الجدال حول ويكيليكس لا يزال مستمرا وحاضرا بقوة في الإعلام الأمريكي أواصل في الحلقة الثانية حصاد رحلة 18 يوما في الولاياتالمتحدةالامريكية، بدعوة من وزارة الخارجية الأمركية شملت 38 صحفيا من 37 دولة من مختلف قارات العالم للمشاركة في احتفالات اليوم العالمي لحرية الصحافة التي أقيمت فعالياتها في واشنطون ونيو يورك. على أن أختم في الحلقة الثالثة بالجزء غير الرسمي من البرنامج، وحصاد جولات وملاحظات شخصية في ست ولايات أمريكية. ركزت في الحلقة الأولى أمس الأول على الجلسة التي كانت على شرف الصحفي الأمريكي بوب وودوورد، مفجر فضيحة ووتر قيت عبر صحيفة “واشنطون بوست” والتي أطاحت بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وجسدها الفيلم الشهير “كل رجال الرئيس”. ورجعت إلى أوراقي ووجدت تلخيصا جيدا لما قاله الرجل؛ يستوجب العودة إليه. خاصة وأنه كان يسير عكس اتجاه المتحدثين في برامج الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة. قال وودوورد: إننا لا نشهد تغييرا ثوريا بسبب الإعلام الجديد، بل ربما تطورا عاديا يعتمد على ماقبله، وأعاد التأكيد على أهمية المصادر الإنسانية، لا الورقية والوثائق الخرساء. ومضى أكثر ليقول: إن وثائق ويكيليكس مثلا، رغم الضجة التي صاحبتها، لن تحدث أثراً كبيراً في التاريخ كما فعلت أوراق البنتاغون و ووترقيت، فقد اثبتت هاتان التجربتان أن الحكومة تكذب، وفتحت الباب أمام طرق جديدة لمساءلة الحكومة. وعن سر نجاحه في العمل قال بوب وودوورد: إنه أتيحت له فرص كثيرة أقام خلالها علاقات مع كثيرين، ولم يكن لديه انتماء لحزب أو جماعة، وكان اعتماده على قوة المعلومات وتفاصيلها بدرجة جعلت المصادر تحترمه. وقال: إن أهم مشاكل وسائل الإعلام الحديثة هي السرعة وقلة الصبر. بينما سار عبد الرحيم فقراء في اتجاه أن الإعلام الجديد والإعلام التقليدي مكملان لبعضهما البعض، وأنهم في قناة الجزيرة يتعاملون خلال أحداث “ربيع العرب” مع المدوِّنين ومستخدمي الإعلام الاجتماعي كمصادر مهمة لا يمكن إهمالها، لكن المهم أيضا، على حد قوله، الاعتماد على مصادر متنوعة ومختلفة، والعمق والشمولية في التغطية. في اليوم الثالث بدأنا اليوم الثالث بجلسة مناقشة عامة حول “الآفاق الجديدة: نحو إعلام يناسب القرن الحادي والعشرين”، ويناقش الوسائل الجديدة في جمع ونقل الأخبار، ودورها، مع الإعلام التقليدي، في إيجاد وخلق وعي مواطنيٍٍّ ملم بالأخبار والتطورات والحقائق، بما يناسب هذا القرن، ودور الوسائل والقنوات الجديدة في توسيع مساحة حرية الإعلام. وافتتح الجلسة؛ دون شتينبيرغ نائب المدير العام للوكالة الأمركية للتعاون الدولي، وتحدث فيها ديفيد كوبيا من كينيا، وجريجيوري شفيدوف من روسيا، وسامي بن غربية من تونس، وكاترين فيرقلاس من المانيا. وتنوعت تجارب المتحدثين بين استخدام مواقع الانترنت والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي في نقل وتوصيل المعلومات، وتجارب أخرى في استخدام الرسائل النصية القصصية عبر الموبايل لنقل وتوصيل المعلومات. وركز الكيني ديفيد كوبيا على تجربة مؤسسة “شاهيدي” التي يديرها والتي تستخدم الموبايل في جمع المعلومات، ثم تنقل ذلك لموقعها على الانترنت. ثم ، وكالعادة، انقسم الحضور لثلاث جلسات عمل متزامنة، ناقشت الأولى مسألة الوسائط الإعلامية المتعددة كبديل للوسائل النمطية الواحدة، وكيف تستطيع الوسائل التقليدية الاستفادة من هذا المزج والتعدد في تطوير عملها، وشارك فيها متحدثون من البرازيل وأثيوبيا وروسياوالولاياتالمتحدة، وناقشت الثانية الصحافة الاستقصائية وكيفية الاستفادة من الوسائل والفرص التي يتيحها