وثيقة الدوحة لسلام دارفور التى جرى التوقيع عليها فى احتفائية مهرجانية بالعاصمة القطرية الدوحة يوم الخميس الماضى بين المؤتمر الوطنى ومجموعة التحرير والعدالة بقيادة الدكتور تجانى سيسى، حظيت ببعض التعليقات من المهتميين بالشان السودانى والدارفورى خاصة, اغلبها ذهبت فى اتجاه بان الاتفاقية عباره عن اتفاقية الذات اى ان المؤتمر الوطنى كان على مدار الثلاثيين شهرا يحاور نفسه، بالتالى المحصلة النهائية لاتخرج من سياق ما كان يريده المؤتمر الوطنى. اخرين ذهبوا كثر من ذلك وقالوا ان المؤتمر الوطنى كان يحاور مع اجنحته بالتالى قضية دارفور لم تكن محل النقاش فى الاصل. ربما يقول قائل بان هذا راى المناوئين للاتفاقية وان للذين انحازو لها رائ اخر، الامر الذى جعلنا نسال من اين خرجت وثيقة الدوحة لسلام دارفور؟ الاجابة على هذا السوال تستدعى مراجعة المراحل التاريخية للاتفاقية اى متابعة سيرة الاتفاقية على ضوء ما تثبته الوثائق . فى السابعة والعشرين من ينابر 2010 اخرجت الوساطة المشتركة لمفاوضات الدوحة وثيقة/ مسودة اتفاق لسلام دارفور، كانت ابرز النقاط التى وردت فى تلك الوثيقة هى، اقترحت تخصيص منصب نائب رئيس جمهورية السودان من دارفور، مساعد الرئيس، سلطة انتقالية لدارفور لتقوم بمهام الاشراف ومتابعة تنفيذ الاتفاقية، استحداث ما يعرف بالوزارات المحلية( مفوضيات وفق اتفاقية ابوجا)، هذا بجانب تخصيص بعض الاموال للتعويضات وانشاء صناديق لتنمية دارفور. التحرير والعدالة بقيادة سيسى امنت على تلك الوثيقة مع ابداء بعض الملاحظات وردت فى وثيقة سرية ممهورة باسم التجانى سيسى قدمت الى الوساطة باعتيارها تمثل رؤية الحركة فى مسودة الاتفاق . كانت ابرز النقاط فى تلك الوثيقة كالاتى: اولا تقترح الحركة( التحرير والعدالة) اعادة سياقة الفقرة التى تشير الى ( تعيين نائب الرئيس من الدارفوريين) لتقرا كالاتى ترشح حركة التحرير والعدالة من يتولى نائب الرئيس ويكون فى ذات الوقت رئيس للسلطة الانتقالية، فى حالة خلو المنصب ترشح ثانيا التحرير والعدالة من يتولى ذلك المنصب. ثالثا، نائب الرئيس اى ممثل التحرير والعدالة يجب ان يكون عضو فى المجلس القومى للتخطيط الاستراتجى، اخيرا اعادة اقليم دارفور بحدودة المعروفة وكذلك انشاء مجلس تشريعى على مستوى الاقليم ليقوم بمهام التشريع والرقابة على اعمال السلطة الانتقالية. الوساطة القطرية حولت ورقة الدكتور سيسى الى امين حسن عمر كبير مفاوضى المؤتمر الوطنى، وبناءا عليها، رد امين حسن عمر فى وثيقة سرية سلمت الى الوساطة بتاريخ الرابع من يناير من السنة الجارية. كانت ردود امين حسن عمر على ورقة سيسى كالاتى: اولا الحكومة ترفض من حيث المبدا تخصيص منصب نائب الرئيس لاى اقليم بما فيها دارفور، لكن رئيس الجمهورية يمكن ان يعيين نواب له بعد خلو منصب النائب الاولى بعد التاسع من يوليو ولا مانع ان يكون من الدارفوريين. ثانيا، يجب الفصل بين منصب نائب الرئيس ورئيس السلطة الانتقالية.