لو أن الثلاثين أو الأربعين ألف جندي من جنود الجيش الشعبي الذين ينتمون إلى منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق قرروا طوعا واختيارا تسليم أسلحتهم للحكومة دون قيد أو شرط أو اتفاقية ترتيبات أمنية أو استيعاب في القوات المسلحة أو في الحياة المدنية، وأصدروا بيانا أعلنوا فيه تنازلهم عن أي حق في الدولة السودانية وانصرف كل منهم إلى التصوف أو الرهبنة مستغفرا ربه عن خطيئة (الكفاح المسلح) ضد الحكومة، ثم عقد السيد مالك عقار والسيد ياسر عرمان مؤتمرا صحفيا أعلنا فيه رسميا حل الحركة الشعبية ثم توجها لدولة أوروبية بعد منحهما حق اللجوء السياسي ووجدا السيد عبد العزيز أدم الحلو في استقبالهما هناك بعد حصوله هو الآخر على ذات الحق، لو سلمنا جدلا تحقق هذا الافتراض الساذج المفرط في عدم الواقعية، فهل يعني تحققه أن السودان بشماله وشرقه وغربه وجنوبه الجديد سوف ينقاد انقياد الدابة الذلول ليس للمؤتمر الوطني بل (للشريحة) الأكثر هوسا وتطرفا وعنصرية وعنفا في هذا الحزب؟ الشريحة التي يكون نافع علي نافع؟! مقارنة بها شاطحا في لبراليته ؟ مثل هذه (الشريحة) التي تنتظم الآن في شن حملة شعواء ضد اتفاق أديس أبابا وتحرض على الحرب الأهلية والفتنة الوطنية الكبرى بدعوتها الصريحة إلى إغلاق باب التفاوض والحلول السياسية وفتح الباب على مصراعيه للحلول العسكرية الباطشة في جنوب كردفان، والحلول الاستئصالية في الحياة السياسية، تلك(الشريحة) بتعصبها وانغلاقها وضيق أفقها الفكري والسياسي إذا حكمت السودان لا شك أنها ستكون أكثر عبقرية في إنتاج الأزمات وفي تأجيج الحروب وفي مراكمة المظالم والغبائن وتعميق الانقسامات والقضاء على اليسير الذي تبقى من التماسك القومي في البلاد ومن ثم سوف تكون النتيجة المنطقية لكل ذلك بروز جيش بل جيوش شعبية جديدة، وحركة بل حركات شعبية جديدة، ومن ثم تستمر طاحونة القتل والدمار والتخريب وعذاب الشعب السوداني، ولن تتوقف هذه الطاحونة اللعينة ما دام السودان رازحا تحت حكم أقلية مستبدة باطشة فاسدة تستأثر بثروات البلاد تفرق بين الشعب على أسس عرقية ودينية وآيدولوجية لتعويق توحده ضد سلطتها الظالمة، ولكنها تعدل بين غالبيته في الإفقار والاستغلال والقمع السياسي، ما دامت هذه الأوضاع الشائهة لم تصحح وفق مشروع وطني يحسم أساس الشرعية السياسية في البلاد، ويفضي إلى تكوين دولة سودانية على أساس تعاقد سياسي واجتماعي يرضى عنه السودانيون بمختلف انتماءاتهم سيظل شبح الحرب قائما، لأن وجود من يشعرون بالظلم والاضطهاد في وطنهم لا بد أن يؤدي إلى حمل السلاح، شبح الحرب الأهلية لن يطرده نزع السلاح من هذه الحركة أو تلك كما تعتقد(الشريحة) بل الذي يطرده هو نزع(الشريحة) أو على الأقل إبطال مفعولها!!