الإعلام الرقمي “ديقيتال” في الوصول للمعلومات، والتحديات التي تواجهها، وتحدث خلالها عدد من رواد الصحافة الاستقصائية في رومانيا ولاتفيا والولاياتالمتحدة. وكانت الجلسة الثالثة حول المبادئ والقواعد المهنية والأخلاقية للعمل الصحفي وما إذا كان يفترض أن تكون ملزمة للمدونين ورواد صحافة المواطن والإعلام الاجتماعي، أم أن من حقهم صياغة أسس وقواعد جديدة، ودار نقاش مكثف شارك فيه متحدثون من هنغاريا ورومانيا وفنزويللا وتايلاند، وكلهم أصحاب تجارب في الإعلام الجديد. إعلان واشنطون في نهاية اليوم خصصت جلسة خاصة حول “إعلان واشنطن حول حرية الصحافة” والذي يعتبر امتدادا لإعلان ويندهوك- ناميبيا عام 2000 والذي صار حجر الزاوية لكل مناقشات ومواثيق حرية الإعلام والصحافة. وأقيم في المساء الاحتفال بتسليم الصحفي الإيراني أحمد زيد آبادي جائزة غيلمو كانو لحرية الصحافة، خاطبته السيدة ديانا سنغور رئيسة لجنة الجائزة، وإيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو، وعدد من ممثلي الجهات الداعمة والراعية للجائزة، بجانب ممثل عن أسرة الصحفي الإيراني السجين، كما استمعنا لكلمة مسجلة لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. إلى نيويورك في العاشرة من مساء الثلاثاء؛ الثالث من مايو كنا نمتطي قطار “آمتراك” الفاخر متجهين إلى نيويورك لمتابعة الجزء الثاني من برنامجنا، كانت الرحلة مريحة وممتعة، بجانب توفر خدمة الانترنت بالقطار، مما أتاح لنا ساعتين كاملتين من الخدمة لم ننعم بمثلها طوال الأيام الثلاثة السابقة؛ بسبب ضيق الوقت والإرهاق. حين أنزلنا متاعنا في فندق هيلتون، اكتشفنا أننا في وسط مانهاتن، وعلى مقربة من ميدان “تايم سكواير” الشهير. لم يكن هناك وقت لنضيعه، وبعد نصف ساعة كنا نخرج من الفندق في جماعات سيرا على الأقدام لنرتاد وسط مانهاتن حتى وقت متأخر من الليل. يقع مبنى الأممالمتحدة على بعد خطوات قليلة من الفندق الذي أقمنا فيه، وهكذا خرجنا صبيحة الأربعاء الرابع من مايو سيرا على الأقدام إلى هناك؛ لنستكمل برنامج الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة. أحبط كثير من زملائنا وهم يشاهدون شكلا مختلفا للمبنى الراسخ في ذهن كل الناس حول العالم، وذلك بسبب عملية إصلاحات وإعادة تأهيل كبرى تجرى فيه، مما جعل له مداخل جانبية، ومباني مؤقتة ملحقة به. كان ذلك اليوم مخصصا لاحتفال اليونسكو باليوم العالمي لحرية الصحافة، بالتعاون مع إدارة الشؤون العامة بالأممالمتحدة وإدارة المنظمات غير الحكومية. خاطب السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون الجلسة، ثم تلته المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا، ثم رئيس الجمعية العامة جوزيف ديسيس ثم رئيس لجنة الإعلام بالمنظمة السيد إدوارد بيلباوز، ورئيس المراسلين بالأممالمتحدة قيامبولو بيولي، وتشارك الجميع في التذكير بأهمية حرية الصحافة والإعلام في عالم اليوم باعتبارها من أساسيات الحكم الرشيد والمدخل للمشاركة الشعبية، وترسيخ قيم الديمقراطية والشفافية والمحاسبية. وتمت الإشارة أكثر من مرة إلى إعلان ويندهوك 1991، الذي يعتبر حجر الأساس في العمل الأممي من أجل ترسيخ قيمة حرية الصحافة والتعبير. ودعت بوكوفا الحكومات للعمل مع الأممالمتحدة لضمان حرية الصحافة والتعبير بلا قيود أو موانع، وإصلاح قوانين الإعلام. وقرأ قيامبولو بيولي أسماء الصحفيين الذين قتلوا أو اعتقلوا منذ يناير 2011. وتحدث شقيق الصحفي الفرنسي ريتشارد كوفين المختطف في افغانستان. وتحدث في جلسة الحوار الأولى السيدة قوين ليستر رئيسة تحرير صحيفة “ذا ناميبيان” في ناميبيا، وعبد