ولن أطيل عليكم بإيرادها ولكن أبرزها، أنه لا يستطيع العمل مع الرئيس والأمين العام وأن اثنية النوبة (أي قبائل) لا تعتبره ممثلاً لها في المكتب القيادي القومي،، إلخ، كما أشار إلى خلافاته مع قادة النوبة أمثال؛ خميس جلاب، ودانيال كودي، وتلفون كوكو،، إلخ).
ثُم اختتم استقالته بستة توصيات، هي:
1-التمسك برؤية السودان الجديد
2-عدم التفريط فى البندقية (التى عرف قيمتها اجدادكم)
3-وحدة شعب النوبة على أساس مشروع السودان الجديد
4-الوحدة مع الشعب المناضل فى النيل الأزرق
5-وحدة الحركة الشعبية لتحرير السودان
6-التمسك بالمؤسسية والقيادة الجماعية
"وبهذا أعلن استقالتى من موقعى كنائب لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال اعتباراً من اليوم 7/3/2017، لتقوموا بملئه، لأنه ملك لكم، وليستمر النضال، والنصر حليفكم".
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه؛ إلى من وُجِهت هذه الاستقالة؟؟ ومن هُم الذين يقومون بملء مكانك الشاغر، ومن يملك هذا المنصب، ولأجل ماذا يستمر النضال؟!، والنصر حليف من؟ (شعب النوبة، أم الشعب السوداني؟؟!!).
من كل ما تقدم يتضح أن الحركة الشعبية، ومنذ غياب (أو تغييب) مؤسسها ومفكرها د. جون قرنق، وعدم وجود من يملأ فراغه شمالاً و/أو جنوباً، ظلت تسير على غير هُدى، والشواهد على ذلك لا تُعد ولاتحصى، وأبرزها الانسحاب من الإنتخابات الرئاسية عام 2010، وخوض الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الجنوب دون الشمال، والتشريعية في ولاية النيل الأزرق عام 2010 أولاً ثُم ولاية جنوب كُردفان ثانياً، وأخيراً مهزلة خارطة الطريق وما رافقها من تردد ومماطلات (ولنا عودة لهذا الموضوع، إن شاء الله). إذ من الواضح لكُل ذي بصيرة بأن عبد العزيز الحلو إنما أثار وفجر هذه القضايا القديمة (وهدم المعبد الذي شارك في بنائه، مُدماكاً مُدماكاً) في هذا التوقيت الحرج بهدف واحد، ألا وهو إجهاض اتفاق "خارطة الطريق"، لأنه لا يتضمن حق تقرير المصير (حصان طروادة الانفصال)، وأن الاتفاق ينص على وجود جيش سوداني واحد (وهذه مسألة بديهية في أي اتفاق يتأسس على وحدة البلاد).
وليسمح لي الرفيق/ الفريق، المناضل الجسور، بالقول: "إن استقالتك حُبلى بالتناقضات، ومتخمة بالقنابل الدخانية التي تخفي وراءها أجندة لم تعد خافية على أحد، وشروراً تحرق الأخضر واليابس وترمي بكُل تاريخك الحافل في هاوية سحيقة." ثُم أن الأسئلة التي أثرتها لا تحتمل نصف إجابات، وعلى ضوء موقفك المبدئي منها (بدون خلط أوراق) يتحدد موقف كثير من المؤمنين برؤية السودان الجديد، الذين لن يلدغوا من ذات الجُحر مرتين، ولئن كنت صادقاً في دعوتك للمشروعية والمؤسسية والتمسك برؤية السودان الجديد "الواحد الموحد"، فأدعو إلى مؤتمر عام استثنائي "نزيه وشفاف وعادل"، بإشراف جهة مُحايدة أو بإشراف الضباط الثلاثة (سبب الأزمة) مُجتمعين، أما "أن تكون الخصم والحكم".. وتفبرك مؤتمرأ مثل مؤتمرات المؤتمر الوطني، فهذا لن يزيد النار إلا اشتعالاً. وآخر دعوانا "اتقوا الله في دماء الشُهداء، ودموع الأرامل، وأحزان اليتامى، وعذابات المُشردين في الكراكير، ومعاناة الجنقو مسامير الأرض".
