في تاريخ بلاد كثيرة يوجد من الصحفيين من يمكن تسميته “صحفي ضد الحكومة”، ويطلق اللقب على كل صحفي يسخر كل طاقته وقدرته المهنية والعملية لمعارضة حكومة معينة وملاحقتها ومتابعة سياساتها وتصرفاتها بالنقد . لكن في بلادنا لقب جديد يستحق أن يطلق على حكومتنا، وهو “حكومة ضد صحفي”، فمنذ أيام تسخر الحكومة كل أجهزتها وامكانياتها وسلطتها وجبروتها ضد صحفي واحد، تطارده وتلاحقه وتستخدم سلطاتها، بحق وبدون حق، حتى لا يرى هذا الصحفي النور ولا يجتمع بأسرته، رغم أنه قضى عقوبته القانونية واستنفد مدتها كما هي مقررة بالقانون. الصحفي هو زميلنا أبوذر علي الأمين، نائب رئيس تحرير جريدة “رأي الشعب” والكاتب الصحفي بجريدة “أجراس الحرية”، والذي تمت محاكمته قبل حوالي عامين امام نفس المحكمة التي تحاكم عددا من الصحفيين هذه الأيام. وقد حوكم أبو ذر بسبب مقال واحد كتبه اعتبرته نيابة أمن الدولة العليا، ومن ثم المحكمة الموقرة، جريمة تنطبق عليها مواد من قانون الصحافة والقانون الجنائي، وذهب مع رفاقه، أشرف عبد العزيز والطاهر ابو جوهرة، إلى سجن كوبر لقضاء مدة عقوبتهم، ثم خرج الطاهر وأشرف إلى فضاء الحرية قبل مدة. في الثالث من يوليو الحالي انتهت فترة عقوبة ابو ذر، وتهيأت أسرته لاستقباله، لكنها فوجئت باخطار من إدارة سجن كوبر يفيد بأنها ستقوم بتسليم أبو ذر لنيابة أمن الدولة لأنه مطلوب على ذمة بلاغات سابقة، بعضها متعلق بمقالات كتبها، بالتأكيد قبل سجنه ومحاكمته، وبعضها الآخر اتهام من أحد ضباط الأمن بان أبوذر اعتدى عليه اثناء اعتقاله بمباني جهاز الأمن…! ودعني أمد القارئ بجزء من إفادة أسرته عن ما حدث بعد ذلك، وهي منشورة بالمواقع الاليكترونية: “قامت نيابة أمن الدولة بإيداع ابوذر الحراسة رهن الحجز لأجل غير مسمى. وقال نائب رئيس نيابة أمن الدولة لأحد محامي هيئة الدفاع أن أبوذر يواجه تهماً أخرى وأنهم سوف يقومون بتحويل البلاغات إلى المحكمة وأن التحري قد تمت مباشرته سابقاً والانتهاء منه. والذي يثير التعجب والحيرة في آن واحد، أن المحامين لا يعرفون بأمر التحري الذي تم سابقاً في البلاغات، كما أنهم لا يعرفون أيضاً، متى وأين وكيف ومن هو الذي باشر التحري مع أبوذر؟ وما هو المقال الذي بناء عليه قام جهاز الأمن بفتح البلاغ؟ وما هي المواد التي تم توجيهها ضده في هذه البلاغات إذ أننا لم نعلم بها سوى من إدارة سجن كوبر والتي أخطرت بها أبوذر الأسبوع الفائت!.” انتهت الإفادة. تحدثت نهار أمس مع أحد أفراد أسرته، وكان الحال كما هو، أبو ذر محتجز بمقر النيابة، وأسرته تتحرك بين المكاتب لتعرف طبيعة التهمة والتحري الذي تم، ومتى سيتم تحويله للمحاكمة. أبوذر علي الأمين وأسرته بين يدي الدولة وأجهزتها، تتقاذفه وتتقاذف معه أسرته وكأنهم لعبة تتسلى بها، يتسلمه جهاز ليسلمه جهاز آخر. أبو ذر علي الأمين مواطن سوداني، يملك في هذه الدنيا كرامته ومواقفه ومبادئه وقلمه، ولا يملك شيئا آخر، تقف الدولة كاملة بكل عتادها وامكانياتها وأجهزتها وسلطاتها في مواجهته، تتشفى وتستمتع بتعذيبه وتعذيب أسرته وزملائه بهذه الأجراءات. كان في قبضة الدولة وداخل سجونها لعامين، لم تستدعيه ولم تحقق معه، ولكن ما أن حانت لحظة تنسمه عبير الحرية حتى تذكرت الدولة ملفاتها القديمة. ما أبأس الدولة وما أتعس مواطنيها حين تتحول لكائن مشوه مجرد من قيم العدالة والحق والإنسانية