الرحيم فقراء مدير مكتب قناة الجزيرة في واشنطون نيابة عن مدير القناة وضاح خنفر، والمدون المصري علاء عبد الفتاح، والصحفية الإيرانية نزيلة فتحي. في جامعة كولومبيا تحتل جامعة كولومبيا موقعا متنميزا في مدينة نيويورك، وتعتبر مدرسة كولومبيا للصحافة واحدة من أعرق وأشهر مدارس الصحافة في الولاياتالمتحدة. وفي إطار أنشطة احتفالات اليوم العالمي لحرية الصحافة اقامت الجامعة بالتعاون مع منظمة “إنديكس أون سنسرشيب” التي تعمل في مجال مراقبة ودعم حرية الصحافة حلقة نقاش حول وثائق ويكيليكس ، تحت عنوان “من كسب حرب المعلومات”، كان من اللافت فيها حضور مارك ستيفنس، محامي جوليان أسانج صاحب موقع “ويكيليكس”، والناطق السابق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ج. كراولي، بجانب الصحفي الأمركي الشهير ريتشارد كوهين كاتب العمود بصحيفة واشنطون بوست، وجون كامبنر رئيس منظمة “إنديكس” والصحفي الروسي أندرية سولداتوف. لم يختلف الحضور على حق الجمهور في أن يعرف، وعلى ضرورة غل يد الدولة عن حجب المعلومات باستمرار بدعوى الحفاظ على الأمن القومي، لكن اختلفوا على الدرجة. قال ستيفنس إن الحكومات تبالغ في درجة وحجم السرية المطلوبة، وتستخدم الأمن القومي كحجة لإخفاء الفساد والفشل والتخبط في القرارات وهذه أشياء من حق الناس أن يعرفوها. ومثل كراولي وجهة النظر الثانية التي قالت ببساطة إن اسانج جعل عمل الدبلوماسية صعبا، وكشف مداولات داخلية فيها بالتأكيد تناقضات وإشاعات واحتمالات لم تصل لمرحلة اتخاذ القرار، بل أكثر من ذلك قال إنه قد عرض حياة بعض الناس للخطر. ووصف كراولي الحكومة الأمريكية بأنها من اكثر الحكومات شفافية مع مواطنيها. ووقف بقية المشاركين بين بين، ولكنهم اكدوا باستمرار على حق الإعلام في الحصول على المعلومات ونشرها، وسخر كوهين من الإدارة الأمركية لأنها قالت: إن هذه الوثائق يستطيع ثلاثة ملايين موظف حكومي الاطلاع عليها داخل النظام، وتساءل: هل هناك أية معايير للسرية في الإدارة الأمريكية؟ ثم انتقل الحضور لنقطة مهمة وهي استقالة كراولي من منصبه بالخارجية الامريكية، ومن المعروف انه انتقد المعاملة التي يتلقاها برادلي ماننج؛ المتهم بتسريب وثائق ويكيليكس، ثم اضطر للاستقالة من منصبه بسبب هذه التصريحات. وقال كراولي إنه لم يخطئ، وكل ما قاله يدخل في إطار القيم والمعايير المطلوبة لتوفير العدالة، مضيفا أنه ليس مع تسريب الوثائق، لكن مع حق المتهم في معاملة عادلة وإنسانية. خريطة حرية الصحافة في العالم توضح خريطة حرية الصحافة في العالم أن 68 دولة باللون الاخضر، وتضم 35% من سكان العالم تنعم بحرية الصحافة. ولا تتضمن القائمة من عالمنا العربي الأفريقي إلا دولتين فقط هما غانا ومالي، ومن كل الشرق الأوسط لا توجد سوى اسرائيل. وتتركز الدول في امريكا الشمالية واوروبا واستراليا، ثم بؤر قليلة في القارات الأخرى. ثم تأتي باللون الأصفر الدول التي تتمتع بحرية صحافة جزئية، وهي 65 دولة تمثل 33% من دول العالم، وتدخل فيها دولتان عربيتان هما لبنان والكويت، وعدد من الدول الأفريقية من بينها كينيا ويوغندا، تنزانيا وبوروندي، ثم دول الجنوب الأفريقي ناميبيا وجنوب افريقيا، بوتسوانا، موزامبيق ومالاوي، ثم دول غرب افريقيا نيجيريا والنيجر، بوركينا فاسو، السنغال، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، سيراليون، غامبيا. وأخيرا تأتي 63 دولة باللون الأزرق تنعدم فيها حرية الصحافة، وتتركز في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وتضم معظم الدول العربية والأفريقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق. فيصل محمد صالح