عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان – العروبة فى قفص الاتهام
نشر في حريات يوم 02 - 09 - 2011

تعلمون ان رواد الحضارات القديمة ، هم ايضا روادها اليوم ، فمنهم من يتسنم قمتها ، ومنهم من يجهد عند سفحها ، ولكنه لن يقبع فى الحضيض ! ، كحالنا ، فالمتخلفون عن ركبها قديما ، ظلوا على ذلك الى . فالاوربيون كانوا وما زالوا اصحاب حضارة بل حضارات ، فساعدت حضارة اسيا الصغرى الاتراك فى التربع على قمة امبراطورية الخلافة العثمانية ، واليوم فى مقدمة لا تستهان بها .
قوة الايرانيون اليوم ، ايها السادة والسيدات ، تستند على خلفية الحضارة الفارسية ، رغما ان العرب كانوا قد دمروها يوما ، ودخلوا ايوان كسرى وعاثوا فيها فسادا ،فاليوم ، هم قوة اقتصاية وصناعية وعسكرية عالمية.
والامر ينطبق ايضا على الحضارة الفرعونية ، ومصر اليوم.
والصينية ، وصين اليوم.
واليابانية ، ويابان اليوم .
والهندية ، وهند اليوم.
وبين النهرين ، وعراق اليوم.
هل تعلمون ان كلمة ايثيوبيا تعنى فى المراجع التاريخية ، بلاد النوبة .
وان كلمة السودان ، تعنى ايثيوبيا.
وان النوبة ، تعنى ارض الذهب.
اذن ايثيوبيا والسودان والنوبة ، انما مترادفات دلادلية لكلمة وارض وحضارة واحدة.
لكن ثمة حضارة عظيمة ازدهرت وما من اثر ظاهر على اصحابها تدل على ريادتهم يوما ، مهملة لا يتطرق احد لذكرها الا فى سياقات لا تثير التساؤلات والاستنكارات ، او تتطلب التزامات . انها حضارة وادى النيل ، حضارة النوبة ، حضارة شمال السودان ، حضارتنا نحن .
لأين ذهبت مكانتها وبريقها؟، وهل تتربع ما تليق بها من مكانة ابدا؟ ، اين اثرها علينا اليوم ؟ ، وهل تكفى ما تسلط عليها من اضواء لاظهار بريقها ؟ ولماذا لم تتمكن رغما عن خلفيتها الباذخة ، من المساهمة فى التعامل مع مشكلات السودان المعاصرة ؟ ، بل الى اين ذهبت يا ترى ؟ واين تكمن العلة؟
رغما عن كل ذلك ، فما تفتأ التاريح من ارسال اشارات ودلالات قوية بين الحين والاخر ، ولا تجد ما تستحق الاستجابة.
فالاهرامات والاثار التى تنخرها وتعريها الرياح عاما بعد عام ، انما مجرد احجار لا تعنى لنا شيئا.
ومصطلحات الزراعة والرى ، الغريبة على العربية ، لا تحمل لنا اى دلالات ، ولسنا معنيون بالبحث فيها على كل حال.
ومسميات قرى ومدن الشمال ، من الغرابة بحيث يكون من العبث ، البحث لها عن معان فى لغة الضاد.
والحقيقة الثابتة بان الاعداء كانوا ياتوننا على مر التاريخ من الصحراء ، ومصب النيل ، وليس خلافهما ، وما من سبب تجعلنا مصممين على ان اعداؤنا المعاصرون ، انما يقبعون فى حوضه ومنابعه.
والثائر المك نمر ، فى سبيل صون كرامته ، لم يهرب الى بلاد العرب ، بل أدار ظهره لمصب النيل ، مكمن الخطر ، وإتجه صوب المنابع.
فتأملوا ,,,,, فقط تأملوا..
نؤكد لكم ايها السادة والسيدات ، ان العلة الاساسية تكمن فينا نحن الشماليين ، وفى هويتنا المزيفة تحديدا .
