تعلمون ان رواد الحضارات القديمة ، هم ايضا روادها اليوم ، فمنهم من يتسنم قمتها ، ومنهم من يجهد عند سفحها ، ولكنه لن يقبع فى الحضيض ! ، كحالنا ، فالمتخلفون عن ركبها قديما ، ظلوا على ذلك الى . فالاوربيون كانوا وما زالوا اصحاب حضارة بل حضارات ، فساعدت حضارة اسيا الصغرى الاتراك فى التربع على قمة امبراطورية الخلافة العثمانية ، واليوم فى مقدمة لا تستهان بها . قوة الايرانيون اليوم ، ايها السادة والسيدات ، تستند على خلفية الحضارة الفارسية ، رغما ان العرب كانوا قد دمروها يوما ، ودخلوا ايوان كسرى وعاثوا فيها فسادا ،فاليوم ، هم قوة اقتصاية وصناعية وعسكرية عالمية. والامر ينطبق ايضا على الحضارة الفرعونية ، ومصر اليوم. والصينية ، وصين اليوم. واليابانية ، ويابان اليوم . والهندية ، وهند اليوم. وبين النهرين ، وعراق اليوم. هل تعلمون ان كلمة ايثيوبيا تعنى فى المراجع التاريخية ، بلاد النوبة . وان كلمة السودان ، تعنى ايثيوبيا. وان النوبة ، تعنى ارض الذهب. اذن ايثيوبيا والسودان والنوبة ، انما مترادفات دلادلية لكلمة وارض وحضارة واحدة. لكن ثمة حضارة عظيمة ازدهرت وما من اثر ظاهر على اصحابها تدل على ريادتهم يوما ، مهملة لا يتطرق احد لذكرها الا فى سياقات لا تثير التساؤلات والاستنكارات ، او تتطلب التزامات . انها حضارة وادى النيل ، حضارة النوبة ، حضارة شمال السودان ، حضارتنا نحن . لأين ذهبت مكانتها وبريقها؟، وهل تتربع ما تليق بها من مكانة ابدا؟ ، اين اثرها علينا اليوم ؟ ، وهل تكفى ما تسلط عليها من اضواء لاظهار بريقها ؟ ولماذا لم تتمكن رغما عن خلفيتها الباذخة ، من المساهمة فى التعامل مع مشكلات السودان المعاصرة ؟ ، بل الى اين ذهبت يا ترى ؟ واين تكمن العلة؟ رغما عن كل ذلك ، فما تفتأ التاريح من ارسال اشارات ودلالات قوية بين الحين والاخر ، ولا تجد ما تستحق الاستجابة. فالاهرامات والاثار التى تنخرها وتعريها الرياح عاما بعد عام ، انما مجرد احجار لا تعنى لنا شيئا. ومصطلحات الزراعة والرى ، الغريبة على العربية ، لا تحمل لنا اى دلالات ، ولسنا معنيون بالبحث فيها على كل حال. ومسميات قرى ومدن الشمال ، من الغرابة بحيث يكون من العبث ، البحث لها عن معان فى لغة الضاد. والحقيقة الثابتة بان الاعداء كانوا ياتوننا على مر التاريخ من الصحراء ، ومصب النيل ، وليس خلافهما ، وما من سبب تجعلنا مصممين على ان اعداؤنا المعاصرون ، انما يقبعون فى حوضه ومنابعه. والثائر المك نمر ، فى سبيل صون كرامته ، لم يهرب الى بلاد العرب ، بل أدار ظهره لمصب النيل ، مكمن الخطر ، وإتجه صوب المنابع. فتأملوا ,,,,, فقط تأملوا.. نؤكد لكم ايها السادة والسيدات ، ان العلة الاساسية تكمن فينا نحن الشماليين ، وفى هويتنا المزيفة تحديدا . لم تتم هجرات كبيرة واستثنائية للسودان كما نحاول يائسين ، الترويج لها ، ولا بالسعة التى