في مصر، “ركن” الإسلاميون شباب التحرير والليبراليين على جنب في “مليونية وحدة الصف”، وسيطروا على الميدان بسهولة، وتحقق الوعد السلفي بتنظيم مظاهرة من مليون لحية جمعت “الإخوان” والسلفيين و”الجماعة الإسلامية” تحت شمس واحدة، وذلك بعد أن انسحب منها ائتلاف شباب الثورة احتجاجًا على عدم التزام الإسلاميين بالاتفاق على توحيد المطالب والهتافات، بل رفع المصاحف واللافتات التي تدعو لإقامة الدولة الدينية ورفض الدولة المدنية والدعوة إلى الاحتكام إلى الشريعة. وفي تونس، باتت البلاد الخضراء على مسافة أمتار من الدخول في دائرة الفوضى والمجهول بعد أن دخل “حزب النهضة” الإسلامي على خط الثورة وبدأ يشن ثورته المضادة. وفي سوريا، ومع دخول الثورة شهرها الخامس، وإصرار النظام على استعمال القوة لإنهاء الثورة التي لا تزال سلمية، فإنه ستحين الساعة التي يتوقف فيها الناس عن تقديم أنفسهم قرابين للثورة، وسيلجؤون إلى السلاح، ومن أقدر على حمل السلاح من الجماعات الدينية المتطرفة التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان ولا بالدولة المدنية؟ وقد اتخذ مجموعة من الكتّاب هذه المؤشرات ليبرهنوا على أن تحذيراتهم من الثورات لم تكن مبالغًا فيها، وأن ما كانوا يقولونه عن الربيع العربي صحيح، وهو أن هذا الربيع الديمقراطي الذي يهلل له البسطاء والسُذج والحالمون، سيعقبه الصيف الديني الحار الذي ستحترق فيه أوراق المواطنة والتسامح وقبول الرأي الآخر، وستتحول هذه الدول إلى دول دينية يترحم فيها الناس على أيام زمان. وقال أحد هؤلاء الكتّاب إن مصر على وشك التحوّل إلى “مصرستان”، وقال آخر إن الأوضاع المنفلتة في مصر وتونس وغياب الاستقرار والأمن والتدهور الاقتصادي جعلت المظاهرات تخرج وهي ترفع صور مبارك وابن علي، ويتمنى الناس عودة كل شيء إلى ما كان عليه بكل مساوئه. كما لا يتوقف هؤلاء عن لوم الثوار و”اكتشاف” أخطائهم. وهناك أمران ينبغي توضيحهما، وهو أن كل ما يحصل ما هو إلا نتيجة سياسات تلك الأنظمة، فلو كانت أنظمة تراعي أبسط حقوق الناس لما خرجت عليها الملايين بصدور عارية، ولو كان أحد يستحق اللوم، فإن تلك الأنظمة هي الملامة من الألف إلى الياء، فلا يمكن أن تلوم المصفوع حين يرد الصفعة، خصوصًا إذا كان هؤلاء المصفوعون بالملايين، ولم تكن لهم قيادات تستطيع التحكّم فيهم وضبطهم. كما أن الجماعات الدينية التي أخذت تشمّر عن سواعد السياسة، ما كانت لتكبر وتتورّم في مجتمعاتها لولا سياسات تلك الأنظمة، وهي التي تسبّبت في منع ظهور الجماعات التي تؤمن بالحقوق المدنية، وابتعد الشباب عن الواقع على الأرض الذي لا يُسمح فيه للحديث إلا لمن تجاوز الخمسين والستين، وصارت لهم كلمتهم المسموعة في الإنترنت، وتُركت جماعات التشدد الديني لتعمل في الخفاء ومن تحت السطح، وتصبح أكثر تنظيمًا. أما الأمر الثاني فهو أنه، وعلى افتراض أن هذه الجماعات هي التي ستقطف ثمار الثورة، فإن هذا الأمر على مساوئه، فإنه لا يخلو من إيجابيات، على المدى الطويل بالذات، لأن البشر لا يتعلمون مجانًا، ولا يعتبرون بغيرهم مهما رأوا وسمعوا وقيل لهم، حتى ولو كان القائل شخصية مثل حسن الترابي، شيخ شيوخ الإسلام السياسي، الذي رأى أن الإسلاميين غير مؤهلين لإدارة بلدانهم. وأي شعب لم يجرب الحكم الديني فإنه سيظل يحلم باليوم الذي يلبس فيه رئيسه العمامة والجلباب ويكون خليفة المسلمين الجديد، فما المانع لو جرّبوهم؟ وقد تطول مدة التجربة عقدا أو عقدين، وفي النهاية سيكتشفون أن الجماعات الدينية مكانها في المساجد وليس في قصور الرئاسة ومجالس الشعب، ومن ثم فإنهم سينطلقون نحو الدولة المدنية باقتناع وبعد تجربة مريرة.