بيان حول تطورات الراهن السياسي بالبلاد ناقش المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني عدداً من قضايا الراهن السياسي في البلاد مخضعاً إياها للبحث والتنقيب في وقت تشتد فيه الأزمة الوطنية وتطبق بخناقها على الجميع، منذرة بإنفجار قريب نأمل ونعمل أن يكون لصالح قوى السلام والعدالة والإنتقال الديمقراطي الشامل، وهو أمر لن يتحقق إلا بعمل مثابر يفحص الراهن ويفهمه بعمق، وينظم حركة قوى التغيير جماهيرياً ويطور أدواتها ورؤاها. في هذا السياق نظر المكتب السياسي للحزب في عدد من القضايا نتناولها أدناه تباعاً: 1- تصاعد حدة التوتر في دارفور: تشهد ولاية شمال دارفور هذه الأيام تسعيراً لواقعها الجحيمي عبر الحرب التى تشنها السلطة تحت شعار جمع السلاح من المليشيات التى قامت بتسليحها هى اصلاً لتقود الحروب ضد المدنيين فى دارفور بالوكالة. هذه الصراعات الداخلية في النظام قذفت فى وجه مواطني ولاية شمال دارفور القنابل والرصاص الذي لا يبدو أن لسلطة الإنقاذ شيئاً غيره تهديه لمواطني الإقليم كما هو الحال بكافة المناطق المهمشة بالبلاد والتي اتبع فيها النظام سنة الإبادة الجماعية مدفوعاً برغبته الجامحة في الإستئثار بموارد البلاد منفرداً وبخطابه العنصري البغيض، ومتوهماً نقاءاً عرقياً لا يتورع لأجله عن تقسيم البلاد مزعاً على هدي خطاب رئيسهم الذي اسمى تنوع البلاد في خطبة القضارف الشهيرة ب"الدغمسة". إن حملة جمع السلاح الذي تنشط فيها مليشيات النظام هذه الأيام هي مقولة حق أريد بها باطل، وإن السلاح لا يمكن جمعه بالقوة بل عبر عملية سلام حقيقية في الإقليم تخاطب جذور الأزمة وتضع لها معالجات جذرية ترد الحقوق لأهلها وتنهي كافة أشكال التهميش والهيمنة وتفتح حواراً حقيقياً بين مكونات الإقليم الإجتماعية يبريء الجراح ويضع الأسس اللازمة للعيش المشترك. 2- الوضع الإقتصادي بالبلاد: يواجه مواطنو ومواطنات البلاد معركة البقاء قيد الحياة والكرامة في ظل وضع إقتصادي خانق ترتفع فيه أسعار السلع و الخدمات وتستعصم بالزيادات الباهظة ويواصل الجنيه انخفاضه أمام العملات الأجنبية ليأتي كل هذا كإعلان عن أكذوبة تسبب العقوبات الأمريكية السابقة في التدهور الإقتصادي بالبلاد. إن الحقائق الناصعة تؤكد أن الأسباب الجوهرية لما نحن فيه من فقر بطبيعة السلطة والقوى التي تهيمن عليها وتعمل على حماية مصالحها وفق نهج فى إدارة أمور البلاد يراكم الثروة في يد القلة ويدفع بالغالبية العظمى إلى آتون الفقر والمسغبة. إن النظام الذي حطم البنية الإنتاجية وشجع النشاطات الطفيلية عوضاً عنها وأثرى أتباعه بتغييب القانون ونشر الفساد لن يكون مؤهلاً لأي إجراءات تصب في صالح المواطن، فها هو يعد الآن في ميزانية العام 2018 التي ستأتي كاستمرار لذات السياسات التي تحمل المواطن ثمن فساد السلطة وحروبها وتثقل كاهله وكاهل الأجيال المستقبلية بالديون وفوائدها لتضع رقبة البلاد واستقلالها على المحك. إن النظام يعد العدة هذه الأيام لقرارات جاءت عقب نقاشاته الأخيرة مع بعثة صندوق النقد الدولي ستقود لتعويم سعر الجنيه مما يعني انخفاضاً إضافياُ كبيراً في قيمته الشيء الذي سيقود لإرتفاع الأسعار نظراً للطبيعة الإستهلاكية للإقتصاد السوداني، وستحمل إجراءات جديدة لما يسمى برفع الدعم وهو إسم بديل لزيادة أسعار السلع الأساسية، هذه الإجراءات وإجراءات أخرى ستضيف أعباءاً لا قبل لأجسادنا المنهكة أصلاً بسياسات الإفقار، ويصير التصدي لها واجباً لإحداث تغيير جذري يبدأ بإسقاط السلطة التي تتبناها وفي السياسات التي تفقر الشعب وتنهك الإقتصاد وتثري القلة، وهذا لن يتأتى إلا بعمل جماعي مقاوم تنتظم فيه كل القوى صاحبة المصلحة في التغيير. 