تمكنها من احداث تغيير جذرى فى التركيبة الاثنية لامة ضخمة ، وارض وسيع ثرى ومتنوع ، كبلاد السودان ، بل لا يمكن لهذه الهجرات المحدودة ، ان تحدث ضمورا وتغييرا وتبديلا وتدميرا ، فى حضارتنا الاصلية كما يبدوا الامر ، ونصوره نحن ونروجه ونصدقه . فالتزاوج بين المهاجرين العرب والنوبة ، الذى نتعلق ، ونحمله اكثر مما تحتمل ، ايضا تم على نطاق محدود ، بحيث لم تؤثر تأثيرا ملموسا فى تركيبة قبائل الشمال ، والدليل ظاهر ، من غياب الادلة . اما الزيجات ، فقد كانت زيجات مصلحية محدودة ، كتزاوج التجار الشماليين من القبائل الجنوبية كالدينكا. والدينكا ، رغم ذلك مازالو دينكا. او تزاوج القبائل الشمالية نفسها بعضها بعضا. فالجعليون ظلو جعليين ، والشايقية ، شايقية ، والمحس محس ، والحلفاويون حلفاويون ، وباقى القبائل ظلت كما هى حتى عرب الشمالية ظلوا عربا ، ويطلق عليهم الى اليوم عرب !!! ، واحيانا ( زوارة) ولا يملكون اراض ولا اطيان ، ويفضلون الصحراء على المدينة !!! اذن ما حقيقة الاثار والاهرامات والتماثيل ؟ واين اصحابها ؟ ما تم فى شمالية السودان ايها السادة والسيدات ، انما انقلاب وتبديل للهوية ، وتماه ، مع بعض تجار غرباء اثرياء مثيرين للاعجاب ، فهؤلاء المهاجرين والمغامرين فى الاساس من اجل التجارة وجمع الثروة تزامنا مع انتشار الدين الاسلامى الجديد وتكسبا من واقعه وزخمه . فنحن من اتخذنا قرارنا باعتناق الاسلام ، واعتناق العروبة ايضا ، ليجعل لنا الافضلية والاسبقية على الشعوب السودانية التى من حولنا ، والتى ستدخل الاسلام لاحقا ، وان طال الزمن . المنطق المعوج الذى نتشبث به ، لا ينطبق ولا ينطلى الا على السودانيين ، بغرض الاستهلاك والتوظيف المحليين ، ومن سلبياته علينا ،،،، انه يضعنا موضع تشكيك دائم فى هويتنا - اولا ، ويسبب لنا مشاكل داخلية نحن فى غنى عنها - ثانيا ، ويعرضنا لسخرية الامم الاخرى - ثالثا ، ولا يشجع على اظهار وتطوير المكون الثقافى المحلى - اخيرا. هل تعتقدون ان العنف المفرط فى كل من الجنوب ودارفور ، آت من فراغ ؟ هل تعتقدون ان تهيئة القبائل الناطقة بالعربية وتسليحها لمواجهة الناطقة بغيرها بعيدة عن مسالة العروبة ؟ الا تعتقدون ان الكراهية والاستبعاد والاستعباد التى مورست فى وجه الكثير من القبائل السودانية لا تستند على خلفية الهوية ؟ الا تعتقدون ان ما يدور فى مجالسنا من التحقير ، والاوصاف العنصرية التى تطلق على باقى السودانيين ، لا تتعداها الى اجراءات اقصائية فى سلك الدولة؟ تأملوا ايها الاخوة والاخوات ، وكونوا صادقين مع انفسكم ، وستنتهون الى نتائج مذهلة . نحن اصحاب حضارة النيل التى سادت خلال الحقب المظلمة من التاريخ ، ولكننا نتفادى اليوم مجرد الاشارة اليها ، وان اضطررنا ، نفعلها على استحياء . فلدينا حضارة مرموقة ، متميزة ، فريدة ، باذخة ، ومدعاة للفخر بشهادة العالم ، ولكننا نتعمد طمرها ، بل وتدميرها فى بعض الحالات . لماذا ؟ ،،،، لانها لا تنسجم مع هويتنا الجديدة ، وكوننا عرب. نعم لا تنسجمان ، ويجب الا تنسجمان ابدا. رايتم كيف ان المصريين يشتموننا ، ولا يعتبرون ان لنا حضارة فى الاصل ، فيتسالون ، ويسخرون من كوننا ندرس مادة التاريخ فى المدارس ، (ليس لكم تاريخ ولا حضارة ، فماذا تفعلون فى مدارسكم ؟ ، هل تدرسون مادة التاريخ ؟ واى تاريخ ؟، اظنكم تاخذون تاريخنا لتدرسوها هناك ، فليس لديكم شيئ ). لماذا ؟.. لاننا نتعمد ونتمادى قتل ماضينا ، ودفنه ، والحياء منه ، بينما تعلم غيرنا من الامم ، الاعتراف والافتخار بحضارتهم كالفرعونية والفارسية والاغريقية والهندوسية والمايا والانكا ، بل يستثمرون ، ويقتاتون عليها . شراكتنا واحقيتنا فى الحضارة الفرعونية مع المصريين ، شراكة حقيقية ، شراكة ندية ، بكتوف متساوية ، يقبلون بذلك ، ام لا يقبلون ، فذلك شأنهم ، ففى الواقع ، لا يعترفون ابدا بحقيقة وجود اهرامات اخرى فى السودان خلافا لاهراماتهم السبعون ، فآخر ما يحتاجون اليه ، ان يقاسمهم سودانين او خلافهم ، الاضواء والمجد والحضارة. فهم يعلمون ، ولا يظهرون ، ولا يقرون ان الاهرامات والاثار السودانية اكثر قدما من امتداداتها المصرية وان الفكرة بدات من السودان ، وليست من مخلوقات فضائية ، حسب ما يحاولون ترويجها. وبمثلما تخلينا عن نصيبنا من مياه النيل ليستغله المصريون . تخلينا ايضا عن زخم الانتماء للحضارة الفرعونية ، فانفردوا بها واصبحوا روادا عالميون . ولعقود طويلة وضعوا المتاريس امام ظهور حضارة السودان القديم ، وما زالوا. ويحطون من همم البعثات السياحية الاثرية ، وكنا خير معين لهم ، على وضعنا فى ركن قصى. لاننا نعف ، ونتقزز من مثل هذه الاشياء ، وذلك صميم ما يحتاجون . لماذا ؟ وكيف تمت ذلك ؟ ببساطة ،، نحن لانريد هذه الحضارة ،، نستحيى منها ، نتبرأ منها ، نهملها ، نساعد على تهريب اثارها ، فنحن عرب وعرب العرب ، ويجب الا تشرفنا ، ولا ينبغى لنا اقتناء مثل هذه الاشياء ، ففكرة العروبة حسب ما رسخ فى ذهنيتنا ، لا تنسجم مع الاهرامات . ويجب الا تنسجمان على الاطلاق ،،، فالاهرامات رمز الحضارة والاصالة ، والعروبة رمز للتخلف والعدوانية. وشتان ما بين الحضارة والبداوة. من هنا ،، قمنا بقذف حضارتنا الذاخرة ، واعتبرناها مخلفات قوم اخرين ، ففضلنا عليها مفاهيم البادية بدلا عن المدينة ، ورعى الاغنام بدلا عن انظمة الرى العريقة ، والعدوانية بدلا عن العلم والسلام. لا الاهرامات ، ولا الاثار ، تشكلان لب القضية. الموضوع الاساسى هو حياة الزيف التى نعيشها ، وعقدة العار التى يخشى منها الافتضاح ، وعقدة الدونية التى تتقمصنا ، مما تستدعى الصغار امام العرب ، وما يترتب عليهما من اهدار للكرامة والعزة الوطنية . هاتان العقدتان هما المسئولتان عن حالة التخبط والسادية والحقد