أما الجُزء الثالث والأخير من مقالنا فسوف يكون اسهاماً متواضعاً بالرأي وخارطة طريق مُستندةً على خارطة الطريق (ست الإسم)، للخروج من هذا المأزق الذي يشبه "بيضة أم كتيتي-كان شلتها بتقتل أمك، وكان خليتها بتقتل أبوك"!!.
بريتوريا:
15/يوليو/2017
…………………..
(3/3)
[المُحايد هو شخص لم ينصر الباطل،، ولكن من المؤكد أنه خنق الحق]… (الإمام علي بن أبي طالب).
[أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة]… (مارتن لوثر كنج).
ترددت كثيراً وفكرت ملياً في الإعتذار عن كتابة الجُزء الثالث والأخير من هذا المقال، لا خوفاً من الصدع بالرأي والفكرة، ولكن بسبب تواتر الاحباط وطُغيان الإحساس بعدم جدوى الكتابة، حيث أن حال فُرقاء النزاع أضحى كحال آل البوربون لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئاً. ولكن أخيراً امتثلنا للحكمة المأثورة عن الإمام/ علي بن أبي طالب، وصنوه في الإنسانية/ مارتن لوثر كنج، وارتأينا أن نُدلي بدلونا في مأزق خلافات الحركة الشعبية (عل وعسى، فالله يضع سره في أضعف خلقه)، فخلافُ الحركة الشعبية دقيق وخطير وحساس، لأنه يمُس عصب القضايا الجوهرية التي فرقت بين السودانيين وجعلتهم شيعاً وأحزاباً، كما أن السكوت عن هذه القضايا وعدم تناولها بصراحة وصدق، أدى إلى تناسل النزاعات وتكرارها بوتيرة متسارعة، مما يشي بزوال السودان الذي قد يصبح أثراً بعد أعين إذا سار الحال على ذات المنوال.
اختتمنا الجُزء الثاني من المقال بالقول [ أما الجُزء الثالث والأخير من مقالنا فسوف يكون اسهاماً متواضعاً بالرأي وخارطة طريق مُستندةً على خارطة الطريق "ست الإسم"، للخروج من هذا المأزق الذي يشبه "بيضة أم كتيتي؛ كان شلتها بتقتل أمك، وكان خليتها بتقتل أبوك"]!!.
ولكن قبل أن ندلف إلى الجُزء الثالث والأخير، وحتى لا يتوه القارئ بسبب الفجوة الزمنية بين كتابة كُل جُزء وآخر، ولكيلا ينفرط عقد تسلسل الأحداث، نوجز القول بأن الجُزء الأول تناول القضايا النظرية، المتعلقة برؤية السودان الجديد (التي يزعم الطرفان الاستناد عليها والانطلاق منها)، وأشرنا إلى أن أحد طرفي دعوة السودان الجديد؛ يرى في التحليل الثقافي الأداة الأنجع لتفسير وتشخيص النزاعات السودانية، ولعله يهدف بذلك إلى الوصول إلى نتيجة مفادها "إستحالة التعايش الثقافي بين المركز المُهيمن والهامش المُتمرد" وبالتالي لا بُد من الانفصال وفرز العيشة "عبر ممارسة حق تقرير المصير".
بينما يرى الطرف الثاني؛ أن جذور نزاعات السودان إنما تعود إلى العوامل الاقتصادية، وأبرزها استحواذ فئة قليلة على وسائل الإنتاج وتسخير علاقات هذا الإنتاج لصالحها، وبالتالي انفرادها بالثروة الاقتصادية والسُلطة السياسية، وما الاستعلاء العرقي والتهميش الثقافي والإقصاء الاجتماعي إلا نتائجَ وليست أسباباً للتنازع والزعازع.
