قراءة في الاحداث المتسارعة.. يبدو واضحا لأول مرة أن عمر البشير الذي حكم بلادنا بقوة السلاح والجبروت والقتل والدمار أصبح بعيدا عن ولايته الجديدة التي رسمها لنفسه بتأييد عدد كان في بادي الأمر كبيرا حتى قبيل اندلاع انتفاضة يناير المباركة في ان يكون رئيسا لثلاثة عقود ونيف متربعا على عرش خاوي الوفاض من أي انجاز يذكر إلا في مخيلة أعضاء الحزب الحاكم الذين هردوا أكباد الشعب السوداني بسرقتهم للمال العام لا بل بمواصلة الإساءات المتلاحقة والاستفزازات التي طالت كل مكونات هذا البلد الطيب. وبعد قراءة فاحصة لما تمخضت عنه اجتماعات مجلس شورى الطغمة الحاكمة وفشل التيار المساند لرئيس الجمهورية في حصد مباركة اعضاء مجلس شورى المؤتمر الوطني، لترشح البشير في انتخابات 2020م، تم رفض توصية اعتماد البشير مرشحا عن الحزب في الانتخابات المقبلة، وما كتبه الدكتور الطيب زين العابدين اليوم بعنوان (المشير البشير لا يستحق فترة رئاسية سابعة.. أ. د. الطيب زين العابدين) وعدّد زين العابدين في مقالته الضافية الأخطاء الجسام والكوارث الفاجعة التي حاقت بأهل السودان منذ أن استولى الرئيس البشير وأعوانه الميامين على السلطة بانقلاب عسكري في يونيو 1989م، أقول وبكل ثقة أن انتفاضة يناير المباركة في السودان قد رسخت بقوة القناعات لدى الجميع بأن عهد العصابة قد ولى بلا رجعة، وأن الانتفاضة المباركة أسهمت في اضعاف مؤيدي الرئيس بشكل كبير جدا. لأول مرة في تاريخ هذا الحُكم القاتل يقتنع قياديوه بأن تقديم ولاية (سابعة) على حد قول أ.د الطيب زين العابدين لرئيسهم لا محالة تمثل خطرا كبيرا عليهم أولا، قبل ان يكون خطرا على وحدة السودان الذي أصبح على شفا حفرة من الانهيار الاقتصادي الكامل، وقد اعترف مسؤول كبير قبل أيام في جلسة خاصة ان "خزينة البلاد ما فيها ولا دولار واحد"، وأن حركة الصادر والوارد توقفت تماما، هو ما يعني أن مبررات خروج الشعب السوداني للشارع منطقية وموضوعية بكل المقاييس. كتبت الأستاذة الزميلة الأخت الفضلى شمائل النور على صفحتها في الفيس بوك " أن الرئيس خسر معركة كبرى حيث اسقط مجلس الشورى حزب المؤتمر الوطني بالاجماع توصية لإعادة ترشيحه لانتخابات 2020م، يبدو أن تيار د. نافع علي نافع وأمين حسن عمر قد كسح". وتعليقي على كلام الزميلة أقول -بالفعل هي معركة كبيرة جدا وكون الرئيس يخسر في اعتقادي هذا تطور كبير بكل المقاييس يعتبر نقلة، لكنها لم تحدث إلا أن التظاهرات التي خرجت في عدد من مدن وولايات السودان قد رسخت كما قلت لهذه القناعات، لأن الأسابيع التي سبقت الاعداد لهذه التظاهرات شهدت حراكا شديدا من قبل مؤيدي الرئيس وحارقي بخوره من الوزراء وأعضاء قيادة الحزب الهرم، وعسكريين وأمنيين وغيرهم، وصرفت مبالغ طائلة تم تسليمها لعدد من المحاور التي بدأت تعمل من بينها مجموعات شبابية كثيرة في عدد من مدن السودان الكبيرة، وحتى ان جهات خارجية دفعت المبالغ التي تم تحويلها عبر البنك البريطاني لدعم حملة ترشيح البشير لولاية جديدة، أذا بالفعل هي معركة خسرها الرئيس لأول مرة يخسر فيها بعد حوالي 29 عاما على نظامه الديكتاتوري. لكن…ولكن هذه تجر بعدها علامات استفهام كثيرة تتمثل في التساؤلات التي تجي في خضم القراءة الشاملة للأحداث وما يجري خلف الكواليس، نعم نجحت مجموعة (نافع/أمين) في كسب الجولة واخرجوا البشير من دائرة التوقعات في التجديد لولاية رئاسية جديدة، بغض النظر إذا ما كان البشير سيقاوم بشتى السبل