الذى يعشعش فى صدورنا ونرتكب افظع الجرائم بدم بارد ، ونمارس الظلم البين ، وننافق ونظهر اوجها عديدة ، ونتملق ، ونظهر كشخصيات حربائية . فشلت الاديان تهذيب سلوكنا ، وطوعنا الاعراف لتخدم انتهازينا بمنتهى الوقاحة وقوة العين ، فنمارس الاضطهاد على من دوننا ، ونظهر الانكسار والوضاعة على من هم فوقنا ،،، انه لتجسيد جلى ، لسيكولوجية الانسان المقهور. فعقلنا الباطن يجعلنا نجفل من اى اشارة قد تعيدنا القهقرى ، الى عهد الهزيمة المنكرة التى ألمت بالحضارة النوبية ، امام العروبة ، ومهانة اتفاقية البقط ، واذلال الأرجل والخيول العسكرية ، التى لا تمر الا فوق كرامتنا ، جيئة وذهابا. تماهينا مع اتفاقية البقط ، ولم نقاومها ، والتزمنا به ، فبدلا عن التصدى فضلنا الاتباع ، فمهدت طريقا وسيعا ، واوجدت سابقة انكسارية لتنتقل جرثومتها من جيل الى جيل ، فخلفت ، للتماهي مع الاتراك ، فقلدناهم فى مأكلهم ومشربهم ولباسهم ، ومع المصريين ، والانجليز ، وماساة مرة مع الثورة المهدية ، وفى كل مرة ، ، تزيد هويتنا انكسارا على انكسارها . والان ، نحصد ثمار الزيف ، وكيف ارتدت علينا ، وكيف اذينا انفسنا ، واذينا الاخرين . فمن يرض بالذل مرة ، يرضه المرة تلو الاخرى. فتخلينا عن ثلث ارضنا ، وثلث شعبنا جنوبا ، ومهدنا الطريق لكل من دارفور ومناطق اخرى ، فأن نتخل عنها الان ، فقد تخليناعن عظمتنا ، وحضارتنا الفرعونية من قبل ، ومعها مياه النيل. (بل وتتردد اخبار ان المصريين يطمحون فى الحصول على مساحات من ارضنا الزراعية)!! فان نستحى من اهل الهامش ونقول انهم لا يشبهوننا ، فقد استحيينا من قبل من الاهرامات والمعابد والكنائس التى كانت تعمر الشمال النيلى. وأن نهمش ونحارب اللغات والمكونات الثقافية السودانية الأخرى ، فقد حاربنا من قبل لغاتنا النوبية الاصيلة ، وعجلنا الخلاص منها واستبدلناها بالعربية ، ونسبنا انفسنا الى اليهم. كراهيتنا لباقى السودانيين تنبع من حقيقة انهم مرآة محبطة لنا ، نرى فيها اوجهنا دون مساحيق ، فهم يذكروننا باصلنا ، ويفندون عروبتنا ، ويكشفون عورتنا التى نجاهد فى اخفاءها ، لذلك نكرههم ، ويجب ان نكرههم ونستمر فى كراهيتهم ، حتى ان لم يقولوا شيئا ، فوجودهم الى الجوار يستفزنا ، وكراهيتهم ومقتهم واحتقارهم تثبت لنا اننا مختلفون عنهم ، واننا افضل منهم ، واننا بالفعل عرب ، وان يذهبون ،، فليذهبوا الى الجحيم . هذه العقدة ، هى المسؤولة عن بكائنا على معاناة الفلسطينيين وذرف الدموع السخينة امام الكاميرا لمقتل الطفل الفلسطينى عماد الدرة وتخليده فى اناشيدنا ، وغض الطرف عن مقتل صغارنا فى دارفور والجنوب وجبال النوبة . هذه العقدة ، هى المسؤولة عن التضييق على الجنوبيين فى حلهم وترحالهم الى ان ضاقوا بنا ذرعا وذهبوا بعيدا . هذه العقدة ، هى المسؤولة عن تولى ظهرنا للقارة الافريقية ، وتفضيل تمكين علاقاتنا مع