وللذين يتبنون جدلية الهامش والمركز "لغرضٍ في نفس يعقوب" ونظرائهم على الضفة الأخرى، نقول لهؤلاء وأولئك؛ أننا في السودان لسنا بحاجة إلى إضاعة الوقت في لُجاج الجدل البيزنطي حول مقولات وشعارات فلسفية أكل الدهر عليها وشرب، وتكبيل أنفسنا بقيود آيديولوجيات تخفف منها العالم وانطلق يُلبي حاجات شعوبه المادية والمعنوية، خاصةً وأننا في السودان نعيش في مرحلة ما قبل الآيدولوجيا وينبغي أن يكون جُل مُبتغانا؛ توفير حقوق الحيوان الأساسية من مأكل ومشرب وأمن (دعك عن حقوق الإنسان التي تعتبر بالنسبة لوضعنا البائس ترفاً بعيد المنال)، ونستطرد في القول بأن المركز في واقع الأمر، يُعد أكبر مُعسكر للمُهمشين في السودان، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً؛ فالإحصائيات تقول بأن سُكان هذا المركز (العاصمة المُثلثة) كان عددهم عشية الاستقلال في حدود نصف مليون فقط (500,000 نسمة) ولا يقل عدد سُكان العاصمة الآن عن عشرة ملايين، فمن أين أتت هذه الأعداد المهولة، وما سبب اختلاط حابل كرتون كسلا بنابل معسكر أبوشوك؟؟!!..
واسمحوا لي أن أورد هذه الطُرفة الموحية: "في نهاية عام 2010، أو بداية عام 2011، كان اتحاد الكتاب والأدباء السودانيين يُقيم احتفالية محضورة في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم، بمناسبة ذكرى تأسيسه (على ما أعتقد)، وكان من ضمن برنامجه في ذلك اليوم ندوة حوارية فحواها "هيمنة وسطوة ثقافة أم درمان" وأسهب القوم في الحديث عن سيادة ثقافة المركز الذي تمثله أم درمان في مجالات الغناء والموسيقى والرياضة والمسرح والسياسة والآداب والفنون،، وهلمجرا"، وعندما أتيحت لي فُرصة المداخلة قُلت: [أرجو أن تلاحظوا يا سادتي، أن المتحدثين الرئيسسيين في هذه الندوة والمتواجدين في هذه القاعة؛ هُم د. محمد جلال هاشم "من أقصى الشمال" ود. عبد الباسط سعيد "من أبوزبد" ود. الوليد مادبو "من الضعين"، ومتحدث آخر نسيت اسمه "من الفاشر" والمتداخلين أمثالي "من النهود واخواتها" وفنانكم الذي سوف يشنف أذانكم بإيقاع المردوم د. عبدالقادر سالم "من الكوكيتي" ، فعن أي مركز سائد وهامش مظلوم تتحدثون يا أحباب!!!!.
والعجيب حقاً أن هذا المركز المزعوم لا يُعتبر بأي معيار من المعايير، قاعدة إنتاج صناعي أو زراعي أو سياحي أو خدمي، وإنما حلبة كُبرى للفوضى والمهن الهامشية التي لا تضيف أي قيمة حقيقية للناتج القومي (GDP)، فما يفعله مركز السُلطة بإختصار هو؛ إستحلاب وامتصاص ثروات الهامش الجغرافي المتمثلة في الصمغ العربي والفول السوداني والسمسم وحب البطيخ والثروة الحيوانية، وأخيراً؛ البترول والذهب، ومراكمتها على هيئة عمارات وأرصدة خارجية، لا تعود بأي نفع على المناطق التي أنتجت هذه الثروات. وثالثة الأثافي أن المركز لم يكتف فقط بسلب الريف خيراته الطبيعية بل سلبه رأسماله البشري (Brain drain) فأصبح كُل من يُكمل الثانوي العالي ويركب القطار أو اللوري متجهاً للعاصمة، لا يعود إلى مسقط رأسه، بل يأخذ معه من تبقى من أسرته. فبالله عليكم كيف يكون علاج هذا الواقع المُختل ؟؟ هل بالتوزيع العادل للثروة والمُشاركة المتساوية في السُلطة (كما نصت اتفاقية نيفاشا، وإنفاذ الحُكم الفيدرالي اللامركزي)، أم برقص الكمبلا والنُقارة، في المسرح القومي بأم درمان؟!، أم بتدريس لُغة الهوسا والبداويت والنوبة في قاعات المحاضرات بجامعة الخرطوم؟!.
أما في الجُزء الثاني من المقال فقد استعرضنا مسوغات الانقلاب أو "الثورة التصحيحية" التي قادها الرفيق/ الحلو، وقُلنا أن جُل الأسباب التي برر بها فعلته-من عدم مشروعية وغياب للمؤسسية وعدم ممارسة للديمقراطية الداخلية،،، إلخ- صحيحة وحقيقية، ولكننا أضفنا جُملة واحدةً "إن الرفيق/ الفريق، شريك أصيل في كُل هذه الأخطاء والإخفاقات".
