تفاصيل اعتقالي …… خالد عويس ……. الجمعة، 8 يوليو 2011، في حدود الساعة الخامسة والنصف مساءً اعترضت سيارة من نوع (كليك) زرقاء اللون طريق سيارتي وترجل منها رجلان في الثلاثينيات من عمرهما، توجه أحدهما إلى شابين من (الشباب الذين لا يحصلون على رعاية أسرية) كانا برفقتي في طريقهما إلى سوق أم درمان، وأجبرهما على الترجل من السيارة وهو يقوم بركلهما وضربهما، في ما توجه الآخر مسرعاً إلىّ وأوقف ماكينة سيارتي وسحب مفتاحها بغلظة وسحبني من السيارة. سألته من يكونان، فردّ بأنهما من (جهاز الأمن والمخابرات الوطني)، فطالبته بإبراز هويته وكنا قد وصلنا لسيارتهما، فرد على الاثنان بالرفض. وضع الاثنان الشابين في المقعد الخلفي وطلبا مني الركوب في المقعد الأمامي حيث قاد أحدهما السيارة بسرعة فيما انتزع الآخر جهاز هاتفي النقّال وجلس إلى جواري. وفي الطريق عصب عينيّ وأجبرني على وضع رأسي على ركبتي لكي لا أتمكن من معرفة الاتجاه الذي تذهب إليه السيارة. عموماً عرفتُ من مكالمة أجراها السائق أننا في طريقنا إلى (بيت المال) في أم درمان، وكان يقود السيارة بسرعة جنونية. وصلنا إلى مكانٍ غير معلوم بالنسبة لي، فترجلنا جميعاً من السيارة، وكان في انتظارنا نحو أربعة أشخاص فصلوا بيني وبين المعتقلين الآخرين (بكري ودينق) حسب ما عرفت اسميهما من المواقع الإلكترونية فيما بعد. بداية القصة تعود إلى مشاركتي في عزاء رمزي أقامه عدد من الناشطين والناشطات في بيت القيادي البارز في حزب الأمة القومي المعارض، السيد عبدالرحمن عبدالله نقدالله في ودنوباوي في أم درمان. العزاء كان لأجل العشرات من أطفال وشباب من الذين لا يحصلون على رعاية أسرية ولقوا حتفهم في ظروف غامضة. بكري ودينق مع 6 آخرين من الأطفال والشباب الذين لا يحصلون على رعاية أسرية أتوا للمشاركة في العزاء، وحين انتهى العزاء، كنت بصدد العودة إلى منزلي في الخرطوم بحري، وسألت الحضور إذا كان أحدهم يرغب في الذهاب معي إلى الخرطوم بحري أو أي مكان آخر في طريقي، وذهب معي هذان الشابان بقصد أن يترجلا في محطة (الشهداء) قرب سوق أم درمان، وكانت أسرة السيد نقدالله قد عرضت عليهم البقاء لتناول العشاء والمبيت في المنزل لكنهم فضلوا الذهاب. في مكاتب جهاز الأمن، أُدخلت إلى مكتبٍ به شخص واحد يجلس خلف مكتب، فيما آخرون يأتون ويذهبون. طلبت أن أتحدث إلى أسرتي وأبلغها بأنني معتقل فرفضوا. سألني أحدهم عن اسمي ومهنتي، فأجبته بأنني خالد إبراهيم عويس، ومهنتي صحافي، فقال لي: وهل هذا شكل صحافي؟ فأجبته: نعم، أنا صحافي وكاتب وإعلامي. فقال لي: لا تجادل، أنت قليل أدب. فقلت له لست قليل أدب، أنا صحافي معروف وعملت وأعمل في أجهزة إعلامية عالمية ومعروفة. أخرجوني بعد ذلك إلى خارج المكتب حيث بقيت واقفاً لنحو ساعتين إلى ساعتين ونصف قبل أن يأذنوا لي بأداء صلاة المغرب. بعد الصلاة بنحو نصف ساعة جاء أحدهم واصطحبني إلى مكتب به شخصان أحدهما يرتدي جلباباً..وأعتقد أن كليهما ضابط بجهاز الأمن. محور التحقيق كان عن علاقتي ب(المشردين) كما وصفوا الأطفال والشباب الذين لا يحصلون على رعاية أسرية، وعن علاقتي بحزب الأمة، ومسقط رأسي، وتخلل التحقيق تهديدات بالتنكيل والتعذيب وتخللته إساءات وشتائم، ثم سمحا لي بالجلوس وشرب الماء. ثم أُخذت إلى مكتبٍ آخر به طاولة يجلس خلفها اثنان أخذا يستجوباني بشكلٍ رسمي وأحدهما يكتب على أوراق موضوعة على الطاولة. أحدهما قال إنه كان في العزاء وشاهد كل شيء، وعلىّ أن أجيب على كل الأسئلة بصدق. كانت الأسئلة تتعلق بالمتحدثين في العزاء، ومشاركة (المشردين)، ورغبة بعض الأطراف في تسييس القضية برمتها، وقالا إن الشابين (بكري ودينق) اللذين كانا معي في السيارة يتهماني باستدراجهما بهدف توظيفهما في عمل سياسي معارض في مقابل مادي وانتحال شخصية مدير مباحث، وسألا أيضاً عن علاقتي بهذين الشابين فأجبت بأنني رأيتهما في العزاء فقط، وأبديا الرغبة في أن أوصلهما إلى محطة الشهداء. قالا إنني ربما أكون وراء تسميم (المشردين) وكالا اتهامات أخرى من هذا النوع، وأشارا أيضاً إلى أنني أقود تياراً داخل حزب الأمة القومي يعارض أي حوار مع المؤتمر الوطني الحاكم. سألا كذلك عن سر اهتمامنا بهؤلاء الأطفال والشباب، وسألا أيضاً عن (قبيلتي) !!! بعد هذا التحقيق اصطحبني شخصان في سيارة نصف نقل إلى خارج المبنى، وألمح أحدهما إلى إمكانية قتلي ورمي جثتي في الخيران المحيطة بالمنطقة. أخذني هذان الشخصان إلى قسم شرطة سوق أم درمان حيث وجدت مجموعة أيضاً من أفراد جهاز الأمن على ما يبدو وبرفقتهم (بكري ودينق) وعلمت من ضابط الشرطة هناك – برتبة ملازم – أن هناك بلاغين مفتوحان في مواجهتي، الأول باستدراج هذين الشابين، والثاني بانتحال شخصية موظف في الدولة، مدير مباحث !! أخذ رجال الشرطة كل أغراضي الشخصية وأودعوني السجن. بقيت في السجن نحو ساعة ونصف إلى ساعتين قبل أن يستدعيني ضابط الشرطة للتحقيق حول الاتهامات الموجهة ضدي. وبعد اكتمال التحقيق الذي أكدت من خلاله إنني لم أستدرج أحداً، ولم أنتحل شخصية أحد، سمح لي بمهاتفة أسرتي. بعد ذلك أُفرج عني بالضمانة في حدود الثانية فجراً.