لم تتم هجرات كبيرة واستثنائية للسودان كما نحاول يائسين ، الترويج لها ، ولا بالسعة التى تمكنها من احداث تغيير جذرى فى التركيبة الاثنية لامة ضخمة ، وارض وسيع ثرى ومتنوع ، كبلاد السودان ، بل لا يمكن لهذه الهجرات المحدودة ، ان تحدث ضمورا وتغييرا وتبديلا وتدميرا ، فى حضارتنا الاصلية كما يبدوا الامر ، ونصوره نحن ونروجه ونصدقه . فالتزاوج بين المهاجرين العرب والنوبة ، الذى نتعلق ، ونحمله اكثر مما تحتمل ، ايضا تم على نطاق محدود ، بحيث لم تؤثر تأثيرا ملموسا فى تركيبة قبائل الشمال ، والدليل ظاهر ، من غياب الادلة .
اما الزيجات ، فقد كانت زيجات مصلحية محدودة ، كتزاوج التجار الشماليين من القبائل الجنوبية كالدينكا.
والدينكا ، رغم ذلك مازالو دينكا.
او تزاوج القبائل الشمالية نفسها بعضها بعضا.
فالجعليون ظلو جعليين ، والشايقية ، شايقية ، والمحس محس ، والحلفاويون حلفاويون ، وباقى القبائل ظلت كما هى
حتى عرب الشمالية ظلوا عربا ، ويطلق عليهم الى اليوم عرب !!! ، واحيانا ( زوارة)
ولا يملكون اراض ولا اطيان ، ويفضلون الصحراء على المدينة !!!
اذن ما حقيقة الاثار والاهرامات والتماثيل ؟ واين اصحابها ؟
ما تم فى شمالية السودان ايها السادة والسيدات ، انما انقلاب وتبديل للهوية ، وتماه ، مع بعض تجار غرباء اثرياء مثيرين للاعجاب ، فهؤلاء المهاجرين والمغامرين فى الاساس من اجل التجارة وجمع الثروة تزامنا مع انتشار الدين الاسلامى الجديد وتكسبا من واقعه وزخمه . فنحن من اتخذنا قرارنا باعتناق الاسلام ، واعتناق العروبة ايضا ، ليجعل لنا الافضلية والاسبقية على الشعوب السودانية التى من حولنا ، والتى ستدخل الاسلام لاحقا ، وان طال الزمن .
المنطق المعوج الذى نتشبث به ، لا ينطبق ولا ينطلى الا على السودانيين ، بغرض الاستهلاك والتوظيف المحليين ، ومن سلبياته علينا ،،،،
انه يضعنا موضع تشكيك دائم فى هويتنا – اولا ،
ويسبب لنا مشاكل داخلية نحن فى غنى عنها – ثانيا ،
ويعرضنا لسخرية الامم الاخرى – ثالثا ،
ولا يشجع على اظهار وتطوير المكون الثقافى المحلى – اخيرا.
هل تعتقدون ان العنف المفرط فى كل من الجنوب ودارفور ، آت من فراغ ؟
هل تعتقدون ان تهيئة القبائل الناطقة بالعربية وتسليحها لمواجهة الناطقة بغيرها بعيدة عن مسالة العروبة ؟
الا تعتقدون ان الكراهية والاستبعاد والاستعباد التى مورست فى وجه الكثير من القبائل السودانية لا تستند على خلفية الهوية ؟
الا تعتقدون ان ما يدور فى مجالسنا من التحقير ، والاوصاف العنصرية التى تطلق على باقى السودانيين ، لا تتعداها الى اجراءات اقصائية فى سلك الدولة؟
تأملوا ايها الاخوة والاخوات ، وكونوا صادقين مع انفسكم ، وستنتهون الى نتائج مذهلة .
نحن اصحاب حضارة النيل التى سادت خلال الحقب المظلمة من التاريخ ، ولكننا نتفادى اليوم مجرد الاشارة اليها ، وان اضطررنا ، نفعلها على استحياء .
فلدينا حضارة مرموقة ، متميزة ، فريدة ، باذخة ، ومدعاة للفخر بشهادة العالم ، ولكننا نتعمد طمرها ، بل وتدميرها فى بعض الحالات . لماذا ؟ ،،،،
لانها لا تنسجم مع هويتنا الجديدة ، وكوننا عرب.
نعم لا تنسجمان ، ويجب الا تنسجمان ابدا.
