ما اود ان اشير اليه هنا هو دور المحاكم في مكافحة الفساد ، وهو دور ضعيف جدا ، بل ربما لا تلعب المحاكم اي دور في مكافحة الفساد ، فليس من مهام السلطة القضائية التحقيق في جرائم الفساد او التحري فيها ، بل وليس من مهامها ان تتلقى البلاغات والشكاوى في هذا الشأن ، بل أن المحاكم ليس من اختصاصها ان تكون خصما ضد المفسدين ، فالقاضي يجب ان يكون اولا خالي الذهن من اي اعتبارات سياسية او حتى اي تقييمات اجتماعية بل يجب ان يقف موقف الحياد من خصومة الدولة ضد المتهم بالفساد الماثل امامه في مجلس القضاء ، والقاضي لا يستطيع سوى ان يحكم من خلال الاوراق التي توثق لما ثبت من ادلة نفي او اثبات وان يقوم بالتأكد من أن الادلة على الفساد تؤكد الاسناد الجنائي بما يتجاوز الشك المعقول. أما بالنسبة للعقوبات فالقضاء حينما يطبق الحد الاقصى للعقوبة انما يتبع في الواقع أوامر المشرع التي اعطته هذا الحق في رفع الجرعة العقابية ولا يجوز للقاضي ان يتجاوز هذا الحد الاقصى الذي قرره المشرع ، كما انه ليس من حق القضاء -كما حدث في بعض المنشورات القضائية- ان يلغي الحد الادنى للعقاب في كل الجرائم ليتشدد في العقاب وإلا يكون بذلك قد تجاوز حدود السلطة التقديرية المخولة له الى الغاء نصوص المشرع التي تم استنانها بناء على دراسات ولجان فنية وقانونية متخصصة ، ولو كان المشرع يريد فقط تطبيق العقوبة القصوى لما وضع حدا ادنى ومنح القضاء السلطة التقديرية ، لذلك فاي منشور قضائي يفرض على المحاكم تطبيق الحد الاقصى فقط على الجرائم يكون تغولا على سلطات البرلمان الذي يلزم المحاكم بتفريد العقاب وليس تطبيق حد اقصى على كل الجرائم على السواء. لذلك فلا أعرف كيف سيقوم القضاء بتجاوز هذه النصوص او سلطاته ليحقق ردع المفسدين ، بل لا اعرف كيف يتخذ القضاء موقفا مسبقا من متهمين ماثلين او قد يمثلوا امامه بما يعرض حيدة القضاء للتشكيك . اعتقد ان تصريح رئيس القضاء جانبه الصواب ، فمكافحة الفساد ليس مهمته بل هي مهمة السلطة التنفيذية ، أما القضاء فمهمته الفصل في الدعاوى المعروضة عليه وفق القانون متبعا مبدأ حيدة القضاء وهو مبدأ عالمي ، كما يجب أن يتبع مبدأ خلو ذهن القاضي من اي آراء مسبقة متأثرا بتحول قضية ما الى قضية رأي عام او تأثرا بايدولوجيا سياسية خاصة به.
