٭ في اطار اعادتي لقراءة بعض الكتب.. وقع اختياري في الشهر الماضي على كتاب كنت قد قرأته قبل اكثر من ثلاثين عاماً، والكتاب هو (الدفاع عن المثقف) للفيلسوف الوجودي جان بول سارتر.. وبالطبع الكتاب في عموميته لا يخرج من الذاتية الضيقة التي تعالج بها الفلسفة الوجودية كل مسائل الحياة.. فالكتاب يقسم المثقفين الى نوعين يقول: ٭ هناك نوعان من المثقفين المثقف المفكر والمثقف التقني ويقول ان المثقف المفكر مكروه من السلطة ومن الجماهير فالجماهير تنظر اليه بحسد والسلطة تخاف منه، والمثقف التقني لا يعتبره مؤلف الكتاب ولا يرى له وجودا إلا داخل تخصصه التقني.. وفي كلا الحالين يلغي دور المتعلم والمثقف حيال المجتمع بتقسيمه اللامعقول هذا. ٭ والمسألة المهمة التي اثارتها اعادة قراءة الكتاب بعد مرور ثلاثين عاماً هى نفس التي ركز عليها مؤلف الكتاب لكن من زاوية تختلف تماماً.. ونسيت ان اقول ان الكتاب عبارة عن محاضرات ثلاث القاها في اليابان عام 5691 ونشرها في مجلة مواقف الباريسية، ثم ألحقها بتعقيب بعد احداث مايو 0791 التي فجرها الطلاب في باريس. ٭ والمسألة التي استوقفتني هى ان القضية التي طرحها فيلسوف وجودي في منتصف الستينيات ما زالت بحرارتها والحالحها في عام 2102.. وهى مشكلة المثقف ووضعه في المجتمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. والمسألة ذات بعد انساني كبير وعلى مستوى جميع أنحاء العالم.. سواء للافكار أو للاطراف المتناقضة والمهتمة بفعالية هذه الافكار وبصفة خاصة في بلدان العالم الثالث او البلدان النامية وحديثة الاستقلال السياسي، او بمعنى آخر مشكلة اعداد كبيرة من المتعلمين في هذه البلدان.. وانا اقول المتعلمين وهنا اختلف مع الكثيرين ومن بينهم مؤلف الكتاب نفسه في ان المتعلم يختلف تماماً عن المثقف.. لنقل ان المشكلة الحقيقية تخص المثقفين ووضعهم في اطار السلطة أو المجتمع. ٭ والسلطة هنا قد لا تعني الدولة بقدر ما تعني اية مؤسسة تحاول ان تتسلط بأفكارها على مجموعة من الناس من خلال طرائق للاقناع خارجة عن شروط الافكار (الطائفية، والحزبية، والعشائرية). ٭ بعد ان وضعت الكتاب جانباً وجدت نفسي في دوامة من التفكير بعد ان تجسدت امامي مساحة العمل الثقافي والسياسي والاجتماعي بكل تكويناتها وبحثت كثيراً عن المثقف أو المتعلم الذي تحدث عنه سارتر.. أى ذلك الذي تخافه السلطة وتحسده الجماهير لأنه يفكر.. وحدقت كثيراً على امل ان اعثر عليه ولكني وجدت نوعين اخرين في العالم العربي على وجه الخصوص.. وجدت متعلمين مثقفين ايجابيين يعملون على زرع الامل وتمكين فاعلية المعرفة على وجه الخصوص بالرغم من وجود المتعلمين الغوغائيين الذين يزينون وجه القهر والتسلط والاعتداء على انسانية الانسان.. ووجدت نوعاً آخر من المتعلمين كفروا بالثقافة والمعرفة ونادوا بالعودة الى الثقافة والمعرفة الانعزالية ذات الابراج العالية. ٭ وطوفت بخاطري في حال ساحتنا الثقافية والاجتماعية، وبحثت عن المتعلم أو المثقف الذي نريد ومازلت احدق وابحث ولما رأيت انها مهمة كادت تفجر في ذهني موضوعات كبيرة رأيت ان ادعوكم للبحث معي.. نبحث عن المثقف الذي نريد. هذا مع تحياتي وشكري