شعوب اخرى لا تشاركنا المصلحة ولا الجوار ولا المصير المشترك. هذه العقدة ، هى المسؤولة عن تنامى العنصرية وتفضيل العقاب الجماعى والتشفى فى المجتمع السودانى الشمالى . وهى ايضا المسئولة عن تحملنا الاذلال والعدوان اللفظى ، وغيرها خارج السودان ، دون سعى دولتنا لرد الاعتبار . هذه العقدة ، هى المسئولة عن الحلب والقمحيين ، فهم لونيا اقرب الى العرب منا ، اذن فهم مهدد جدى لبرهن للهثنا لبرهان اصالتنا فى العروبة . هذه العقدة هى التى تقف خلف تبرؤنا بنفور ، من الاحباش والارتريين والقبائل البجاوية ، رغم تشابهنا معهم ، فهذا التشابه فى حد ذاته مشكلة ، فبينما نندفع نحو العروبة ، فإن هذه الاثنيات تنحو بنا الى وجهات خاطئة. هذه العقدة ، هى المسئولة عن قتل اللغات السودانية والتضييق عليها ، تعجيلا لزوالها. ( الاعلامى الكبير حسين خوجلى ، قال انه يتمنى ان ياتى اليوم الذى يختفى فيه كل هذه الرطانات) وهذه العقدة ، هى المسؤولة الاندفاع غير العقلانى نحو تطبيق الشريعة الاسلامية ، فمع تطاول الامد انتظارا لجيل من الاعراب ، تعطف علينا ، وتقبل بنا ، عجلنا بتطبيقها دون اقتداء بتجارب سابقة ، ففشلنا ، فالغاية لم تكن الشريعة نفسها ، بل كانت تحمل فى احدى اوجهها رسالة للعرب ، باننا يمكن ان نات لهم بشيئ لم يتمكنوا هم انفسهم من الاتيان به . اذن الشريعة اتت فى سياق سعينا لتسنم العروبة ونزع الاعتراف منها ، كاحدى القرابين العديدة ، تلكم القرابين التى عزت على العرب انفسهم الاتيان به. ، كانت احدى ردود الافعال على حقيقة ، اننا دون العرب ، وفى موضع صغار مذل امامهم ، وحاجة دائمة لاثبات اصالتنا فى مجلسهم ، هى محاكمة تلك المجرمة الكبرى !! ، المذنبة ، المدانة ، التى حللنا ضيوفا فى دارها (نعتقد اننا اتينا من خارج السودان ) ، وحتى وإن لم ترتكب ذنبا فى حقنا !!! انها الهوية الافريقية السودانية ، تلك الام القوية ، العنيدة ، الصبورة علينا عمايلنا ، فهى عورة كغيرها من العورات و ينبغى اخفاءها ، ويجب يساعدنا ويتواطأ ، الاعلام ، والتمثيل الخارجى ،، معنا فى اتمام المهمة ، والتلفزيون السودانى ، دفع ثمنا باهظا ، فى سمعته ومصداقيته ، بعدان اتخذناها آلة من آلات هدم وإخفاء العار الافريقى السودانى . واليكم المزيد من العجائب السودانية ، التى تنتجها عقلنا الجمعى المريض ،،، فاللاءات العربية الثلاث ، صدرت من الخرطوم. استبدلنا علم استقلالنا بعلم جامعة الدول العربية. العرب يدخلون ويخرجون ويهددون بتفتيت الجامعة ، ولكن هذه الجمعية اهم بالنسبة لنا من السودان نفسه. (الاصيلون من العرب كونوا تجمعا اخر لتفادى المزيفين كالسودانيين ، وسموه مجلس التعاون الخليجى) ومن اجل سواد عين العروبة ، فقد جعلنا القضية الفلسطينية ، والقدس ، قضيتنا الاولى . تماهيا مع العروبة ، فقد ختمنا جوازات سفر مواطنينا ، بعبارة عجيبة (كل الاقطار