حلبي يجدد الولاء للإمتداد كوستي    السنغال تهزم السودان بثنائيه    تصريحات المدير الفني الغاني كواسي أبياه بعد مباراة السنغال    حمّور زيادة يكتب: مصلحة الأعداء الانفصاليين في السودان    قرار مثير لسلفاكير في جنوب السودان    الإمارات تتوقف عن استيراد النفط السوداني    كباشي يتفقد القوات المشتركة في الخطوط الأمامية    المنتخب السوداني يخسر أمام مستضيفه السنغالي بهدفين دون مقابل    شاهد بالفيديو.. الفنانة شهد أزهري تتفاعل مع "المغتربين" بشكل هستيري وتشعل حفل غنائي أحيته بالسعودية    المذيعة تسابيح خاطر تزيد من غضب جمهور مواقع التواصل عليها بتدوينة جديدة: (حكومة تأسيس حكومة ستبحث السلام والوحدة كما أعلنت)    اردول: توضيح للرأي العام بشأن شركة ديب متالز للتعدين    شاهد.. كروان الطمبور يبعث برسالة قوية للمطرب "الفارس" الذي وبخ الجمهور وحسم الفوضى وفرض النظام داخل حفل غنائي    شاهد بالصور.. الفنانة توتة عذاب تعود لإثارة الجدل بإطلالة ملفتة من إعلان "الكليب" الجديد وترد على سخرية الجمهور: (الناس مشغولة بيا وانا في قلوبهم كية)    شاهد بالفيديو.. البرنس يدخل في وصلة رقص مثيرة مع الفنانة إنصاف مدني احتفالاً بزواجه    بيان للجمعية السودانية لعلوم الفلك    كسلا تستعد لإقامة ملتقى الاستثمار الثالث    المقاومة الشعبية بولاية القضارف تحتفل بتخريج دفعة جديدة من المستنفرين    العدل والمساوة السودانية.. وفد من امانة اقليم العاصمة القومية يتفقد الجرحي والمصابين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حاج الصافي)    جنازة الخوف    الهلال والأهلي مدني يتعادلان مع مقديشو وكتور جوبا في سيكافا    حكاية من جامع الحارة    بالصورة.. حسناء الفن أفراح عصام تتغزل في سيدة الغناء السوداني وتطلق عليها لقب "المرعبة": (انتي في مكان بعيد شديد لا يقبل أي مقارنة)    آبي أحمد : "لم يكن النيل الأزرق يحمل ترابنا فقط بل ذهبنا أيضاً واليوم أصبح رمزاً لتحولنا    اللعب بالأرقام...!    كم يستهلك الذكاء الاصطناعي من الماء في كل محادثة؟    لحسم الجدل في موضوع حميدتي    المطر والسياسة في السودان .. سخاء في الموارد وشح في النفوس    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (هذا العالم)    المريخ السوداني يختار مدربه الجديد    ترتيبات في السودان بشأن سوق الذهب والاستيراد    بعثة المنتخب الوطني تغادر كمبالا اليوم الى داكار لمواجهة السنغال    ضياء الدين بلال يكتب: اللعب بالأرقام...!    "مناوي" يزف بشرى ويعلن اكتمال مشروع    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    شاهد بالفيديو.. بشة يعترف: (قررت ترك الهلال في أول ستة أشهر وهذا اللاعب هو من أقنعني بالبقاء)    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    روضة الحاج: ستلعنُكم هذه الأرضُ أحجارُها وستلعنُكُم كلُّ أشجارِها وستلعنُكُم كلُّ أثمارِها    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    عودة المحكمة الدستورية قرار صائب وإن جاء متأخراً    ساعات حاسمة ..أرتال عسكرية تتحرك نحو طرابلس    من صدمات يوم القيامة    حسين خوجلي يكتب: الأمة الشاهدة بين أشواق شوقي وأشواك نتنياهو    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    ما حكم شراء حلوى مولد النبى فى ذكرى المولد الشريف؟    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    انتشال جثث 3 شقيقات سودانيات في البحر المتوسط خلال هجرة غير شرعية    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    طفلة تكشف شبكة ابتزاز جنسي يقودها متهم بعد إيهام الضحايا بفرص عمل    اتهام طبيب بتسجيل 4500 فيديو سري لزميلاته في الحمامات    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بوتين اقترح على ترامب لقاء زيلينسكي في موسكو    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام التونج (3) القضية الأولي
