هو مشهد سنتذكره طويلا ولن ينساه العالم العربى، حكاما ومواطنين. رئيس سابق استبد بالسلطة وعمل على توريثها لنجله وانتهك حقوق مواطنيه وشاع الفساد فى عهده يحاكمه شعبه بعد ثورة عظيمة وبإرادة وطنية خالصة أمام القاضى الطبيعى ومع ضمانات للمحاكمة العادلة وعلانية كاملة. وبجانب الرئيس السابق نجلاه وأعوانه وهم أيضا فى موقع اتهام بقتل المصريين أو التورط فى قتلهم، وفى مواجهته أسر شهداء ومصابو الثورة المصرية ومجموعة المحامين الممثلين لهم كمدعين بالحق المدنى، كل هذا أمام هيئة قضائية تعمل بنزاهة وشفافية وانضباط إجرائى ولا تصادر على دفوع محامى المتهمين أو محامى المدعين بالحق المدنى. لا شك لدى فى أن العدد الأكبر من المصريين يشعر بفخر لانتصار الإرادة الشعبية وسيادة القانون وهم يتابعون مشهد محاكمة مبارك. لا شك لدى فى أن مخاوف البعض، من أن تباطؤ فى الإجراءات القضائية لا ينتهى ويحول دون محاكمة مبارك أو من ضغوط خارجية يتعرض لها القرار الوطنى المصرى ويراد منها منع المحاكمة، قد توارت ما أن بدأت الجلسة الأولى للمحاكمة. أما خارج مصر، يتابع العالم العربى المشهد بمشاعر متناقضة على الأرجح. رئيس فى سوريا، يقتل جيشه وجهازه الأمنى مواطنيه ويرتكب جرائم ضد الإنسانية فى مواجهة ثورة شعبية، ترى هل يشعر بشىء من الخوف أو القلق؟ هل يعيد حساباته بشأن تعامله الإجرامى البشع مع شعبه، خوفا من مصير مشابه لمصير مبارك؟ هل تعيد قيادات الجيش، وهو أبعد ما يكون عن أن يوصف بالوطنى، والجهاز الأمنى دراسة موقفها من الأسد وهى ترى قيادات أمنية سابقة فى مصر فى قفص الاتهام؟ ذات المشاعر والهواجس حاضرة أيضا على الأغلب فى ليبيا واليمن، وحكام الإجرام هناك يقتلون ويعذبون شعوبهم. هل يبحث الأسد والقذافى وصالح عن حلول توافقية أو خروج آمن كى يتجنبوا مصير مبارك؟ وفى نظم الاستبداد العربى الأخرى، ملكية وجمهورية، يتابع الحكام المشهد باحثين عن سبل لتفادى مصير مبارك المشئوم. فغياب الحرية والعدالة الاجتماعية وعدم احترام الكرامة الإنسانية يجمع المغرب العربى بالخليج بالسودان، والخوف من ثورات شعبية ومطالبة جماهيرية بالديمقراطية يسيطر على حكام العرب وأعوانهم ومستشاريهم. هل سيدفع مشهد محاكمة مبارك هؤلاء الحكام إلى إدخال إصلاحات حقيقية واحترام الحريات وحقوق الإنسان؟ وعلى امتداد العالم العربى، وكما فى مصر التى لنا أن نزهو بتحضر ثورتها، لن نرى إلا مواطنين يشعرون بارتياح لمشهد محاكمة عادلة لرئيس سابق استبد وظلم، وآخرين سيستحضرون الثورة المصرية لمواصلة ثوراتهم وانتفاضاتهم أملا فى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. يوم عظيم لمصر وشعبها وقضائها. نقلاً عن الشروق