رايتم كيف ان المصريين يشتموننا ، ولا يعتبرون ان لنا حضارة فى الاصل ، فيتسالون ، ويسخرون من كوننا ندرس مادة التاريخ فى المدارس ، (ليس لكم تاريخ ولا حضارة ، فماذا تفعلون فى مدارسكم ؟ ، هل تدرسون مادة التاريخ ؟ واى تاريخ ؟، اظنكم تاخذون تاريخنا لتدرسوها هناك ، فليس لديكم شيئ ).
لماذا ؟.. لاننا نتعمد ونتمادى قتل ماضينا ، ودفنه ، والحياء منه ، بينما تعلم غيرنا من الامم ، الاعتراف والافتخار بحضارتهم كالفرعونية والفارسية والاغريقية والهندوسية والمايا والانكا ، بل يستثمرون ، ويقتاتون عليها .
شراكتنا واحقيتنا فى الحضارة الفرعونية مع المصريين ، شراكة حقيقية ، شراكة ندية ، بكتوف متساوية ، يقبلون بذلك ، ام لا يقبلون ، فذلك شأنهم ، ففى الواقع ، لا يعترفون ابدا بحقيقة وجود اهرامات اخرى فى السودان خلافا لاهراماتهم السبعون ، فآخر ما يحتاجون اليه ، ان يقاسمهم سودانين او خلافهم ، الاضواء والمجد والحضارة.
فهم يعلمون ، ولا يظهرون ، ولا يقرون ان الاهرامات والاثار السودانية اكثر قدما من امتداداتها المصرية .
وان الفكرة بدات من السودان ، وليست من مخلوقات فضائية ، حسب ما يحاولون ترويجها.
وبمثلما تخلينا عن نصيبنا من مياه النيل ليستغله المصريون .
تخلينا ايضا عن زخم الانتماء للحضارة الفرعونية ، فانفردوا بها واصبحوا روادا عالميون .
ولعقود طويلة وضعوا المتاريس امام ظهور حضارة السودان القديم ، وما زالوا.
ويحطون من همم البعثات السياحية الاثرية ،
وكنا خير معين لهم ، على وضعنا فى ركن قصى.
لاننا نعف ، ونتقزز من مثل هذه الاشياء ، وذلك صميم ما يحتاجون .
لماذا ؟ وكيف تمت ذلك ؟
ببساطة ،، نحن لانريد هذه الحضارة ،، نستحيى منها ، نتبرأ منها ، نهملها ، نساعد على تهريب اثارها ، فنحن عرب وعرب العرب ، ويجب الا تشرفنا ، ولا ينبغى لنا اقتناء مثل هذه الاشياء ، ففكرة العروبة حسب ما رسخ فى ذهنيتنا ، لا تنسجم مع الاهرامات .
ويجب الا تنسجمان على الاطلاق ،،،
فالاهرامات رمز الحضارة والاصالة ، والعروبة رمز للتخلف والعدوانية. وشتان ما بين الحضارة والبداوة.
من هنا ،، قمنا بقذف حضارتنا الذاخرة ، واعتبرناها مخلفات قوم اخرين ، ففضلنا عليها مفاهيم البادية بدلا عن المدينة ، ورعى الاغنام بدلا عن انظمة الرى العريقة ، والعدوانية بدلا عن العلم والسلام.
لا الاهرامات ، ولا الاثار ، تشكلان لب القضية.
الموضوع الاساسى هو حياة الزيف التى نعيشها ، وعقدة العار التى يخشى منها الافتضاح ، وعقدة الدونية التى تتقمصنا ، مما تستدعى الصغار امام العرب ، وما يترتب عليهما من اهدار للكرامة والعزة الوطنية .
هاتان العقدتان هما المسئولتان عن حالة التخبط والسادية والحقد الذى يعشعش فى صدورنا ونرتكب افظع الجرائم بدم بارد ، ونمارس الظلم البين ، وننافق ونظهر اوجها عديدة ، ونتملق ، ونظهر كشخصيات حربائية . فشلت الاديان تهذيب سلوكنا ، وطوعنا الاعراف لتخدم انتهازينا بمنتهى الوقاحة وقوة العين ، فنمارس الاضطهاد على من دوننا ، ونظهر الانكسار والوضاعة على من هم فوقنا ،،، انه لتجسيد جلى ، لسيكولوجية الانسان المقهور.
