في إحدى حلقات برنامجه في منتصف يوليو 2011، قدم الأستاذ حسين خوجلي حلقة عن الفنان الراحل رمضان حسن ، إستضاف فيها إثنين من أساتذة الموسيقى ، فقدم الثلاثة تحليلا فنيا علميا لمساهمة الفنان رمضان حسن الرائعة ، وقد لفت نظري حقيقة ذكرها الأستاذ حسين ،وهي أن الفنان رمضان حسن كان من قبيلة الزاندي ، أما وأبا … القبيلة المعروفة في جنوب السودان والغنية بالتراث الموسيقي ، والتي شكلت للمبدع رمضان حسن أساسا قويا لأعمله الغنائية والموسيقية . وتذذكرت طفولتنا ، عندما كنا نستمع للراديو الكبير القديم ، فكانت تطربنا أغاني هذا المبدع ونحن في مدينة من مدن شمال السودان ، ولم نكن نعرف أهو من شمال السودان أم من جنوبه ، ولم نكن نعبأ ، بأصله ، طالما هو يتغنى بأحلامنا في ألحان هي من نسيج تكويننا الثقافي الذي ألفناه. ((الجمال والحب في بلادي … الحضارة … وإزدهارها … في المدارس والنوادي )) إذن فقد كنت أيها الفنان العظيم تتغنى بجمال السودان وحضارته … شماله وجنوبه وشرقه وغربه … ولم تخصص منطقتك ولم تنغلق عليها … ولم تخص الجنوب بشيء ضنيت به على الشمال … ((العلوم العالية … الفنون الراقية … جمالها بادي … قوة الأفكار والأيادي …الأنجزت آمال … وخلدت تذكار … في جميع الوادي )) … ها أنت تتغني بالتذكار الخالد الذي عم جميع الوادي … وبالطبع ليس هذا التذكار تذكار حرب أو نفور من قبيلة أو كراهية عرق لعرق وإنا هو تذكار محبة … وينصهر الفنان رمضان حسن ، إبن الجنوب ، في بلده الواسع ، فيستقر في ود مدني وتمدد في العاصمة ، متنوعة الأعراق والثقافات ، وينتشر في أرجاء السودان الجميل التنوع بين ربوع جمعت بينها مودة ورحمة ،في تواصل عسير على الإنقطاع ، في زمن تبرع فيه بولس القبطي بديوان منزله في أمدرمان ليكون خلوة لتدريس القرآن ، ويتكفل بعلوق حمار الشيخ معلم القرآن … ويلتقي رمضان في أمدرمان بشعراء العربية ، من قبائل شتى ، ويستقبله مدير الإذاعة ، متولي عيد الشمالي ويجيز أغانيه العذبة فينافس زملائه من كافة ربوع السودان تنافسا شريفا … ((في بلادي مراتع الطبيعة … كاسيها السحر الحلال … في الشرق المينا العظيمة … بيها الدهر يبسم دلال … والغرب الحبست مداخلو … الهيبة الكست التلال)) … نعم ، فنان السودان رمضان حسن ، ففي أحلامك المشروعة كان الجنوب والشمال يتنافسان تنافسا شريفا دون إحتراب ودون عداوة … فقد كنت أيها الفنان العظيم تتغنى بالود وبالحب وبالمشاعر الإنسانية ، ولم يسمع عنك أنك غنيت للحرب … عشت في زمان كان فيه الإستقلال حديثا ، ولاشك أنك شهدت ذلك المشهد المهيب ، حين تم رفع علم السودان ، وسط الحشود الغفيرة ، ولم يكن أحد يظن أن الجنوب سيكون هدفا للمدفعية الجهادية التي سوف تودي به للإنفصال ، فيصبح الجنوبي بين يوم وليلة ، أجنبيا . التحية لك وأنت في دار لاتفرق بين الشمالي والجنوبي ، إلا بالتقوى… آسف جدا سيدي الفنان العظيم ، أن أكون مواطنا سودانيا في زمن يدعو فيه بعضنا للإنفصال الجنوب عن الشمال فلا يكون (( وجنوبه ينافس الشمال )) بل (( وجنوبه وشماله في عداء )) بالرغم من إلإتفاقية السلام التي وقعها سياسيون منا ، فشلوا في أن يحققوا حلمك المشروع في السلام والوطن الواحد …م درمان بالشعراء سيدي المبدع ، رمضان حسن وأنت في سبحاتك العليا ، لابد أنك غاضب علينا ونحن في وطن رضى أن يتمزق وأن يبدأ الإنفصال بين جنوبه وشماله ، وبرضى الحكومتين !!! لابد أنك غاضب علينا وفينا من رفع الأعلام ونحر الذبائح إبتهاجا بالإنفصال!!! لابد أنك غاضب علينا وفينا من يعبث بحلمك الجميل في ضم ربوع السودان المختلفة الأعراق والثقافات إلى بعضها البعض لتصنع لوحة نسيجها متماسكا متآلفة ألوانها تثري بعضها البعض في تجانس لتشكل إنسانا سودانيا خصب الخيال متنوع الأشكال والألوان … عفوا ، رمضان حسن ، فقد رحلت بعيدا في زمن كان من الممكن أن لايتم هذا الإنفصال البغيض … عفوا ، رمضان حسن ، فلو كنت موجودا معنا في هذا العام ، لصدر قرار بفصلك من وظيفتك لو كنت موظفا ، ولطلبت منك سلطات حكومة الشمال أن تذهب إلى الجنوب ، مرغما ، وأنت فنان القوم ، ولفقدت أحب الأماكن إليك وفقدت عازفي الأوتار والإيقاع من أحبابك الذين يصنعون معك ألحان السودان الجديد … وقد إمتزحت روحك بكل ألوان السودانيين . عفوا ، رمضان حسن … ستظل ألحانك حلما جميلا مات بين أوتار العود وإيقاع الزمن الرديء.