سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    السعودية أكثر الدول حرصا على استقرار السودان    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام بين دولة عمر ودولة عمر .. إشكالية النموذج الإسلامى فى ظل تزوير التاريخ
نشر في حريات يوم 21 - 08 - 2011


[email protected]
تتملكنى القناعة أن تقييم منهج البحث والتحليل عند قراءة ما يكتب (أو الإستماع إلى ما يقال) أكثر أهمية من القفزمباشرة إلى تلقف الخلاصات والنتائج أو الجرى خلف الشعارات المرفوعة لأن هذا هو ما يجب إستصحابه قبل تقييم أى إنتاج فكرى أوالحكم عليه. لا يخفى على شخص ما يحتله الجدل الدينى فى حياتنا اليوم حتى صرت أعتقد بأنه لم يبلغ هذا المستوى فى تاريخ المسلمين هذا إذا ما استصحبنا مشاركة غيرالمسلمين فى هذا الجدل على كل المستويات حتى على المستوى العسكرى وإمتداد هذه المشاركة بالتالى لتشمل الأقليات الإسلامية ولعل هذا هو ما دفع فرانسيس فوكوياما ليقول إن المسلمين قد نجحوا فى شغل العالم بشكل شبه كامل على الرغم من أن عددهم لا يتعدى خمس سكانه.
ما دفعنى للكتابة هو النمط الذى تتميزبها مجادلات المسلمين على اختلاف اتجاهاتهم السياسية ذلك أن من يحاكم منهم الوضع الراهن فى العالم الإسلامى وخاصة من يوجه النقد لنظام الإنقاذ يجعل المعيار دولة عمر بن الخطاب ومن يبحث عن نموذج يحتذى لقائد محنك قوى لا يجد سوى عمر بن الخطاب حتى وجدت أن أغلب من استمعت إليهم يتحدث عن الرجل بكثير من المبالغة كأنه نبى مرسل أوأن له منزلة من سيدنا رسول الله صلى الله وبارك عليه وآله كمنزلة هارون من موسي عليهما السلام وسأحاول إستعراض ذلك مع محاولة تشخيص مصدر هذا الفهم.
هنالك ما يجرى على لسان الناس على أنه حديث ويبدو أن عليه خلاف كبيرولا يعتقد الكثيرون بصحته إذ أنكره الكثيرون منهم السيوطي وذكر ذلك أيضاً العجلونى فى التمييز(نسخة إلكترونية) ومن المعاصرين القرنى (حسب أحد مواقع الإنترنت) ألا وهو (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام). وأقول( مع إعتبارشروط صحة الحديث) كيف يريدون لنا أن نصدق أن سيدنا رسول اللله صلىٌ الله وبارك عليه وآله يطلب العزة من كافريْن والله تعالى يقول (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً) – النساء 139 – ويقول (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً هو السميع العليم) – يونس 65 – ويقول (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه …) – فاطر 10 – ويقول (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأزل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) – المنافقون 8 – وغيرها من الآيات التى تحصر العزة فى الله وفى الرسول ثم تفيض لتشمل من آمن به و اتبعه. ثم إن الإثنين لم يكونا ينتميان إلى أعلى بيوت قريش والتى أعلاها وأشرفها هم بنو هاشم التي ينتمى إليها سيدنا رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله فأى عز كانا سيضيفانه وأحدهما وهو أبوجهل ينتمي إلى بنى مخزوم التى لا يوجد فى التاريخ ما يعطيها مكانة أعلى من بنى هاشم أما عمر بن الخطاب فهو ينتمي إلى بنى عدى وهى من أدنى بطون قريش وعمر نفسه نشأ فقيراً إبناً