ما زلنا نذكر قصة الصبية سيلفا التي جلدت وهي ” قاصر وغير مسلمة” بسبب المادة ” 152″، الزي الفاضح ؛ والمقصود به في غالب الأمر “البنطلون”،وكلنا نذكر “بنطلون لبنى”، وما أثاره من جدل وصل حتى ردهات الأممالمتحدة، وقد يستغرب البعض حين يثير الاعلام الغربي والعربي القصة بتلك “الاثارة”، ولكن ليس هناك ما يدعو للاستغراب فالجلد في حد ذاته مستنكر ومستهجن وعندما يكون بسبب (ارتداء بنطلون) يزداد الأمر إثارة للدهشة والتعجب!! وكل هذه القصص تأتي متزامنةً مع اقتراب موعد استفتاء تقرير المصير، وارتفاع أصوات السودانيين الجنوبيين الداعية للانفصال بسبب الشعور بانهم مواطنون درجة ثانية، وأن الدولة تطبق عليهم قوانين “اسلامية” لا تعنيهم في شيئ. وفيما يحتدم الجدل حول دولة المواطنة، والمشروع العلماني، والمشروع الحضاري وعلاقة هذا الأمر بقضية الوحدة والانفصال، يسعى صقور “الانقاذ”، والأجنحة المتطرفة لتصعيد الأوضاع، وبدلاً من ارسال اشارات ايجابية لبعث الطمأنينة في نفوس السودانيين الجنوبيين يفضل هؤلاء ارسال اشارات سالبة تدفع نحو الانفصال دفعاً، ودليلي على ذلك خبر مداهمة أسرة في حي جبرة مساء الخميس، بسبب حفل أقامته داخل المنزل بمناسبة نجاح أحد أبنائها، فوفقاً للرواية، والتي لم تصدر رواية أخرى مغايرة لها حتى الآن من قبل النظام العام، فان “الاقتحام تم بطريقة مروعة، وتم خلال ذلك احتكاك ” خشن، لم يراعي حرية الأسرة، أو حقوقها الخاصة، ولا نعتقد أن الرواية غير صحيحة ما لم يثبت لنا العكس، أو يصدر ” توضيح بالملابسات، وتبرير لما تم من عملية اقتحام . فمن يقوم بمثل هذه الأفعال؟. وما هو الهدف من “هذه الأفعال”؟. ولماذا في مثل “هذا التوقيت؟”. والقصة جاءت متزامنة مع حادثة اقتحام أخرى حدثت في منطقة كافوري بالخرطوم بحري، واستهدفت اثنين من نجوم المجتمع، حيث تم اقتحام المنزل دون مراعاة لخصوصية منحها الدستور” ويبدو أنه حبر على ورق” لأن القوانين تعلو عليه، وأن طريقة التنفيذ تعلو على القوانين في بلد المشروع الحضاري، وهي حالة تعكس حالة من حالات البؤس السوداني، فربما بوشاية يتم اقتحام منزل أسرة آمنة، أو يروع أطفال بسبب تصفية حسابات، وبعد ذلك يقولون لنا ” الخطأ في التنفيذ”، أو هي أخطاء فردية، وبالمناسبة فقبل أسابيع حضرت لقاءً للسيد والي ولاية الخرطوم عبد الرحمن الخضر شارك فيه قادة الشرطة بالولاية بمن فيهم أمن المجتمع، وقد اعترف القوم بحدوث أخطاء تصاحب عمل النظام العام، واكدوا محاسبة بعض أفراد هذه الشرطة، الا أن “الأحداث” تتكرر، والأخطاء ” تتشابه”، وهو أمر يوحي بوجود ” تخطيط يتم عبر عقلية ممنهجة ، ويؤكد أن “الموضوع ” أكبر من الأخطاء الفردية، وحتى لو سلمنا جدلاً بأن ما يطبق في السودان هو الشريعة الاسلامية، فأعيد ما أشار إليه أمس بالزميلة “السوداني” الأستاذ زهير السراج بذكره ” القصة المعروفة عن الخليفة الراشد وناصر الاسلام سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى تسلق على قوم دارهم وهم يشربون الخمر واراد ان يعاقبهم فقال له صاحب الدار (ان كنا اخطأنا يا عمر فى واحدة فلقد أخطأت انت فى ثلاثة، فالله تعالى يقول: ولا تجسسوا، وانت تجسست علينا، ويقول: واتوا البيوت من ابوابها، وانت تسورت الحائط واتيت من السطح، ويقول: يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، وانت دخلت ولم تستأذن ولم تسلم فهب هذه لتلك وانى تائب الى الله تعالى وعازم ألا أعود، فاستحسن عمر قوله واعتذر عن أخطائه ثم عفا عنه). فكم أخطأت الحكومة يا ترى في حق الوطن، وفي حق المواطنين؟.. وليت السلطات المسؤولة تدرك أن من المظاهر السالبة التي يجب عليها ازالتها حفر الشوارع، والنفايات، وجيوش الناموس والذباب، وأكوام التراب التي يضعها كثير من “الموسرين أمام عماراتهم الشاهقة، وليتها تطارد من يرتكب مثل هذه المخالفات التي تؤثر في حياة الملايين أكثر من تأثير ارتداء ” بنطلون”.