وانه سوف لا يقف هادئا مُسلِما نفسه لمحكمة الجنايات الدولية، بغض النظر عن ذلك، ونفترض أنه سيرضخ للهزيمة، هل الملعب التنافسي حكرا على مجموعة (نافع/أمين)..؟!.. هذا هو السؤال والاجابة عليه بكل تأكيد فيها الكثير الذي يمكن أن يقال في حينه، لكن بتفكير عميق نجد ان ساحة التنافس فيها لاعبين كثر من الداخل والخارج للأسف الشديد. جزء من اللاعبين في الداخل أولا يتمثل في العسكريين.. حقيقة لا أدري هل بالإمكان أن يتوافق هؤلاء العسكريين مع القوى السياسية، وتلك التي تحمل السلاح في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق لاخراج البلاد من أزمتها الطاحنة ويتواضع الجميع على حل وطني يجنب البلاد الاقتتال والفرقة..؟. هناك مجموعة شريرة ليس لها أي دوافع وطنية هي مجموعة (علي عثمان محمد طه) قوامها عدد من ضباط الجيش ومن ضباط الأمن (داخل وخارج الخدمة)، وبعض العنصريين المندسين داخل المؤسسات العسكرية، والذين تم ابعادهم في وقت متزامن مع ابعاد المجرم صلاح قوش وعلي عثمان. مجموعة على عثمان تعتمد في عملها الذي نشط كثيرا مع انتفاضة يناير المباركة على مجموعة (الجداد) الالكتروني الذين قاموا الأسبوع الماضي بإغراق مواقع التواصل الاجتماعي بعودة علي عثمان محمد طه للحُكم مرة أخرى، وبلغوا به حدا من الإشادة حتى كادوا ان يقولوا انه المنقذ الوحيد للسودان، وهناك من صدق هذه الفرية وانتشر الخبر كالنار في الهشيم، ويقود هذا العمل مهندس كمبيوتر علاء الدين يوسف علي وهو الذي ربط جهاز الامن والمخابرات السوداني بمجموعات من الهكر الهنود المتخصص في ضرب المواقع الالكترونية والتجسس واختراق حسابات الأشخاص المؤثرين في الساحة. وبطبيعة الحال هناك لاعبين في الخارج، جهات ودول ظلت ولسنوات عديدة تدفع المليارات من الدولارات للعصابة الحاكمة حتى لا ينهار النظام اقتصاديا، ومن بين هؤلاء دولا عربية معروفة كانت تدفع سرا وعلانية وقد استماتت في دفع الاضرار عن النظام بكل ما اوتيت من قوة وتحملت في ذلك الكثير، وهناك الحركة (الإسلامية) العالمية التي ترى أن السودان في عهد عمر البشير هو المخزن الآمن لعتادها وقوتها، وأن السودان في ظل عمر البشير يمثل لها مركز الإيواء الآمن لقياداتها المطاردة عالميا وإقليميا، مستغلة ومستفيدة من الامتداد الجغرافي الكبير لبلادنا. والسؤال الذي يطرحه نفسه..ما هو المطلوب بعد أن تأكد عدم ترشح عمر البشير لولاية جديدة عام 2020م..؟. أعتقد ان المعارضة بكل أطيافها في الداخل والخارج السياسية منها والمسلحة مطالبة بسرعة الالتقاء الجامع، والاتفاق على حل وطني شامل يجنب البلاد أي اقتتال، وأن نتواضع جميعنا لكي نعبر ببلادنا لبر الأمان بعيدا عن الجهوية والمناطقية والحزبية والطائفية وكل انتماءاتنا الضيقة، فإن دروس انتفاضة سبتمبر 2013 ويناير 2018م كفيلة بأن نتعلم منها الاتفاق والوحدة، وأن نتذكر بأن بلادنا غنية ولها من الموارد ما يرتقي بشعبنا وإذا صدقت النوايا الوطنية بالإمكان الخروج من دائرة الحاجة إلى الاكتفاء الذاتي. إن تواضعنا جميعنا على حل وطني يبعد عن بلادنا أي محاولات خارجية للتأثير على قرارنا الوطني، فلابد من الإسراع في العمل سوية، واستخدام كافة وسائل التواصل الحديثة في عقد اللقاءات التي تحدثت عنها وليس بالضرورة ان نلتقي في مؤتمر بأي دولة كانت الآن كل الوسائل متوفرة، أثق في ان القوى السياسية الوطنية مستعدة للتغيير بما يوفر لبلادنا السلام والطمأنينة. [email protected]