نشر في حريات يوم 26 - 09 - 2017

نقب صاحبنا في الملفات القديمة واطلع علي الكتب والمناهج التي كانت تدرس فيه ، فوجد من بينها كتيب للديانة المسيحية للمذهب الكاثوليكي قرأ فيه واستوقفته عبارة ( أن القسس الكاثوليك بعثهم الله لهداية البشر وهم الصلة بين الانسان والرب ولذلك تجب طاعتهم طاعة عميآء فيما يقولون ويشيرون به في امور الدنيا والدين .. استوقفته هذه العبارة طويلا" ووجد تفسيرا" للعداوة والبغض الذي يكنه المتعلمون الجنوبيون الذين تلقوا العلم في هذه المدارس للشماليين فقد شحن القسس افئدتهم وصدورهم ضد العرب الشماليين واستثمروا في ذلك ظلامات بعيدة اقترفها الشماليون نحو الجنوبيين في تجارة الرق في عهود الظلام وظلم الأنسان لأخيه الأنسان في كثير من انحآء العالم ، ووجد ايضا" كتيبات مصورة يظهر فيها الجنوبيون مقيدين من ايديهم واعناقهم بالسلاسل وتاجر رقيق يلهب ظهورهم العارية بالسوط ، وهذا المسلك فسر له ايضا" ما صاحب انفجار التمرد في عام 1955 من مجازر وممارسات بشعة ضد الشماليين فقد كان للقسس أو بعضهم دور رئيسي في التهييج والتحريض ضد الشماليين مما اثبتته الوقائع في المحاكمات التي تلت اخماد التمرد وكما قلت قبلا ان المعهد ملحق به مدرسة اولية للاولاد يتدرب فيها الطلبة المدرسون وتحديدا" طلاب السنة النهائية تحت اشراف مدرسيهم وكان يقبل لهذه المدرسة دفعة جديدة من الاولاد في كل اول عام دراسي ،وكانت لجنة القبول تتكون من عميد المعهد وضابط المجلس الريفي الجنوبي وطبيب المستشفي وسلطان البلدة ومعهم كاتب المعهد ليقوم بالترجمة ، وكان والد أو ولي امر يأتي بابنه ليقابل اللجنة ، وكان معظمهم يأتون من بطون الغابات ومن مسافات بعيدة مستصحبين ابنآءهم والاولاد عرايا كما ولدتهم امهاتهم وقد يكون الوالد مرتديا"ما يستر العورة فقط ، وهذا ان دل علي شئ فانما يدل علي رغبة هؤلاء الناس للتعليم رغم بدائيتهم وتخلفهم ولما كان الوقت موعد قبول التلاميذ الجدد في اول العام فقد وجه صاحبنا الدعوة لاعضآء اللجنة المذكورين للاجتماع في التاريخ المعين ، وقد استرعي انتباهه استمارة معدة لكل تلميذ جديد كان اهم بنودها هو خانة الديانة فهذه مقسمة الي أ ربع خانات هكذا ( مسلم _ مسيحي وتحتها كاثوليكي \ بروتستانت \ ثم خانة ( لا ديني ) ، وعلم صاحبنا ان اخطر شئ في الاستمارة هي خانة الديانة ، وبعد ان تستوفي كل البيانات يوقع عليها جميع اعضآء اللجنة ، وكان والد الطفل أو ولي امره يمثل امام اللجنة ويسأله العميد عن الديانة التي يريدها لابنه وبالطبع فانه لا يعرف هذه التقسيمات للطائفة المسيحية ولكن يجيب بأنه يريد دين ( ابونا زيزيولا) وهذا هو القس الكاثوليكي ، أويقول اريد دين ابونا مارتن وهذا هو القس البروتستانت أو يختار الأسلام أو يقول اتركوه بدون دين ، ويشبت هذا في الاستمارة ، ولاحقا" في الدراسة عندما تأتي حصة الدين فان الاولاد المسيحيين يدرسهم القس الكاثوليكي في حجرة منفصلة وكذلك القس البرتستانت ويدرس المدرس الشمالي الاولاد المسلمين واما اللادينيين فيعطونهم كرة قدم يلعبون بها الي حين انتهآء حصة الدين والتئام الفصل مرة اخري بقية اليوم الدراسي ..