لقد كشفت الأزمة الحالية في الحركة الشعبية ما كان مخبوءً تحت الرماد- فلكُل فعلٍ نسبةٍ ما من الإيجاب مهما عظمت سلبياته- ولعل كشف المستور عن خلافات الحركة الشعبية أوضح أنها ظلت تسير بالبركة والترضيات و"شيلني وأشيلك"؛ وتُدار من غير مواثيق حاكمة وبدون مؤسسات تمارس الرقابة والمحاسبة والمُساءلة، وفي غياب تام لأي استراتيجيات مُجازة من القواعد ومُلزمة للقيادة، كما هو الحال في أي منظمة سياسية تجمع رهطاً من الناس (من منابت وخلفيات متباينة) تواثقوا على إنجاز هدف مُحدد بآليات معلومة!!!. وإلا فقُل لي بربك؛ كيف بعد ستة سنوات وخمسة عشر جولة من التفاوض، يتضح أن قادة الحركة الشعبية مُختلفين حول مسألة أساسية ومبدأية كحق تقرير المصير!!! وكيف نفسر اختلافهم حول الهدف الأساسي من التفاوض ذاته، وتباين رؤيتهم للغاية من النضال وحمل السلاح والعمل العسكري؟؟ ؟؟، هل هو من أجل اسقاط المركز بعد اجتياحه لتحقيق الحلم الانفصال (التحرير)، أم أنه (أي العمل المُسلح) وسيلة ضغط لإحداث تحول حقيقي في بنية وأطر وهياكل وآليات الحُكم (Radical Transformation)، وباختصار هل هدف الحركة الشعبية هو تحرير قبائل النوبة والأنقسنا، أم تحرير السودان؟!. وبهذه المناسبة أين موقع إقليم النيل الأزرق من مطلب تقرير المصير "حصان طروادة الانفصال"؟!.
ولعل من المناسب هُنا أن نتساءل عن السبب الذي جعل أبناء النوبة في الحركة الشعبية الأصل (بقيادة عبد العزيز الحلو وآخرين)، يقبلون باتفاقية نيفاشا 2005، التي منحت جنوب السودان وحده حق تقرير المصير، ولم تمنح جبال النوبة والنيل الأزرق سوى المشورة الشعبية الهُلامية (التي لا يعلم أحداً على وجه اليقين ماذا تعني)، ولا شك أنها تُقل كثيراً عن مطلب الحُكم الذاتي الذي طرحه وفد الحركة الشعبية في المفاوضات الأخيرة، واعتبره الرفيق/ الحلو، خيانةً، تبرر قلب الطاولة وهدم المعبد!.
وبدون استرسال حول مدى معقولية طرح أو إمكانية نيل حق تقرير المصير وعدم مقبوليته لدى الشعب السوداني الفضل (دعك عن المُجتمع الدولي والإقليمي الذي خاب فأله في انفصال/استقلال جنوب السودان، الذي لم يجلب سوى الموت والدمار والجوع للمواطن الجنوبي العادي، وعدم الاستقرار للمنطقة بأسرها). يؤكد واقع الحال أنه لا يُمكن نقل وتكرار تجربة جنوب السودان (Copy & Paste) وذلك للاختلاف الهائل بين جبال النوبة المتنوعة عرقياً ولغوياً ودينياً، وبين جنوب السودان الذي صوت 99% من مواطنيه لصالح الانفصال. كما لا يخفى على أحد أن نسبة كبيرة من أبناء قبائل النوبة لا تطالب ولا توافق على الانفصال، وأقصى ما يرجونه حُكم ذاتي يُتيح لهم إدارة شؤون إقليمهم والمُشاركة على قدم المساواة مع الآخرين في إدارة الشأن القومي من مركز السُلطة السياسية والاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار أن ولايات كُردفان الكُبرى شديدة التداخل العرقي والتصاهر الأسري والتأثر بالثقافة العربية/الإسلامية، مع نزوح أعداد هائلة من مواطنيها وانتشارهم الكثيف في العاصمة وأقاليم المركز والوسط والشمال النيلي، منذ حقبة الثورة المهدية وقيام مشروع الجزيرة وتداعيات الجفاف والتصحر (التدهور البيئئ) والمجاعة ثم الحروب والنزاعات الأهلية التي دمرت النسيج الاجتماعي وقضت على سُب كسبل العيش الكريم، في قُراهم ودساكرهم. ولو افترضنا جدلاً أن حكومة المؤتمر الوطني ودول الجوار والمُجتمع الدولي، وافقو وبصموا جميعاً بالإبهام والسبابة على حق النوبة في تقرير المصير، فأين هي الحدود الجغرافية/السياسية التي يُمارس في نطاقها هذا الحق؟ ومن هُم الذين يُحق لهم ممارسة حق التصويت؟ وما هو تعريف النوبي؟ وأين موقع الحوازمة والمسيرية وبقية القبائل العربية من هذا الحق؟.. وما موقف النوبة المُنتشرين في شتى بقاع السودان؟؟. وكيف يتم التعداد؟.