لأسرة مستعبدة وتحضرنى هنا قولة عمرو بن العاص (لعن الله زماناً صرت فيه عاملاً لعمر بن الخطاب والله لقد رأيته هو وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تجاوز مهبط ركبتيه وعلى عنقه حزمة حطب) – بن أبى الحديد – فمن أين يأتي بالعز حتى يتفضل به على الإسلام وعلى رسوله بل الإسلام من تفضل على عمر بالعز حسب ما نسب إليه من أقوال وقد يكون ذلك ناتجاً عن أن كثيراً من الناس يخلطون أو يتعمدون الخلط بين شخصية وتاريخ عمرقبل الإسلام وبعد أن صار حاكماً على المسلمين. قد يقول قائل ان الإثنين كانا يتمتعان بمزايا شخصية على الآخرين ولكن إذا نظرنا إلى شخصية أبى جهل الذى يشترك فى معظم صفاته مع عمر بن الخطاب لم نجده سوى جوٌاظ عتلٌ سخٌاب وهذا ما دعا سيدنا رسول الله صلٌي الله وبارك عليه وآله لتسميته بأبى جهل إذ كان يسمى أبوالحكم وهو كما كان عمر(كما سيأتى) لم يعرف بشجاعة أو قوة شكيمة فى حرب ولكن فقط التهور والإندفاع والإستئساد على الضعاف من الموالى والنساء بل حتى الأطفال فقد قرأت أنه صفع السيدة الزهراء عليها السلام حينما كانت طفلة صغيرة لا لذنب جنته طبعاً بل لأنها بنت نبى لا يؤمن به وكان ذلك فى بداية الدعوة بمكة. و لتوضيح أى نوع من الرجال كان أبوجهل إليك قصة أبى جهل وحواره مع عتبة بن ربيعة حينما كانت قريش تحضر للحرب التى انتهت بموقعة بدروذلك حينما إتهم أبوجهل عتبة بالجبن بسبب نصح الأخيربعدم الدخول فى الحرب فكان أن ردٌ عتبة مستنكراً عليه ووصفه (بمصٌفرأسته) فى إشارة إلى جعله من نفسه متعة للرجال وقد كان كثير من رجال قريش يمارس هذه العاددة وكما ذكرت فصفات أهل الباطل قريبة من بعض. فكيف يطلب العز للإسلام من الشاذين المأبونين؟
بعد دخول عمر بن الخطاب فى الإسلام إنتهج بالفعل نهجاً متميزاً عن أغلب الصحابة ولا أكاد أجد الكثير من الإيجابيات فى سيرته وقد لا يرضِى هذا الكلام الكثيرين الذين تعودوا الإستماع والتسليم وتصديق مانسج حوله من قصص وبطولات هى أقرب إلى الخرافة فقد نزل فيه وفى أبى بكر قرآن بسبب رفعهما الصوت على النبى الأكرم صلٌى الله وبارك عليه وآله – يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهربعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)- الحجرات 2 - وشهد عمرعلى نفسه بالفرار يوم الزحف من معركة أحد كما أورد السيوطى فى الدر المنثور(ج2\ص88) وابن كثير فى السيرة النبوية (ج3\ص51) وغيرهما حيث يقول عمر (لقد فررت يوم أحدٍ فرأيتنى أنزو كأننى أروى) أى أركض كأنثى الوعل ، كما فرٌ من موقعة حنين مثل أغلب من حضر. وقد قرأت لأحد الكتاب مؤخراً ما يستدل فيه على أن عمر وأبوبكر و أبوعبيدة بن الجراح قد عادوا من جيش أسامة بن زيد الذى خرج لقتال الروم مخالفين بذلك أوامر الرسول الأعظم صلىٌ الله وبارك عليه وآله حيث كانوا مأمورين بالإلتحاق به وذلك بعد مسير الجيش لمسافة قصيرة خارج المدينة حيث عسكر بمنطقة الجرف (حوالى ثلاثة أميال شمال المدينة) وقد إستند فى ذلك إلى ما روى بن حجر العسقلانى (فتح البارى ج8\ص115) ، بن سعد (الطبقات الكبرى ج1\ص480) ، الذهبى (تاريخ الإسلام – كتاب المغازى ص714) ، بن الأثير(الكامل فى التاريخ ج2\ص180) وبن الجوزى (المنتظم ج\ص458).
