ما عاد الحكام يتسلطون على شعوبهم بالشرطة والجيش فقط وانما بالمثقفين والاعلام ايضاً ،فالشرطة والجيش كانا من لوازم عصر الدكتاتوريات الصريحة الذي ولى واصبحت صورته في الاذهان ممجوجة ومكروهة.. وحين استبدلت الديمقراطيات المزيفة بتلك الدكتاتوريات برز دور المثقفين الذين اتقنوا التسويف والتبرير وقاموا بدور «المحلل» الذي يعجز العسكر عن ادائه، وفي مهمتهم تلك فان الاعلام كان وسيلتهم الاولى والمسرح الكبير الذي قدموا عليه عروضهم. هذه كلمات كتبها الاستاذ فهمي هويدي في مجلة «الحوادث» عام 4991م في صدر دراسة طويلة بعنوان «حول علاقات المثقفين بأجهزة الاستخبارات جعل من بين عناوين تلك الدراسة «انفصل الضمير عن الامة وتقدم المثقفون مواكب النفاق». تحدث عن المثقفين الروس والالمان وكيف انهم تبدلوا بين عشية وضحاها وتنكروا للماضي القريب بل هرعت كوكبة من اشهر رجالات الادب والفن والثقافة لتدعو الرئيس «يلسن» في محاولة لتخديره من مغبة مهادنة اصدقاء الامس وتناشده بان يضرب بيد من حديد ودون هوادة او خوف من اتهام بالدكتاتورية. هذه الكلمات وجدتها في قصاصة كنت قد احتفظت بها كعادتي مع بعض الموضوعات التي ارى ان البحث لم يقتلها كما يقال وانما البحث والطرق عليها على الدوام يكسبها حيوية وعمقاً وعمراً يتجدد مع مطلع فجر كل يوم بتجدد متغيرات الحياة ومفهوماتها. الموضوع هو موقف المثقف من السلطة والدليل على حيوية هذا الموضوع هو تجدده عند كل المنعطفات التاريخية.. اذكر ان فيلسوف الوجودية سارتر اصدر كتاباً في مطلع السبعينيات من القرن الماضي اسماه الدفاع عن المثقف المفكر والمثقف التقني ويقول ان المثقف المفكر مكروه من السلطة ومن الجماهير والمثقف التقني لا يحسب له سارتر حسابا ولا يرى له وجوداً الا داخل تخصصه التقني وفي كلا الحالتين يلغي سارتر دور المتعلم والمثقف حيال المجتمع بتقسيمه اللا معقول هذا. فاتني ان اقول ان كتاب سارتر كان عبارة عن محاضرات ثلاث القاها في اليابان عام 5691م ونشرها في مجلة «مواقف سياسية» ثم الحقها بتعقيب بعد احداث مايو 0791م التي فجرها الطلاب في باريس. والملاحظة التي استوقفتني هي ان القضية التي طرحها فيلسوف وجودي في منتصف ستينيات القرن الماضي ما زالت بحرارتها والحاحها في بداية العقد الثاني من الالفية الثالثة وهي ذات المشكل والقضية التي ظللنا نتعامل معها بلا مواقف ولا كثير حديث. عندما نقف عند قصائد المتنبي في بلاط سيف الدولة او كافور الاخشيدي او غيره.. بل نطالع القصائد والهبات والاكايس يوم كان الشاعر هو اعلام السلطان او عندما نقف عند مأساة سقراط او ابن حنبل او الحلاج او جان دارك.. انها مسألة ازلية متجددة معارك الافكار والمواقف مع السلطان. هذا مع تحياتي وشكري