مريمية ؛ هو نوع من الازهار الجبلية ؛ تنبت على صفوح المرتفعات الاثيوبية؛ يباع عطرا في المتاجر ومعاطر باديس ابابا . و اديس ابابا ذاتها عاصمة اثيوبيا ؛ اسم لزهرة نادرة او هي ترجمة حرفية من لغة الامهرة لعبارة (الزهرة الجميلة ) . الاثيوبييون رائعون وهم في لباس البياض ؛ وبارعون في صناعاتهم ؛ من المريمة وازهارها البيضاء يضعون نوعا شديد النفاذ جميل الرائحة من العطور الذيتية ؛ وتباع في المعطرات الهادئة وتقدم هدايا في الاعياد ومواسم الاعراس ؛ عطر يجمع بين سلاسة القرنفل ؛ وجذابة عود الصندل ؛ ورواح الصندلية . كانت كذالك هي هي التقيتها ذلك الصيف في اديس ابابا ؛ وكذالك اهديتها الاسم مشتقا من اسمها مريم البتول وفي رزانتها ؛ وخضرة المريمية وحسن حديثها . كان لقاءنا الاول في اعشاش الحزام الاسود حول امدرمان حيث دخلت هي واسرتها منذ سنيين ؛ ليس كمثل دخولي انا المدينة ؛ لكننا معا على حين غفلة من اهل المدينة من قرانا في السهول الغربية الخضراء بحثا عن التعليم الجامعي او المعيشة . من قريتها ومسقط راسها في (كورقي) احد القرى الهادئة الا من صوت الماعز الصباحي وصياح الديك في قيسان بلدة (كتم ) اقصى شمالي اقليم دارفور ؛نزحت ؛ وتركت (كورقي ) بين اودية رملية جافة لكنها تجري حين تسمح السماء لنفسها بالبكاء مرة كل ثمانية اشهر. لكن (كورقي) باقية فيها كل عام وفي دمها ؛ بثقافاتها بتقاليديها بروحها الانساني. حينك ولدت مريمية وهناك كان اسلافها الاوائل من شعب الكنجارة ؛ لكن الاحداث المتتالية في بلادنا التي عمت باكرا بلدة كتم ضارة هي بالكثير ؛ ونافعة في بعضها حيث سمحت لبعض العائلات النازحة الى المدينة ان يجد بناتهم الطريق الى المدرسة ؛ ثم الطريقة الجامعة . وهي فرصة لي ايضا وبالصدفة ان اكون واحد بين مئات التلامذة التي تستقبلنا المدرسة الابتدائية الاولية في بواكير حياتنا في بلدة قرلانج بانج ؛ ثم بلدة تورنتوقا وسط جبال مرة الخضراء ؛ ثم مدرسة شكشكو مبتدا من مدرسة الخروع ثم القردود في صفوح جبال ؛لاكمل تعليمي في المدينة في الخرطوم الجامعة ؛ وانا الطفل الذي راى الحياة اول مرة في قرية دردمة الصغيرة قرب وادي ابقى راجل جنوبي نيالا في عمق ديار الداجون. ان نلتقي بعد سنوات ؛ بفضل الرسولة تاجة ؛ من انقذتني حين ارسلتني الى المدرسة . ما يظل عالقا بالذاكرة ؛ والى الابد ؛ صورة العديدة من البنات في عمر شقيقتي حليمة وخديجة ؛ وهن عشي مرة ؛ وحواء كوي ؛ محاسن وكلتومة ؛ ومريماي تسا ؛ وخديجة ؛ وفاتني ؛ وكلتومة . وهن من بين العشرات من الفتيات شبه مريمية لم يجدنا طريهن الى الجامعة . تشاركنا يوما مع بعضهن معا اناشيد الصباح ؛ وترانيم ايات القران ؛ تشاركنا ملكية الكتاب الممزق ؛ وجلدات المدرس ؛ وافترشنا شوالات كمقاعد للدرس في الفصول ؛ اقتسمنا الغبار واغاني النقارة ولعبنا تحت رشاش المطر في مدرسة تونرنقا ؛ وكرلانج بانج والخروع . غير ان احد منهن لم تجد طريقا ينتهي بها الى الجامعة ؛ وا حسرتاه . و المؤسف حتى الثانوية لم تصلها الا فاتنة كوي من تورنتوقنا وعادة حين وجدت في بلدة كاس وحشة الحياة. نقاش حالة تلك الفتيات ؛ ومستقبل تعليم المراة في السهول الغربية كانت باكورة حوار جمعني ومريمية بنت السهول في اديس قبل خمس سنوات . وهكذا حزمنا جملة احلام واماني من اجل مساعدة شقيقاتنا للنهوض الكبير ؛ جزء من حراك التغير الكبير في دارفور . وهكذا ايذا حزمنا جملة احلام واماني من اجل حياة مشتركة يملاها الحب والاحترام والعمل . لكن ؛ لم نتمكن ومريمية من الزواج منذ سنوات ؛ لقد كان في طريقنا مليون شاب ومثلهم من الشابات ؛ جنقو ؛ وسماكس ؛ انهم مثلنا وبحالنا ؛ اشقاءنا وشقيقاتنا في هذا السودان المضر بطاقاته الانسانية والمهدر لطاقته في هباء . انهم مثلنا يقفون جميعا صفا طويلا في طريقنا . عبارتي تلك نسخة طبق الاصل من قول ارسنتو تشي جيفارا حين سئل لماذا لم يشتري هو او زوجته إليدا لعب لاطفالهما فكان رده ” ان هناك خمس ملايين طفل في امريكا الجنوبية يحرمون اطفالي ؛ ويمنعونني ذلك ” مريم تاجة ؛ والدتي العزيزة هي التي احدثت اختراقا مؤخرا في المفاوضات السرية البينية ؛ والتي كانت تكتسي بالود والنبل والشهامة في ظل ازمة اقليم دارفور الضاربة في عمق طموحات الشباب كي يستقروا ويتزوجوا . وان يكون لهم احلام . تاجة زارتني منذ ثلاث اشهر في هذا العام الاول من العقد الثاني من القرن العشرين ؛ ولما لها من طموح وحب و قوة وعزيمة اكبر مني حققت الانجاز الكبير الذي نفرح ويفرح بنا الاصدقاء في هذا التاريخ الكبير في حياتنا انا ومريمية . سيظل تاريخ زواجنا 20 ماي 2011ف معلما كبيرا في حياتنا ؛ وخطوة جديدة في سلم المسؤولية والالتزام الاخلاقي والوطني والانساني كل منا تجاه الاخر ؛ وتجاه القضية . خطوة اخرى في عمق النضال ورحلة جديدة من العمل الجاد من اجل النهضة وتطوير مجتمعاتنا ؛ في مقدمتها تعليم المراة ؛ ونشر الوعي و الاخلاق والتفكير الحر . مريمية ؛ لم تعرف نقية؛ التي كانت زهرة جبلية خضراء نقية اولى. رافيقتي على تلال (ردم ) والخطى بكر ونحن نسعى وراء الابقار ؛ ونغني حين يهطل المطر ؛ ونعود عند الاصيل الى الفرقان في سلنقا يسبقنا الحنين مع خيوط الشمس الغاربة . وكانت الحب الاول ؛ ونقية التي لم تغادر سلنقا ستعرفها مريمية يوما ؛ واملي ذلك قبل ان اسند انا هامتي للرمل راحلا عبر دهاليز الابد في سفر جديد في ربوع بلادي . نصلي ان نرى ومريمية معا تلك السهول الخضراء ؛ ونرقص تحت رزاز المطر ؛ ومطر السلام . مريمة لم تعرف حنة ؛ وضحكتها الجزلة الاولى حين تراني في قرية التينة . وكيف كانت حنة رائعة الابتسامة وحلوة الصوت وهي تغني الهجوري بنغم متجدد في الاعياد مع رصيفاتها ؛ تغني لي ” هجوري ما بنتم وخلو الشباب ينجم ؛ نقى فريع البان نلقى صواب قدام ” . حنة ؛ كانت رائعة روعة اناشيد الصباح في مدرسة شكشكو الوحيدة التي نغدو اليها مثل الطيور على صوت الجرس و نعود اليها مساء في درس العصر مع خيوط الشمس الصفراء . املي ان نزورها ومريمية التينة ونحن نبخر في عباب السلام . مريمية ستعرف خدوج حتما صديقة الفرقان في التلال في كارقو ؛ وكبالو .