غير أن ما يحير فى شخصية عمر وفى الدور الذى لعبه (مع آخرين) ما أورده بن حزم الأندلسي فى المحلٌى (ج11\ص224) وأحمد بن حنبل فى مسنده (ج5\ص224) من أن أبابكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبى وقاص أرادوا قتل النبى صلٌى الله وبارك عليه وآله وإلقاءه من العقبة في تبوك والذى لا أفهمه أبداً هو إصرار مثل بن حزم وغيره أو حتى من ينقل عنهم على الترضٌى عليهم (أجمعين) فى هذا الموضع تحديداً وهم تحت طائلة هذا الإتهام الخطير(إحتلف الناس أو اتفقوا حول الراوى الوليد بن جميع) إذ كيف يرضى الله عن التآمر على إغتيال خير أنبياءه وسيد خلقه على الإطلاق علماً بأن أنظمتنا الحاكمة فى هذ العصرأو حتى العصور الإسلامية الأولى تعتبر الإغتيال السياسى عملاً موجهاً ضد الدولة والشعب معاً نجح أم فشل ، سنده دليل أم لم يسنده طالما استهدف رمزاً من رموزها مثل ما قام به عبيدالله بن عمر بن الخطاب يوم قتل أبو لؤلؤة أباه عمرحيث قتل عبيدالله إنتقاماً ثلاثة أبرياء فيهم إثنين من موالى المدينة إضافة إلى إبنة أبولؤلؤة وقد كانت ماتزال طفلة فى جريمة يندى لها جبين الإنسانية والأدهى من ذلك هو رفض عثمان بن عفان إقامة الحد عليه على الرغم من إشارة كبار الصحابة عليه بذلك.
غير أن الكارثة الكبرى فى تقديرى والتى تدفع الأمة ثمنها إلى الآن هى كارثة بيعة السقيفة والتى طالما سوٌق لها غالب هذه الأمة ودافع عنها بالسوط و بالسيف ، والحديث عن بيعة السقيفة قد يحتاج إلى كتب ولكن يمكن لى أن أبدى رأياً سيلقى حتماً إستنكاراً من الأغلبية إذ أعتبر أنها لم تكن سوى إنقلاب تحول بالضرورة إلى حركة عسكرية وقد كان لعمر القدح المعلى فى ما حدث. إذ كيف يريد لنا البعض قبول أنها قد إستوفت متطلبات الشورى عندما يبرزالسؤال عن عدد الذين إنعقدت بهم البيعة ونسبتهم إلى سكان المدينة علماً بأن بعض الروايات قد ذكرت أنهم حوالى خمسة أشخاص والذى لا أفهمه كيف ينشغل من إنشغل بأمر البيعة والجسد الشريف مسجٌىً لم يدفن بعد إذ لم يمض على وفاة الرسول الأعظم صلٌى الله وبارك عليه وآله وقت يذكر وهنا يمكننا التساؤل عن سبب الإستعجال الذى تمت به العملية والذى أدى إلى تغييب الأغلبية وقد ورد أن أبا بكر وعمر قد احتجا على سعد بن عبادة ومن معه من الأنصاربأنهم أولى بالخلافة لأنهم أهل رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله إذا أنهم مهاجرون قرشيون ومن المعلوم طبعاً أن المذكوريْن ومن معهما غيٌبوا بقية المهاجرين وعلى رأسهم بنى هاشم وعلى رأس بنى هاشم أهل بيت رسوله الأكرمين مما يجعلها حجة مردودة. وهذا ما جعل الناس يرفضونها فما كان من عمربن الخطاب إلا أن بعث خالد بن الوليد والذى أحضر حوالى ألف فارس من قبيلة أسلم وهم قوم من الطلقاء قاموا بإكراه الناس على البيعة. ولا أدرى لماذا ينكر الناس على حكام دولنا تزوير الإنتخابات أو الإستعانة بالقوات الأجنبية أو حتى المرتزقة مسلمين كانوا أم غير مسلمين لفرض أمرٍ واقع فكل مايفعلون هو أنهم يقتدون بما حدث يوم السقيفة إذ أنٌ ما تم إستجلابه بالمصطلحات العسكرية الحديثة هو لواء مشاة مسلح ولعل ما كان ينقصه هو بعض المدرعات حتى يقتنع من لم يقتنع بأنه كان انقلاباً مسلحاً. وقد آلت الأمورإلى عمر بكتاب من أبى بكر رغم إعتراض الكثيرين حيث كانت حجتهم فظاظة عمر وغلظته وكان يحمل المكتوب ويصعد المنبرملوحاً به وداعياً الناس للإلتزام به ومبايعته علماً بأنه إعترض على رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله عندما دعا وهو على الفراش الذى إنتقل منه إلى الرفيق الأعلى بما يكتب عليه وصية لا تضل بعدها الأمة ، ليس هذا فحسب بل إتهم عمرُ من لا ينطق عن الهوى بأنه يهجرأى أنه يهذى (حاشاه) وهذا مثبت فى البخارى (حديث رقم 3168) ومسلم (ج6\ح1637).
