لكم تمنيت أن يكمل الدكتور رياك مشار مهمته العظيمة في إنقاذ الحوار بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، الذي يعني تجنب الحرب بين الشمال والجنوب، فيعترف بمسؤولية الحركة عن الهجوم الذي وقع على القوات المسلحة، ويحدد طريقة ما للتحقيق والمحاسبة للمخطئين، لو فعل الرجل ذلك لأبطأ مفعول القنبلة الموقوتة التي يغذيها البعض في الشمال والجنوب، والتي تهدد بتفجير الأوضاع على كل الحدود وإشعال نار حرب جديدة لا يعلم أحد متى ستنتهي. من حق الدكتور رياك مشار والرئيس سيلفا كير أن نعترف لهم بالتعامل بحكمة وحنكة في هذا الموقف الملتهب، ودون كثير عناء أو ذكاء أومعلومات خاصة نملكها، فمن المؤكد أنهم قاوموا رغبة البعض؛ الذي كان يريد حربا شاملة في آبيي ومناطق أخرى، ردا على دخول الجيش إلى آبيي. من الأمانة أن نحدد بداية الاستفزاز ومحاولة جر البلاد لحرب أهلية بهجوم قوات الجيش الشعبي على قافلة القوات المسلحة المنسحبة، وما أوقعه الهجوم من خسائر بشرية ومادية وحالة انفعال معنوي. وقد استجابت القيادة السياسية والعسكرية للاستفزاز، وقادت الجيش لاجتياح آبيي، وليس هناك من سبب لنحاول الادعاء بأن هذا الدخول لم يسقط ضحايا ايضا ويسبب خسائر بشرية؛ بجانب حركة النزوح الكبيرة. هناك حالة أمر واقع في آبيي، وهي أنها تحت سيطرة الجيش السوداني؛ بعد انسحاب قوات الجيش الشعبي، وليس من سند قانوني أو في الاتفاقيات لهذا الوضع، ولا معنى لمحاولة البعض الاجتهاد في هذا الأمر والإتيان بتخريجات لا سند لها. وقد تعاملت الحركة الشعبية وحكومة الجنوب بواقعية شديدة مع هذا الأمر، وكان يمكن ان تقول إنها لن تتفاوض حتى يخرج الجيش، وقد تجد سندا من المجتمع الدولي، وبالذات مجلس الأمن. لكنها تعالت على كثير من الأمور الصغيرة، وفهمت الواقع، وتجاوزت عن بعض المواقف العقيمة، وقبلت بالتفاوض في ظل وجود الجيش السوداني في آبيي. ورغم حديثي في بداية هذا العمود عن ما تمنيته بأن تعترف الحركة بخطأ الهجوم على القوات المسلحة، إلا أنها بمواقفها الأخيرة تصرفت عمليا بمنطق تحمل المسؤولية عن الهجوم، بدليل قبولها بالتفاوض في ظل وجود الجيش. هذا موقف إيجابي كبير يجب أن يقابل بمثله، وتعامل واقعي بديلا عن الانفعالات والعواطف المتأججة، يفترض على الجهة المقابلة أن تبعد الموتورين والهائجين عن هذا الملف، وتأتي بقيادات حكيمة وواقعية لتجلس للتفاوض مع الحركة. أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه الحكومة هو أن يصور لها البعض أن الحركة انهزمت، وأن هذا قد يكون مدخلا مناسبا لمزيد من الضغط والتعنت، فتتجه لمحاولة فرض مواقف لا يمكن قبولها، وهناك خطاب إعلامي كريه ومقيت ينعق بمثل هذا المنطق المؤدي للهلاك. لقد لطف الله ببلادنا وجنبها شر الفتنة في آبيي حتى الآن، وعلى العاقلين في الطرفين، وأثق بوجودهم، أن يدفعوا بعملية التفاوض بروح إيجابية، وان يتعاملوا مع القضية بروح وطنية وإنسانية تقدم حقن دماء الطرفين على كل عامل آخر، وتركز على المصالح المشتركة والمواقف المرنة.