ثالثا، الحكومة ترفض منح سلطات تشريعية للسطلة الانتقالية باعتبار ان هناك مجالس تشريعية منتخبة فى دارفور. رابعا، الاشارة الى حركة التحرير والعدالة داخل الوثيقة غير مطلوبة، وبدلا من ذلك يمكن الاشارة اليها فى البروتكول الاضافى، باعتبار ان الوثيقة خاصة بالوساطة، وعلى الحركات او الدارفوريين الراغبيين فى السلام ان يوقعوا على البروتكولات الاضافية مع الحكومة والتى من خلالها يتم النظر فى حصصهم فى المشاركة السياسية والترتيبات الامنية. بعد اكثر من ستة اشهر جاءت الوثيقة النهائية لسلام دارفور التى جرى التوقيع عليها مطابقا تماما لوجهة نظر امين حسن عمر، الذى حرم منصب نائب رئيس الجمهورية لسيسى او اى دارفورى اخر، الوثيقة لم تشير الى التحرير والعدالة بل تم الاشارة اليها فى البووتكول الاضافى الذى يعكف الان الدكتور سيسى على التفاوض حول ماهية تفاصيل بروتكولها السياسى والامنى اى تسميت وظائفهم فى الحكومة، وهنا النظام سوف يمارس اقصى درجات الابتزاز على سيسى ورفاقه حتى يضمن ولاءهم الكامل للمؤتمر الوطنى لكى يتم استغلالهم فى استراتجية السلام من الداخل التى يسعى النظام من خلالها الى تحويل الاموال القطرية لضرب النسيج الاجتماعى فى دارفور, تقوية العتاد والمجهود الحربى ,خلق صراعات قبلية بين الموقعيين الجدد والقدامى و تفكيك معسكرات النازحين بواسطة الموقعين الجدد. والوثيقة ايضا خلت من موضوع الاقليم والواحد الذى تنازلت عنها جماعة التحرير والعدالة طوعا ربما كان طمعا فى منصب نائب الرئيس. ان الوثيقة فى مجملها هى رؤية الحكومة بالتالى مقولة ان الحكومة حاورت ووقعت السلام مع ذاتها تجد الاسناد والدليل. ان لنظام المؤتمر الوطنى سجل حافل فى توقيع اتفاقيات مع ذاته شبيهة لما وقعتة فى الدوحة مع مجموعات من دارفور بقيادة سيسى، وهى سياسة قديمة ابتدرها النظام منذ مجيئه الى السلطة فى السودان. ففى مطلع التسعينات استخدمت هذه السياسة مع الجنوبيين لكسر شوكت الحركة الشعبية بقيادة الراحل قرنق، ومن خلالها تم بيع ذمم كثيرين من ضعاف النفوس او المحبطين من انتصار الثورة فى الجنوب بما عرف بالسلام من الداخل والذى استطاع النظام من خلاله الى جلب عدد من الجنوبين الى القصر الجمهورى فى وظائف هامشية، ولكن كل تلك التكتيكات لم تكسر ولن تلين من ارادة الجنوبيين فى تحرير ذاتهم وفى النهائية المؤتمر الوطنى هو كان الخاسر الاكبر من تلك السياسة باعتباره قسم السودان الى دولتين وهى هزيمة سياسية كبيرة للنظام. ان الثورة السودانية فى دارفور لم ولن تتاثر بتوقيع وثيقة الدوحة، كما قال الاستاذ عبد الواحد النور رئيس حركة تحرير السودان “انها ولدت ميتا وبالتالى وجبت تشييع جنازتها فى الدوحة بمعنى ان الاتفاقية سوف لن تصل دارفور”. ان حركة تحرير السودان بطرحها لرؤيتها الجديد القائمة على اساس توحيد كل القوى السودانية السياسية والعسكرية المؤمنة بتغيير نظام المؤتمر الوطنى واقامة نظام علمانى ديمقراطى، وضعت الاساس والرؤية الصحيحة لتغيير واعادة سياقة الدولة السودانية من جديد. ان الطرح الجديد للحركة الهمت كل القوى السياسية والعسكرية الفاعلة فى السودان لكى تجلس مع بعض وتتحاور لايجاد مخرج سليم لازمة الحكم والسياسة فى السودان وهى دليل عافية وبارقة امل جديدة لتغيير و ازالة نظام المؤتمر الوطنى ومن اجل ايقاف مسلسل اتفاقيات الذل والهوان. [email protected] كمبالا-يوغندا