إن من أبرز سمات أزمة الحكم في السودان هي وصول أشخاص إلى السلطة تسللا وسطوا على الشرعية القائمة آنذاك والتي ارتضاها الشعب سيرا على نهج الديموقراطية الحقة المصونة بالقانون والدستور المعتمد بإرادات الشعب وسائر قياداته محل الاحترام المعتبر على مر تاريخ السودان الحديث . لكن شتان بين البارحة (الديموقراطية ) والليلة المقنعة على غير استحياء (الديكتاتورية) . على أدنى تقدير نقدر نقول عن رجال البارحة صدقوا ما عاهدوا الشعب عليه من التزام بنهج التداول السلمى للسلطة عبر صناديق الاقتراع (وفق انتخابات حرة ونزيهة حقا) بخلاف ديموقراطية الليلة الزائفة القائمة على (تزوير إرادات الجماهير) وإعمال المعايير الانتقائية بخلاف المعايير الدولية المعمول بها في هذا الشأن والتي تكسب أساسا تلك الانتخابات الصفة الشرعية بما تقوم عليه من مكنات تجعل أمام الشعب التحلي بحرية الاختيار بمنأى عن أي تأثير خارجي على قناعته التي أسس عليها عقيدته . (حب الشحيح للمال حب الجبان للروح ) أولا : حب الشحيح للمال : إنه لمن دواعي الأزمة وصول إنسان (شحيح) إلى السلطة فمثله مثل (الكاو بوى) أي بمعنى : (راعى الأبقار غير مسئول عن تصرفاته) فإن شاء ضرب القطيع وإن سلب جزء منه أو أضاعه بالكامل ولا حسيب ولا رقيب عليه .. لماذا لأنه هو الحكم والجلاد في الوقت نفسه وهذا بدوره يكسبه عامل حصانة تجعله يتصرف خارج سياق الشرع أو القانون ولا يتورع لأى وجهة حق . إلى ذلك تدق المسألة عندما يكون هذا الانسان (فاقد تربوي " معرفة ووطنية " ) معوز بعد فقر تموّل فيصبح محبا للمال حبا جما إلى درجة الطمع والجشع فاغر فاهه كما سمك القرش ليلتهم حقه وحق غيره تحت مظلة الحكم وباسم الحكم ومتحصنا بذات الحكم (السلطة ) . إثر ذلك استشرى الفساد في كل مفاصل الدول وتم العبث بالمال العام والاعتداء عليه وطفت على السطح بوادر الاثراء بلا سبب مشروع ونهب ثروات البلد وتشريد العقول والكفاءات (وغرد الغراب بدل الحسون ) .. ولم يتبقى من البلد إلا الأطلال والوقوف على الأطلال حيث لا يجدى نفعا : (بالأمس قمتُ على الزهراء أندبهم .. واليوم دمعى على الفيحاء هتانُ فلا الآذان آذان في منارته إذا تعالى .. ولا الآذان آذان ) .. (خربوا البلد وقعدوا على أتلالها ) .. هكذا هي تبعات أعمال وأفعال: (حب الشحيح للمال .. حب الجبان للروح) ثانيا :حب الجبان للروح : يظل دوما الرجل الجبان متقمصا للدور البطولي على نحو زائف على غرار (الدونكيشوت) (عمره ما يكون رجل حارة ولا بفك وجعة ) تجده كما يُقال : ( كالهر يحكى انتفاخا صولة الأسد) يتظاهرون أمام شعوبهم المغلوبة على أمرها بأنهم عظماء أبطال ( الفينا مشهودا .. عارفانا المكارم نحن بنقودا .. والحارة بنخوضا ) ثبت بعد ذلك بأنهم مشهود لهم بالجبن بدليل مطالبتهم بأن يخوض لهم من هم غيرهم (تلك الحارة ) وبهذا صار مشهود لهم أيضا بأنهم عند الشدائد (نعام ) يستنجدون بعظماء العالم وعلى غير استحياء وأمام الملأ يقولونها : (يا عظيم حوش عنى الجدع ده) .. يا خسارة أملى وأملك يا خسارة . هذا هو حال الجبان يمضى برغماتيا دوما باتجاه تحقيق مصالحه الشخصية إفتئاتا على حساب المجموع وغير آبه بإحقاق الحق وإرساء دعائم العدل .. وعليه فإن معركة الكفاح والنضال لم تنته إلا بمغادرة ( آخر شحيح محبا للمال أو جبان مغرما بالروح ) للسلطة .