من المؤسف للغاية أن يتبادل قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال، الاتهامات، فيزعم الحلو أن رفيقيه خانا العهد وأبرما صفقة مع نظام المؤتمر الوطني تخليا بموجبها عن مطلب تقرير المصير لشعب جبال النوبة، ووافقا على دمج الجيش الشعبي وتسليم سلاحه. فيرد عليه رفيقاه (عرمان وعقار) باتهامه بأنه ينفذ أجندة خارجية تسعى لتقسيم السودان إلى خمسة دويلات، وأنه (أي الحلو) زار إسرائيل سراً، وتلقى منها وعوداً بالدعم!!!. وهكذا يتبادل الرفاق اتهامات التخوين والعمالة والارتزاق وبيع القضايا الوطنية، غير مُدركين أن هذه الاتهامات المُشينة، لا يقبلها عقل ولا منطق وأنها تفقد ثلاثتهم المصداقية والاحترام.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في الحركة الشعبية، أنها لا تزال حركة مسلحة وليست حزباً جماهيرياً، وطالما هي كذلك فسوف يظل صوت البندقية هو الأعلى، وبالتالي فإن من معه الجيش والسلاح هو صاحب الكلمة العُليا والمنتصر في أي نزاع داخلي (وقد رأينا كيف صار الأمين العام للحركة الشعبية الأم /باقان أموم، لاجئاً سياسياً في الولايات المتحدة الأمريكية، لا لسبب إلا لأنه لا يملك جيشاً وينحدر من قبيلة أقل تعداداً وسلاحاً، مُقارنة بغريميه!! ، وما أشبه حال عرمان اليوم بحال باقان أمس، مما يؤكد للمرة الألف أن العنصرية والسلاح لا يزالان يُشكلان في السودان "شمالاً وجنوباً" رُمانة الميزان في أي نزاع.
وفي هذا السياق أود أن أُشير إلى مقال د. الشفيع خضر (حق تقرير المصير وتفتيت وحدة السودان) المنشور بتاريخ: 17 /يوليو 2017 "صحيفة سودانايل والقدس العربي"- والذي جاء فيه: [بعد جولات التفاوض الفاشلة بين قطاع الشمال ونظام الخرطوم، جهرت بعض الدوائر الأمريكية، وأطراف أخرى في المجتمع الدولي، بالحديث عن تعنت قيادة الحركة الشعبية، وتحديداً كبير مفاوضيها الأستاذ/ ياسر عرمان].
وفي تقديري أنه لا يصح وصف موقف عرمان بالتعنت، (وليته كان كذلك)، وإنما هو موقف يصح فيه وصف "التردد"، وذلك لعلم ياسر عرمان، بعدم مشروعية قيادته وضعف قاعدته الشعبية (Lack of Legitimacy and Constituency ) في خضم حركة مُسلحة تقوم على الولاء القبائلي والمناطقي (وهو من هو كما نعلم، وإن انسلخ طبقياً وانحاز فكرياً ونال رتبة فريق!!)… وها هي الأيام تثبت شكوكه وصدق حدسه ومبرر تردده، فها هُم جُند النوبة يرفضون تطبيق الاتفاق "خارطة الطريق" ويمنعونه عنوةً من زيارة المناطق المُحررة!!!.
وختاماً، نطرح إسهاماً متواضعاً بالرأي وخارطة طريق مُستندةً على خارطة الطريق "ست الإسم"، للخروج من هذا المأزق التاريخي الذي سيكون له ما بعده أياً صار مآل الأحداث:-
ألا هل بلغت اللهم فأشهد
بريتوريا: 22/7/2017


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.