فترة حكم عمر حفلت بكثير من الأحداث وقد يحتاج تحليلها إلى مجلدات ولكن لا بد من التوقف عند بعض الأحداث علٌها تلقى الضوء على عقلية الرجل وطريقة إدارته للدولة. فهناك قصته مع صُبيغ وهو رجل من العراق جاء ليسأل عن متشابه القرآن فضربه عمرعلى رأسه وفى روايات حبسه وداوم على ضربه يومياً حتى قال صبيغ (إن كنت تريد قتلى فأحسن القتل) فأطلق سراحه ليرحل إلى العراق ويعانى من حصار إجتماعى وإقتصادى خانق تنفيذاُ لأوامرعمر ومهما كانت تبريرات بن بطة العكبرى (من علماء الحنابلة 304-387هج) والتى عزاها إلى فهم عمر للآية رقم 7 فى سورة آل عمران (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كلٌُُ من عند ربنا وما يذٌكٌر إلاٌ أولو الألباب) وقد وجدت فى التفاسير أن الآية تذم الذين يتعمدون إتباع هواهم فى تفسير المتشابه ولا يردونه إلى الواضح المحكم. وحتى لو إفترضنا أن الرجل تقصٌد ذلك فلا يوجد فى الآية أو غيرها ما يشير إلى وجوب تطبيق عقوبة محددة. إذن من أين جاء عمر بهذه العقوبة الغريبة ومن أين أتى بحق تهديد الرجل بالقتل ثم تراجعه بحجة غريبة وهى أن الرجل غير محلوق الرأس والتى لم تفت بن بطة أن يجد لها المخارج والتبريرات. ليس هذا فحسب بل وصم بن بطة من لم يقبل تصرف عمربضعف القلب وقلة العلم وحكم على صبيغ بأنه كان يسأل سؤاله بدافع التعنت وهكذا يحكم بن بطة على ما فى نفس الرجل بعد ثلاثة قرون من الحادثة (كتاب الإبانة للزهيرى – باب ترك السؤال). ثم لماذا لم يقتدى عمربسيدنا رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله فى القصة المشهورة مع عمر نفسه حينما أراد أن يستمع إلى دروس اليهود و يقرأ بعض أجزاء من التوراة حسب الروايات فنهاه رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله ليلح فى السؤال مرةً بعد أخرى حتى غضب رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله وقال قولته المشهورة (أمتهاوكون فيها يا عمر والله لو أدركنى موسي بن عمران ما وسعه إلا أن يتبعنى) –أو كما قال- لكنه لم يعاقب عمر ولم يهدده بالقتل فمن أين جاء عمر بما جاء ، وإن كان الناس على رأى بن بطة ويجب علينا أن نقبل رضينا أم أبينا فلماذا نغضب من الفراعنة الطغاة المبتدعة الذين يتحكمون فى مصائر المسلمين.
