بينما كُنت أترجل في إحدي أزقة الخرطوم ‘ فجأةً شقت عنان السماء أصوات نجدة ،حرامي ! حرامي ! وحينما إلتفت رأيت شابان يركُضان وراء شخص أطلق ساقيه علي الهواء بعد أن إلتقف محفظة أحدهما ، وبما انه كان يعدو في ممرٍ لا يعطيه اي فُرصة للإنحراف،وفي الوقت الذي أسير أنا في الاتجاه المُضاد، قد إلتقينا وجها لوجه،وباغضته بالقول بان يضع يرمي المحفظة ويروح الي سبيله ، وحسنا فعل، وعلي مقربة بضع أمتار وقف ينتظرني، وحينما إقتربت منه ، قلت له : لماذا أرهقت هذان الشابان كل هذا الارهاق ؟ فرد قائلا : المعيشة جبارة ! . وحينما أخذت المحفظة وسلمتُ لها إياها، رمقني بنظرة تُوحي لكثير من التساؤلات ، شكرتني بحرارة وكان عينيها لم تُصدق ما حصل ، وحالما إنصرفا ، كان يدور في خُلدي حزمة من الاستفاهامات بل وخزات ضمير ! هل انني بهذا التصرف قد فَوّت فرصة لذلك الشخص كان له ان يَسُد رُمق جوعه ! واذا كانت المسالة كذلك ! وماذا عن تلك المسكينة التي أُختٌطِفت محفظتها ، ألم تكن هي نفسها في ذات الحوجة ! حقا كانت أعتبارات الموازنة والتوليفة بين هذين النقيضين عصياً علي عقلي كما حال ميزانية الحكومة علي الفقراء والمعدومين ! بينما يرزخ ويترنح الاخوانيون في نعيم الحياة ورغدها وترفها ، وتهُب عليهم النفحات من كل حدبٍ وصوب ، يُعاني جُمُوع الشُعوب السودانية من سعير شغف العيش وبُؤسها ، هذه الحياة الجهنمية صنعتها أيادي مهرة لا تُجيد سوي جلب المزيد من الفوضي والخراب والآلام للبشرية ، انهم الاخوان المسلمون ! حيث الفساد ،الجوع ،المرض ،الارهاب ،القتل ،التدمير ،التشريد، الابادة الجماعية والتطهير العرقي !. أخلاقيات الشعب باتت عُرضة للتآكل والهلاك ، والمساومة والتفاوض ، تمشياً من حالة البؤس التي صنعتها هذه العصابة الاجرامية ، حيث اصبح الغش والاحتيال والرشوة مسهلاً من المسهلات الاجتماعية ، ولديها كامل المقبُولية الاجتماعية بل كادت ان تصبح عرفاً اجتماعيا لديها قوة القانون !. حيث اصبحت المؤسسات الدينية والمساجد تصنع الاوهام ،وتستثمر في الكذب والنفاق والضلال والزيف ، بغرض تثبيت هِمَمَ المواطنين نحو فعل التغيير تحت إدعات لاهوتية زائفة ، تارة التصوير علي أن ما حاق بهم من ضنك الحياة وجحيمها هي من صناعة أنفسهم وذلك من جراء تمردهم وعصيانهم للاوامر والنواهي الإلآهية وإبتعادهم عن شرع الله ! وطُورا أُخري الترويج علي أن الخروج عن الحاكم من التابوهات الدينية ومخالف لشرع الله ! هكذا يوظف أئمة المساجد وخاصة أئمة صلاة الجمعة كل طاقاتهم من أجل ملذاتهم الشخصية ، ومن أجل إستدامة أمد الظلم والاستبداد ! وبعد ان غَدت ظاهرات السرقة والخطف بل التهديد وأخذ مُقتنيات الناس علي مَرآى ومَسْمَع الجميع ، كل ذلك بسبب تفاعل كيمياء الفقر والجوع في الجسم الاجتماعي السوداني،في ظل دولة شريعة إسلامية زائفة تحت أمير مُؤمنين هو ذاته لا يقل زيفاً عن دولته! ، فهل لهذا الأمير الزائف ان يُعلن تعطيل حد السرقة كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عام الرمادة ؟!.