فعقلنا الباطن يجعلنا نجفل من اى اشارة قد تعيدنا القهقرى ، الى عهد الهزيمة المنكرة التى ألمت بالحضارة النوبية ، امام العروبة ، ومهانة اتفاقية البقط ، واذلال الأرجل والخيول العسكرية ، التى لا تمر الا فوق كرامتنا ، جيئة وذهابا.
تماهينا مع اتفاقية البقط ، ولم نقاومها ، والتزمنا به ، فبدلا عن التصدى فضلنا الاتباع ، فمهدت طريقا وسيعا ، واوجدت سابقة انكسارية لتنتقل جرثومتها من جيل الى جيل ، فخلفت ، للتماهي مع الاتراك ، فقلدناهم فى مأكلهم ومشربهم ولباسهم ، ومع المصريين ، والانجليز ، وماساة مرة مع الثورة المهدية ، وفى كل مرة ، ، تزيد هويتنا انكسارا على انكسارها .
والان ، نحصد ثمار الزيف ، وكيف ارتدت علينا ، وكيف اذينا انفسنا ، واذينا الاخرين .
فمن يرض بالذل مرة ، يرضه المرة تلو الاخرى.
فتخلينا عن ثلث ارضنا ، وثلث شعبنا جنوبا ، ومهدنا الطريق لكل من دارفور ومناطق اخرى ، فأن نتخل عنها الان ، فقد تخليناعن عظمتنا ، وحضارتنا الفرعونية من قبل ، ومعها مياه النيل.
(بل وتتردد اخبار ان المصريين يطمحون فى الحصول على مساحات من ارضنا الزراعية)!!
فان نستحى من اهل الهامش ونقول انهم لا يشبهوننا ، فقد استحيينا من قبل من الاهرامات والمعابد والكنائس التى كانت تعمر الشمال النيلى.
وأن نهمش ونحارب اللغات والمكونات الثقافية السودانية الأخرى ، فقد حاربنا من قبل لغاتنا النوبية الاصيلة ، وعجلنا الخلاص منها واستبدلناها بالعربية ، ونسبنا انفسنا الى اليهم.
كراهيتنا لباقى السودانيين تنبع من حقيقة انهم مرآة محبطة لنا ، نرى فيها اوجهنا دون مساحيق ، فهم يذكروننا باصلنا ، ويفندون عروبتنا ، ويكشفون عورتنا التى نجاهد فى اخفاءها ، لذلك نكرههم ، ويجب ان نكرههم ونستمر فى كراهيتهم ، حتى ان لم يقولوا شيئا ، فوجودهم الى الجوار يستفزنا ، وكراهيتهم ومقتهم واحتقارهم تثبت لنا اننا مختلفون عنهم ، واننا افضل منهم ، واننا بالفعل عرب ، وان يذهبون ،، فليذهبوا الى الجحيم .
هذه العقدة ، هى المسؤولة عن بكائنا على معاناة الفلسطينيين وذرف الدموع السخينة امام الكاميرا لمقتل الطفل الفلسطينى عماد الدرة وتخليده فى اناشيدنا ، وغض الطرف عن مقتل صغارنا فى دارفور والجنوب وجبال النوبة .
هذه العقدة ، هى المسؤولة عن التضييق على الجنوبيين فى حلهم وترحالهم الى ان ضاقوا بنا ذرعا وذهبوا بعيدا .
هذه العقدة ، هى المسؤولة عن تولى ظهرنا للقارة الافريقية ، وتفضيل تمكين علاقاتنا مع شعوب اخرى لا تشاركنا المصلحة ولا الجوار ولا المصير المشترك.
هذه العقدة ، هى المسؤولة عن تنامى العنصرية وتفضيل العقاب الجماعى والتشفى فى المجتمع السودانى الشمالى .
وهى ايضا المسئولة عن تحملنا الاذلال والعدوان اللفظى ، وغيرها خارج السودان ، دون سعى دولتنا لرد الاعتبار .
هذه العقدة ، هى المسئولة عن الحلب والقمحيين ، فهم لونيا اقرب الى العرب منا ، اذن فهم مهدد جدى لبرهن للهثنا لبرهان اصالتنا فى العروبة .
هذه العقدة هى التى تقف خلف تبرؤنا بنفور ، من الاحباش والارتريين والقبائل البجاوية ، رغم تشابهنا معهم ، فهذا التشابه فى حد ذاته مشكلة ، فبينما نندفع نحو العروبة ، فإن هذه الاثنيات تنحو بنا الى وجهات خاطئة.
