* عجباً لسلطة لا تجد علاجاً للأزمات الطاحنة التي أنزلتها على الأرض بإصرار؛ فتفكر ثم تقدِّر بأن العلاج يكمُن في إسكات الأصوات؛ وممارسة المزيد من القهر للأجساد المُتعبة المعبّرة عن احتجاجها ضد (الاضطهاد المعيشي)..! والإضطهاد أحد الأسلحة التي تستخدم للسيطرة على الناس وإخضاعهم لهوى الحاكمين؛ ثم جعل حياة الشعب قائمة على طموحات الأكل والشرب والعلاج؛ بحيث تصبح هذه الثلاثية (غاية كبرى) للمواطن؛ وغيرها ترف بعيد المنال..! هكذا بالضبط سياسة السلطة في السودان. * يقول العلامة ابن خلدون: (حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منها الشعب). * لكن في عصرنا هذا؛ لا يستطيع (عازل) أن يحجب عن الحاكم أحوال الرعية؛ إنما الحاكم من يعزل نفسه بالعناد؛ أو يكون متبلهاً من فرط الطغيان.. بالتالي فإن لا مبالاته بالكوارث والضوائق نتيجة لعَمَه البصيرة.. فكل طاغية منحوس (ملحوس)؛ والأخيرة كلمة فصيحة تعني (من كانت مداركه العقلية غير مكتملة)..! * ما ذكرناه؛ لا يمنع وجود ثلة المرتزقين والوصوليين (الذين أشار إليهم ابن خلدون)..! إن (لحسة) الحاكم تترك فراغاً لهؤلاء يتيح لهم النفخ في (قرعته!)؛ فيكون الواحد منهم بمثابة وسواس يتولى تزيين كل قبيح وتشويه كل (حق)؛ فتقع أضاليلهم موقع استحسان الموهوم الجالس فوق العرش..! إن مصدر الغذاء لعقل الطاغية هو (الأوهام) لا الكتب ولا التاريخ..! العقل الشرير لا حاجة له بالقراءة.. ولو شبّهنا شرّ الطاغية بضرر الشيطان فربما ظلمنا (القرين!)… ما يحدثه السلطان الجائر للبشرية من أضرار لا تحدثه الشياطين..! ولا حاجة للتذكير بأن الشياطين يسهل طردها..! * إذا كان الشيطان عدواً؛ فمن الأولى اتخاذ الطاغية (أكثر من عدو) فتكون الحرب عليه بأية وسيلة واجب لا لبس فيه.. والخروج عليه (أوجب) حتى لا تفسد الأرض.. وكفى..! * يقول ابن خلدون في موضع آخر: (يقلب الحاكم توجسه وغيرته من شعبه إلى خوف على ملكه، فيأخذهم بالقتل والإهانة). يا له من قول متجدد عبر الدهور.. كأن (صاحب المقدمة) يعيش بيننا الآن..! * لكن.. عندما يصل الرعية (حد القهر) ويصبحون موتى في الحياة؛ ينقلب السحر على الساحر..! فالموتى لا يخافون..! أعوذ بالله الجريدة