وبعد فهذه وقفات أعتبرها مهمة فى سيرة الرجل الذى يعتبره بعض مشايخ الدين ، أئمة المساجد وحتى الكتاب العلمانيين معياراً للدولة الإسلامية الرشيدة وللعدل والمساواة حتى بلغ الأمر بأحد المشايخ لأن يقول أنه لولا عمر بن الخطاب لما حُفظ الإسلام ولما كنا مسلمين ولا أدرى على أى شئِ بنى هذه الخلاصة وهذه الشهادة بالنبوة لعمروالله قد كلف رسوله الأكرم صلٌى الله وبارك عليه وآله بتبليغ رسالته ولم يكلف معه آخر إذ يقول (يا أيها الرسول بلٌغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين) – المائدة 67 – ويقول (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) – الأنبياء 107 – ويقول (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) – سبأ 28 – ويقول (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا ًإن عليك إلا البلاغ …..) – الشورى 48 – ويقول (إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) – البقرة 119 – ورسولنا الأكرم صلٌى الله وبارك عليه وآله قد بلٌغ الرسالة على أكمل وجه وأدى الأمانة كاملة غير منقوصة ولا أرى أى فضل لعمر فى ذلك فالفضل لله تعالى ولرسوله الأعظم إذ يقول تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجاً فسبٌح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً) – سورة النصر -
وإذا افترضنا أن محدثنا هذا كان يقصد أن عمر قد إنتهج نهجاً محبباً ومرغباً فى الإسلام فالتاريخ يكذٌب هذه الإفتراضية فقد إعترض أغلب أهل زمانه على توليه الحكم حينما علموا أن أبا بكرسيوصى إليه وقالوا له أتجعل فينا هذا الفظ الغليظ؟ ويبدو أن هذا هو ما جعل أبابكر يتردد إذ أوصى إليه فى آخر ساعة قبل موته ثم بعد أن تولى الحكم عامل الناس بخشونة غير مبررة ما زال شيوخ الدين يبررونها بأنها كانت شدة فى دين الله مثل ضربه لشاب يسير فى الطريق بالدرة (السوط) بحجة أنه أمات الدين بمشيته ، وأسألهم فقط أن يجيبوا على تساؤلات أراها مشروعة فمتى كان سيدنا رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله يمشى بين الناس ويضربهم بالسوط؟ ما معنى حجة أمتٌ علينا ديننا التى برٌر بها عمر ضرب هذا الشاب وفى أى باب من أبواب الفقه نجد ذلك؟ ثم كيف نشخٌص ذلك لنحدد من يميت الدين أو يحيييه بمشية يمشيها ؟
متى إقتحم سيدنا رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله بيت إمرأة تبكى قريباً لها مات وضربها أو أخرجها من بيت العزاء وضربها بالسوط مثل ما فعل عمرمع إمرأة ومع أم فروة أخت أبى بكر عقب وفاته (حسب ما أورد البخارى)؟
ثم تسوره إحدى الدور على أهلها غير أخطاءه الكثيرة فى الفقه والتى اعترف بها بقوله (كل الناس أفقه من عمر حتى النساء) غير إدخاله بدعة صلاة التراويح والتى شهد عليها بنفسه (بقوله نعُمت البدعة).