هذه العقدة ، هى المسئولة عن قتل اللغات السودانية والتضييق عليها ، تعجيلا لزوالها.
( الاعلامى الكبير حسين خوجلى ، قال انه يتمنى ان ياتى اليوم الذى يختفى فيه كل هذه الرطانات)
وهذه العقدة ، هى المسؤولة الاندفاع غير العقلانى نحو تطبيق الشريعة الاسلامية ، فمع تطاول الامد انتظارا لجيل من الاعراب ، تعطف علينا ، وتقبل بنا ، عجلنا بتطبيقها دون اقتداء بتجارب سابقة ، ففشلنا ، فالغاية لم تكن الشريعة نفسها ، بل كانت تحمل فى احدى اوجهها رسالة للعرب ، باننا يمكن ان نات لهم بشيئ لم يتمكنوا هم انفسهم من الاتيان به .
اذن الشريعة اتت فى سياق سعينا لتسنم العروبة ونزع الاعتراف منها ، كاحدى القرابين العديدة ، تلكم القرابين التى عزت على العرب انفسهم الاتيان به.
، كانت احدى ردود الافعال على حقيقة ، اننا دون العرب ، وفى موضع صغار مذل امامهم ، وحاجة دائمة لاثبات اصالتنا فى مجلسهم ، هى محاكمة تلك المجرمة الكبرى !! ، المذنبة ، المدانة ، التى حللنا ضيوفا فى دارها (نعتقد اننا اتينا من خارج السودان ) ، وحتى وإن لم ترتكب ذنبا فى حقنا !!! انها الهوية الافريقية السودانية ، تلك الام القوية ، العنيدة ، الصبورة علينا عمايلنا ، فهى عورة كغيرها من العورات و ينبغى اخفاءها ، ويجب يساعدنا ويتواطأ ، الاعلام ، والتمثيل الخارجى ،، معنا فى اتمام المهمة ، والتلفزيون السودانى ، دفع ثمنا باهظا ، فى سمعته ومصداقيته ، بعدان اتخذناها آلة من آلات هدم وإخفاء العار الافريقى السودانى .
واليكم المزيد من العجائب السودانية ، التى تنتجها عقلنا الجمعى المريض ،،،
فاللاءات العربية الثلاث ، صدرت من الخرطوم.
استبدلنا علم استقلالنا بعلم جامعة الدول العربية.
العرب يدخلون ويخرجون ويهددون بتفتيت الجامعة ، ولكن هذه الجمعية اهم بالنسبة لنا من السودان نفسه.
(الاصيلون من العرب كونوا تجمعا اخر لتفادى المزيفين كالسودانيين ، وسموه مجلس التعاون الخليجى)
ومن اجل سواد عين العروبة ، فقد جعلنا القضية الفلسطينية ، والقدس ، قضيتنا الاولى .
تماهيا مع العروبة ، فقد ختمنا جوازات سفر مواطنينا ، بعبارة عجيبة (كل الاقطار عدا اسرائيل).
يعانى مواطنينا فى الدول العربية ، والمفترض الا فرق بيننا وبينهم ، من التحيز والعنصرية ضدهم .
وحتى اقتصاديا ، فعبقريتنا توصلت الى تحديد مثلث من ارضنا ، اسميناه المثلث العربى ، تستهدف بالنماء وبضخ الاستثمارات حصريا وتهمل باقى الوطن .
وفى ظاهرة غير مسبوقة عالميا ، انشأنا منبرا مكرسا كل امكاناته لتقسيم الوطن سعيا ، لابعاد العار الافريقى منه.
مقابل كل المساحيق التى نضعها على وجوهنا تقربا ، فان العرب الاصليين انفسهم يعانون انتهاك الكثير من المسلمين الاعاجم لهويتهم ، ونحن منهم
فالسودانيين والمصريين والشوام والترك والصوماليين والقمريين والفولانى النيجيريين والاندونيسيين وبعض الهنود ، المدعيين للعروبة ، يعتبروا خصما من رصيد الاصالة العربية ، وانتهاك لها (وهذا رأيهم ، وليس برأينا).