حدثت حادثة صغيرة اثنآء معاينة اللجنة للتلاميذ ما زالت عالقة بذهن صاحبنا حية كأنها حدثت بالأمس بما لها من مدلول عقلاني فلسفي واقعي وذلك عندما مثل والد أحد الأطفال وسئل عن الديانة التي يود لابنه أن يتعلمها في المدرسة فأجاب ( هذا الولد صغير ولا يعرف شيئا وانا لا اريد ان افرض عليه أي دين ولكني اتركه عندما يكبر ويتعلم ويفهم وعند ذاك يختار الدين الذي يريده ) ، وهنا جالت بذهن صاحبنا شتي المفاهيم والقيم مثل حرية العقيدة وحرية الأقتناع و. . و من الحريات التي قننها الانسان ونصت عليها الأمم الحديثة .. السنا مسلمين أو مسيحيين بالوراثة ؟ فان كنت ولدت لأبوين يهوديين أو مسيحيينأ أفلا أكون مثلهما ؟ فكل انسان يولد علي الفطرة ولكن والدآه يهودانه أو يمجسانه .. واكبر في نفسه هذا القول من رجل بدائي أتي من الغابة له مثل هذا التفكير المستنير ! الم يحكم لنا ربنا سبحانه وتعالي في كتابه الكريم حرية الأعتقاد بقوله ( لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ، ومثل امام اللجنة رجل شمالي بسيط لديه ( طبلية ) يبيع فيها اشياء رخيصة ولكنه كان اماما" للمصلين وكان خيرا" يأوي اليه ويتبني الأطفال اليتامي ، ومثل امام اللجنة ومعه ثلاثة اطفال ، وسألت اللجنة كل واحد من الاطفال عن الديانة التي يريدها وكلهم أجابوا بأنهم يريدون الأسلام وزاد احدهم بقوله أن والده وهو علي فراش الموت قال له انك مسلم واثبت ذلك في استمارة كل منهم .. وانفضت اللجنة بعد ان فرغت من مهمتها ووضعوا توقيعاتهم علي جميع الأستمارات .. وعلم العميد ان سلطان البلدة عضو اللجنة وهو من قبيلة الجور وهى من اكبر القبائل في البلدة ان لم تكن اكبرها علي الأطلاق وللقبيلة حس ومقدرة فنية راقية تتمثل في ما ينحتونه من الخشب من تماثيل رائعة للحيوانات ومن اثاثات جميلة .. هذا السلطان له اربعة من الولد أحدهم مسيحي كاثوليكي والثاني مسيحي بروتستانت والثالث مسلم والرابع لا دين له ولكنهم رغم ذلك يعيشون معا في بيت واحد في وئام وسلام .. هل هناك مثل للحرية الدينية وحرية الأعتقاد أبلغ من ذلك ؟! وفي غداة اليوم التالي لانعقاد لجنة القبول ذهب العميد الي مكتبه ووجد موضوعا" عليه خطاب باللغة الانجليزية من قس الكنيسة الكاثوليكية اتسم بالحدة وخارج علي حدود اللياقة متهما العميد بأنه يتعمد أسلمة ابنآء الكنيسة وتغيير ديانتهم من المسيحية الي الأسلام وضرب مثلا" لذلك الولد الذي أتي به الشيخ الشمالي والذي قال امام اللجنة ان والده أوصاه قبل مماته بأنه مسلم ، وقال القس ان ذلك الولد قام هو بتعميده مسيحيا" قبل ذلك . واجتاح العميد غضب