غير أننى أعتقد أن من أعظم أخطاءه هى توليته لعمال مثيرين للجدل وفى الأمة من هم أصلح منهم مثل زياد بن أبيه ، معاوية بن أبوسفيان ، المغيرة بن شعبة ، قنفذ العدوى (بن عمه) وغيرهم والذين تسلط بعضهم على الأمة وارتكبوا فى عهده أو لاحقاً من الجرائم والمفاسد الأخلاقية والمالية والمجازر ما أهٌل بعضهم ليكونوا مجرمى حروب. وعلى العموم الحديث عن عمر ونظام حكمه يطول ولكن لا أجد فيه ما يدعو إلى جعله معياراً لنظام حكم إسلامى أو غير إسلامى وقد عجبت لمن يوجه النقد لأهل الإنقاذ مطالباً إياهم باتخاذ دولة عمر قدوةً! ولاأعتقد أنهم لايفعلون (حسب ما أورد هو) فإن عاب عليهم الفساد فعمر بن الخطاب هو من إبتدع ديوان العطايا ليعطى من يشاء وقد طبٌق حكماً غريباً على عمٌاله حينما تناهى إلى علمه فسادهم إذ صادر نصف أموالهم فإما أن يكونوا قد اكتسبوها من حرام فتصادر كلها وإلا فلا وحتى فى هذه لم يكن عادلاً بينهم إذ عزل أبا هريرة من ولاية البحرين وصادر أمواله وجلده حتى أسال دمه بينما أعفى تماماً قنفذ العدوي (بن عمه). وإن عابوا على حكامنا مصادرة الممتلكات فدونهم قضية أرض فدك والتى هى ميراث السيدة الزهراء عليها السلام عن أبيها رسول الله صلٌى الله وبارك عليه وآله والتى صادرها أبو بكرواستمر على ذلك عمر وعثمان وقد مثلت قمة فى الظلم والتحايل حتى أنهم وضعوا حديث نحن معشر الأنبياء لا نورث ، وقمة فى عدم الوفاء لسيد الأنبياء إذ أين المودة فى أقرباءه التى أمر الله بها (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة فى القربي) – الشورى 23 - وغالباً ما فعلوا ذلك لخشيتهم أن تكون قاعدة دعمٍ إقتصادية لما يمكن أن يكون معارضة للنظام الحاكم إذ كانت أرضاً ذات إنتاج غزير. إذن أنظمتنا لم تبتدع شيئاً فهكذا يتم تقزيم وتركيع المعارضة. ومن أغرب ما قرأت الفتوى التى نشرت بالصحف السودانية (فقد طالبت هيئة علماء السودان في فتوى أصدرتها وبعثت بها لنائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه برد أراضي مشروع الجزيرة وتعويض الملاك أو التوصل لاتّفاق يقضي بشرائها منهم بثمن مرضي.) والسؤال هو هل يحتاج رفع الظلم إلى فتوى؟ أم لأننا تعودنا قبوله والدفاع عنه وإيجاد المبررات له عبر تاريخنا الإسلامى بل وجعله نموذجاً يحتذى إذا وقع على الغير حتى إذا وقع علينا هرعنا إلى الفتوى مع العلم أن الظلم شئ ترفضه طبيعة الإنسان بغض النظر عن دينه بل حتى الحيوان لا يقبله.
ولكننا أمة تمجٌد الطغاة والظلمة حتى كنا تقريباً الدولة الوحيدة فى العالم التى تقيم الصلوات فى الميادين العامة وبمشاركة بعض المسؤؤلين على شخص مثل أسامة بن لادن. ولا أريد أن أدخل مثل عديمى العقل فى جدلية هل هو شهيد أم لا فتلك قيمة أخروية ومكانة لا يهبها إلا الله ولكنى أتساءل عن كيف يمكن لنا أن نتجاهل أرواح ثلاثة آلاف شخص من بينهم أكثرمن مائة مسلم فقدوا أرواحهم فى بضعة دقائق فى حادث الهجوم على البرجين وليت الرجل أنكر ولكنه أعلن مسؤوليته عن هذه الجريمة البشعة بل وهدد بتكرارها ، ثم الآلاف الذين قتلوا بعد ذلك والدول التى ضاعت بأكملها ثم الإهانة والإذلال التى يلقاها المسلمون داخل وخارج بلدانهم بسبب نشاطات بن لادن وقاعدته المشؤومة ورغماً عن ذلك يطلع علينا من يحاول إقناعنا أنه قد جلب العز للإسلام والمسلمين ويهدد من لايلقى عليه لقب شهيد بالعقاب ويقتحم المساجد لإجبار المصلين على ذلك فى ضرب من ضروب الإبتداع والجنون لم يسبق لهما مثيل فى تاريخ الإسلام. ألا لعنة الله على الظالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.