والكثير من العرب المزيفين مثلنا لا يكتفون بمجرد تقمص العروبة ، بل يتطاولون حتى بالانتساب الى البيت النبوى والعباسيين ، سعيا لإخراس الالسن المنتقدة ، وسبقا نحو الافضلية .
(غازى سليمان المحامى ، اربك الاعلامى المتمرس فيصل القاسمى ، مقدم برنامج الاتجاه المعاكس ، وضيفه ، عندما فاجأهم على الهواء مباشرة ، بانه عربى !!! وهاشمى كمان).
عقدتى الدونية والعار مرضين نفسيين معروفين جيدا لعلماء النفس ، فهى تحطم روح الاقتحام ، والابتكار ، وتقلل من الثقة بالنفس ، ومن ظواهرها التردد ، والتقليد ، وسوء التخطيط ، وعبثية التثمين ، وضعف الشخصية ، والكذب ، والنفاق ، وضعف الالتزام بالقيم …
لو كانت كل هذه العقد مجتمعة فى شخص واحد ، لكان ممن يطلقون عليهم ، غريبى الاطوار ، مهووسا ، وربما مجنونا ، ولكان عليه ان يعاود طبيبا نفسانيا متمرسا ، يجب ان نعترف اننا امة مريضة ، وسلوكنا غير سوى ، ونرجو معالجا نفسانيا واجتماعيا ، ونلح فى البحث عن الشفاء !! فهل من شفاء؟!
قطعا نعم ، بالاعتراف بالمرض (مرض العروبة ) اولا ،
والعودة الى الاصول والاعتراف بالنفس ، والقبول به ، كما خلقها ورضى بها الله ،، دون رتوش ، ولا مساحيق ، ولا محاكاة ، ولا تماهى ، ولاتوابل ، ولا تقمص ، ولا استحياء.
ومن ثم اعادة نبش ما طمرناه ، واخفيناه ، والقيناه ، من مقتنيات وقيم وسلوكيات .
ولنفسح المجال الان ، للاطباء النفسانيين ، والخبراء الاجتماعيين ، ليقوموا بعملهم ، ويدلون دلوهم.
لقد خرب السودان ، بخراب عقل الشمال ، ولن يأت صلاحه الا بصلاحه ، وذهاب زيفه ، وتوازن ذاته . فبانتماءه الى نفسه ، والنهوض لاستعادة كرامته المهدرة من وحل العروبة القذر ، والانسجام مع محيطه السودانى وريادته ، يكون قد استلم ذمام المبادرة ، واستعاد دوره وفعاليته التاريخية.
فالشمال لا يحتاج الى العروبة ، والهوان لاجلها ، فهى ليست بتلك القمة فى سلم التطور ولا حتى قريبة منها ، ان لم تكن حضيضها ، فنحن من هو اقرب لتلك القمة منها ، فلدينا من ماض السودان ، ما يعزنا ، وما نقدمه ، ونفتخربه ، ويحتفى بنا العالم كله.
لا ندعوا الى حرب ضد اللغة العربية (تلك عقدة اخرى) ، فتظل العربية هى لغتنا الرئيسية ، لكن رجاءا ، ابعدوا عنا القاذورات البدوية وثقافتها ، فلسنا فى حاجة اليها ، ولا احد يحتاجها ابدا ، واعيدوا لنا شخصيتنا الاصلية ، واعترفوا بحقنا فيه ، واحدثوا فيها من الترميم ما يجعلها قابلة للحياة والعطاء ، كغيرها من الحضارات.
(هناك اسطورة تحكى ان تنينآ عملاقا ، هبط من السماء ، ووضع بيضتين فى رمل شاطئ النيل ، ففقستا بعد حين ، وخرج منهما كائنين ، اتجه أحدهما مباشرة الى النهر فاصبح تمساحا عملاقا مسيطرا يعيش على الاسماك والابقار ، والاخر جفل عكسيا موليا ظهره للبحر ، فأصبح ورلا ، هائما فى الصحراء ، يعيش على النمل والحشرات وجيف الطيور النافقة ، فتسخر من هيئته وعيشته وتعبث به الضباع والثعالب والكلاب ).
ابراهيم الجعلى.
اغسطس 2011
المراجع :
تاريخ السودان – نعوم شقير
سيكولوجية الانسان المقهور – د حجازى
ازمة الهوية فى السودان – د الباقر عفيف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.