ومرارة لهذا الاتهام الجائر ولم يتمالك نفسه وكتب ردا" بليغا" بعيدا" عن الأنفعال فند فيه اتهام القس واستشهدد باعضآء اللجنة وهم علي أعلي مستوي تمثيلي مهني في البلدة ففيهم ممثل الحكومة وهو ضابط المجلس الريفي وهو فوق ذلك جنوبي ومسيحي وفيهم سلطان البلدة ذاته ، واخبره انه ما كان يجوز له ان يخاطبه بهذه اللهجة المستقبحة او يخاطبه أصلا" ..وكلف العميد الكاتب علي الآلة الكاتبة ان يكتب عدة نسخ من هذا الخطاب ومن خطاب القس ليرسل صورا" منها الي مفتش الحكومة المحلية بالتونج وضابط المجلس الريفي وكل اعضاء اللجنة وصورة الي الحاكم العسكري بمدينة واو وكذلك لمفتش التعليم .. ومرت ثلاثة ايام علي هذه الحادثة وفي اليوم الرابع وكان يوم جمعة وقفت سيارة امام مدخل بيت العميد وترجل منها رجلان وصفق احدهما بيديه مستئذنا وخرج اليهما فعرف احدهما وكان هو القس الكاثوليكي الأيطالي الأب زيزيولا والأخر رجل جنوبي ضخم الجثة مهيب الطلعة يرتدي نظارة طبية فوق عينيه ويرتدي مسوح القسس ولكنه ردآء مميز ولابس علي رأسه قلنسوة ، ودعاهما للدخول وبعد التحيات وادأء واجب الضيافة تكلم القس الجنوبي الكبير معرفا بنفسه فهو مطران الكنيسة الكاثوليكية في بحر الغزال أي أكبر منصب ديني وقال ان الحاكم العسكري اتصل به واخبره بما حصل من الاب زيزيولا ولهذا السبب فانه أتي من واو خصيصأ" واصطحبه معه ليعتذر عما بدر منه وكان الرجل يتكلم بعربية فصيحة وقال للعميد ان الأب زيزيولا أرعن( هكذا) وما كان له ان يخاطبك بذلك الأسلوب ، والتفت الي القس وقال له بصوت جاف ( اعتذر للعميد ) ، واحمر وجه القس وصار كدم الذبيحة واكتسي وجهه مزيج من الغيظ والمهانة والخضوع وتمتم الرجل بكلمات الاعتذار ويخيل للرائي انه يوشك ان ينفجر من الغيظ ، وهنا تدخل العميد محاولا" ان يخفف من حرج الموقف ويطيب خاطر القس ، فقال للمطران اننا بشر وكلنا خطاؤون ولكن خير الخطائين التوابون كما قال نبينا صلي الله عليه وسلم ، وشكره علي تكبده المشاق والسفر من واو اليه ، وهنا استأذن المطران وقال انه راجع من فوره الي واو ، وشيعهما العميد الي مدخل الدارمكررأ" كلمات الشكر .. وعلم العميد بعدئذ ان الحاكم العسكري عندما اطلع علي صور الخطابين اتصل فورا" بالتلفون بالمطران وأمره أن يصطحب القس ويذهب معه بنفسه الي العميد في منزله بالتونج ويجعله يعتذر امامه .,.وحدثت هذه الواقعة في عهد الحكم العسكري للفريق ابراهيم عبود في عام 1963 وكان الحاكم العسكري لمديرية بحر الغزال هو العميد احمد حسن سالم الشهير ب ( ازرق …
ونواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.