3- أحداث كلوقي بجنوب كردفان: استشهد الطالب الطيب عبدالله الشيخ التلميذ بالمرحلة الثانوية في مدينة كلوقي بجنوب كردفان يوم أمس، متأثراً بالإصابة برصاص أمن النظام الذي تصدى بالقوة و النيران لإحتجاجات مواطنى المنطقة ضد شركات التنقيب عن الذهب التى تستأثر بثروات المواطنين، وتمنحهم تلوث البيئة والموت بمادة السيانيد. الإحتجاجات ضد شركات التنقيب وضد الإستخدام العشوائي لمادة السيانيد توحد حركة جماهيرية واسعة تواجه النظام ولايات كردفان و الشمالية ونهر النيل ، وهو ميدان مقاومة على درجة عالية من الاهمية حفاظاً على صحة وسلامة الإنسان والبيئة و مواجهة لعمليات النهب المقننة والمحمية بالقوة لثروات البلاد. 4- أوضاع الحريات العامة: لا زال النظام يصعد من حملاته الشرسة للإنقضاض على حريات الناس الدينية والسياسية والإجتماعية في ميادين شتى، فعلى مستوى الحراك الطلابي لا زال عاصم عمر معتقلاً يواجه حكماً جائراً بالإعدام صدر من قضاء تابع للسلطة ومنفذاً لأجندتها ويواجه الطالب البقارى حكم الإعدام كما يواجه طلاب من جامعة بخت الرضا تهم عقوبتها الإعدام ولا تزال قضية طلاب دارفور المستقيلين منها معلقة. في ذات الحين تتواصل حملته ضد المسيحيين في السودان وهدم كنائسهم واعتقال القساوسة كما حدث مؤخراً بمحلية كرري، وتستمر اعتقالات الطلاب والمعارضين كما في حالة الطالب نصر الدين مختار الذي يدخل شهره الثالث في المعتقل دون تهمة جناها، وأخيراً ها هو النظام يستعد لنقل القمع الصحفى من الممارسة العملية كما في مصادرات الصحف وآخرها صحيفة الجريدة إلى التقنين باقتراح مسودة تعديلات على قانون الصحافة تجعل من هذا القانون مقبرة لهامش الحريات، واعلاناً واضحاً أن البلاد تشهد مرحلة جديدة تتمثل فى إنهاء ضبابية التسلط و القمع والفساد عبر قوانين وممارسات تمنح هذا الثالوث الشرعية. 5- أوضاع المعارضة السودانية: يثمن حزب المؤتمر السودانى الإتجاه العام لقوى المعارضة فى الوحدة من أجل مواجهة النظام، ويرحب بالالتفاف الكبير للقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى من أجل الحفاظ على حياة الطالب عاصم عمر حسن الذى يواجه الإعدام فى محاكمة سياسية مفضوحة، ويدعو حزب المؤتمر السودانى حلفائه فى تحالف قوى نداء السودان إلى تفعيل عمل التحالف لمواجهة الهجمة الأمنية القمعية الشرسة وللعمل مع القوى السياسية والجماهير فى ميدان المقاومة، ونعي في حزب المؤتمر السودانى التأثير العميق للانقسام المؤسف فى صفوف الحركة الشعبية على مجمل أوضاع العمل المعارض، ولكن نؤكد أن ثقة حزبنا كبيرة فى الحركة الشعبية بجناحيها على مقدرتهما على منح الإضافة المطلوبة حالياً للعمل السياسي، وعلى تجاوز مكبلات الخلاف الذي انتظم صفوفهما مؤخراً، وعلى العمل سوياً ومع حلفائهما في قضايا النضال اليومي من أجل التغيير. إن ثقتنا في طرفي الحركة الشعبية ناتجة عن الشراكة فى الرؤي والتصورات، وعن التواصل الدائم والمستمر معهما، ونؤكد أننا سنظل على مسافة متساوية منهما وهي مسافة قريبة تعمل إيجاباً على تصويب جهودنا تجاه أعدائنا الحقيقيين في سلطة المؤتمر الوطني وحلفائه من ذوي المصلحة في الحفاظ على وضعية الهيمنة والإقصاء داخل الدولة السودانية. أخيراً فإننا في حزب المؤتمر السوداني نؤكد إن عودة الحرب إلى ولاية شمال دارفور ، واغتيال أحد المتظاهرين بولاية جنوب كردفان، والإجراءات الإقتصادية المجحفة في حق أهالي البلاد، والإعلان غير الدستورى عن الطوارئ بولاية الجزيرة، ومشروع التعديلات على قانون الصحافة المودع منضدة برلمان النظام والهجمة على الحريات الدينية والسياسية رسائل مرتبطة بحبل سرى موجهة للداخل من ناحية، وموجهة للخارج من ناحية أخرى لمن وضع بيضه فى سلة حوار الوثبة ومشروعات التطبيع و الإرتباط الإستراتيجي مع نظام يقهر شعبه، و ينهب ثرواته، ويؤجج الحروب ضد مواطنيه ليدفعهم نحو البحار باحثين عن اللجوء وراءها على مراكب الموت، أو للتطرف والإرهاب باحثين عن الخلاص الاخروي، وإذ يرسل النظام هذه الرسائل، فإن رد شعبنا وقواه السياسية سيكون مزيداً من التعبئة والتنظيم و العمل المقاوم ومهما طال ليل الظلم حتماً سينبلج فجر الخلاص. المؤتمر السودانى 12 نوفمبر 2017 .