كنا اصدقاء المقيل الشيق على اشجار التبلدي في درتية .؛ خدوج ابنة عمي التي لم ترى المدينة ولم ترى عربة في حياتها كانت صديقة العشرات الجميلات القرويات في قريتها برونقا ؛ وارنقا و انقر .يضفرن شعرهن على عطر الودك ويكسون اجسامهن بالدلكة ؛ ويضعنا القاشة على انوفهن وهن رائحات وغاديات على البيار والحطب يربطن اوساطهن بالكراب المدرج مثل استعدادهن لليالي الكشوك في ( اوبرة كارمن) قرب (شارع شانز ليزي) في قرويد بعاشيم كل صيف. تنبت ازهار المريمية على صفوح التلال السوداء في السودان ايضا ؛ ولها اقرباء نبت خضراء : ( دكير الشتة) ؛ ( الحرحر ) (السني سني ) ( الايور ) (التوت مخت ) ؛ تنبت جميع تلك النباتات بازهارها الصفراء والزرقاء والبنفسجية والبيضاء على ضفاف الاودية الرملية حيث ترعى الاغنام وتعيش الارانب البرية كل خريف تتجمع عندها الفراشات والعصافير تتغنى .تلك الارض لنا وسنعود اليها ومريمية واطفالنا قبل الغروب بلا شك . و كم المريمية الزهرة منتشرة في الفروع الصغيرة لوادي ردم ؛ وادي ترمو؛ ورجل حميداي و بكثافة في البراري الشرقية والجنوبية والشمالية لجبال مرة لكن القرويين من شعبنا هنا لا يصنعون من المريمية عطورا مثل الهبش ؛ بل يصنعون من علاقاتهم الانسانية ببعضهم ؛ في الزواج بين المجتمعات المتعددة بين دار الريح ودار الصعيد ورد للسلام وعطر للحب والاحترام ؛ وهكذا ظل و يدوم الى الابد الابدين بين الفلاحيين من شعبنا تلك الروح الانسانية . تقدير وحبي الكبير وشكري لاسرة زوجتي مريمية وامها القديرة في الاولى . وتقديري لاسرتي ال عطرون ولمريم تاجة الرسولة الشكر اجمله ولبناتها الرائعات واعتذاري اليهن انهن لم يتمكن من الفرح بقدر ما يردن؛ وذلك لخدمتهما لنا ولرعايتهما وفق تقاليد الثقة ولزوم الاطمئنان ؛ وفق الاحترام والتقدير حتى خلق هذا الفرح في زمن الحزن الكبير في دارفور. شكري وامتناني الى رفقائي الاعزاء اصدقائي النبلاء : تيجاني ؛ ريفا ؛ الزاكي ؛ عم ابراهيم ؛ نجم الدين ؛ عشر ؛ كرشام ؛ بحر ؛ محمدين ؛ عثمانو ؛ رشيد . لوفتهم الاخوية النبيلة تعبيرا حيا عن الاخوة الانسانية وتجسيدا لمفهوم التضامن والتعاون في الثقافة الانسانية الازلية المتربعة في التقاليد الافريقية. وشكري الى كل رفقائي واصدقائي وصديقاتي الذين ارسلوا تهانيهم وتباريكهم ؛ الاصدقاء والصديقات ؛ لهم مني ومن مريمية ود تقدير . ولكني اخص بالذكر ابسماك حلة فكي موسى ؛ وابسماك طرابلس ؛ وجنقو مصر وجقموكا وحميد ومهدي ووعليش واسمول . شكرا لكم