عدا اسرائيل). يعانى مواطنينا فى الدول العربية ، والمفترض الا فرق بيننا وبينهم ، من التحيز والعنصرية ضدهم . وحتى اقتصاديا ، فعبقريتنا توصلت الى تحديد مثلث من ارضنا ، اسميناه المثلث العربى ، تستهدف بالنماء وبضخ الاستثمارات حصريا وتهمل باقى الوطن . وفى ظاهرة غير مسبوقة عالميا ، انشأنا منبرا مكرسا كل امكاناته لتقسيم الوطن سعيا ، لابعاد العار الافريقى منه. مقابل كل المساحيق التى نضعها على وجوهنا تقربا ، فان العرب الاصليين انفسهم يعانون انتهاك الكثير من المسلمين الاعاجم لهويتهم ، ونحن منهم فالسودانيين والمصريين والشوام والترك والصوماليين والقمريين والفولانى النيجيريين والاندونيسيين وبعض الهنود ، المدعيين للعروبة ، يعتبروا خصما من رصيد الاصالة العربية ، وانتهاك لها (وهذا رأيهم ، وليس برأينا). والكثير من العرب المزيفين مثلنا لا يكتفون بمجرد تقمص العروبة ، بل يتطاولون حتى بالانتساب الى البيت النبوى والعباسيين ، سعيا لإخراس الالسن المنتقدة ، وسبقا نحو الافضلية . (غازى سليمان المحامى ، اربك الاعلامى المتمرس فيصل القاسمى ، مقدم برنامج الاتجاه المعاكس ، وضيفه ، عندما فاجأهم على الهواء مباشرة ، بانه عربى !!! وهاشمى كمان). عقدتى الدونية والعار مرضين نفسيين معروفين جيدا لعلماء النفس ، فهى تحطم روح الاقتحام ، والابتكار ، وتقلل من الثقة بالنفس ، ومن ظواهرها التردد ، والتقليد ، وسوء التخطيط ، وعبثية التثمين ، وضعف الشخصية ، والكذب ، والنفاق ، وضعف الالتزام بالقيم ... لو كانت كل هذه العقد مجتمعة فى شخص واحد ، لكان ممن يطلقون عليهم ، غريبى الاطوار ، مهووسا ، وربما مجنونا ، ولكان عليه ان يعاود طبيبا نفسانيا متمرسا ، يجب ان نعترف اننا امة مريضة ، وسلوكنا غير سوى ، ونرجو معالجا نفسانيا واجتماعيا ، ونلح فى البحث عن الشفاء !! فهل من شفاء؟! قطعا نعم ، بالاعتراف بالمرض (مرض العروبة ) اولا ، والعودة الى الاصول والاعتراف بالنفس ، والقبول به ، كما خلقها ورضى بها الله ،، دون رتوش ، ولا مساحيق ، ولا محاكاة ، ولا تماهى ، ولاتوابل ، ولا تقمص ، ولا استحياء. ومن ثم اعادة نبش ما طمرناه ، واخفيناه ، والقيناه ، من مقتنيات وقيم وسلوكيات . ولنفسح المجال الان ، للاطباء النفسانيين ، والخبراء الاجتماعيين ، ليقوموا بعملهم ، ويدلون دلوهم. لقد خرب السودان ، بخراب عقل الشمال ، ولن يأت صلاحه الا بصلاحه ، وذهاب زيفه ، وتوازن ذاته . فبانتماءه الى نفسه ، والنهوض لاستعادة كرامته المهدرة من وحل العروبة القذر ، والانسجام مع محيطه السودانى وريادته ، يكون قد استلم ذمام المبادرة ، واستعاد دوره وفعاليته التاريخية. فالشمال لا يحتاج الى العروبة ، والهوان لاجلها ، فهى ليست بتلك القمة فى سلم التطور ولا حتى قريبة منها ، ان لم تكن حضيضها ، فنحن من هو اقرب لتلك القمة منها ، فلدينا من ماض السودان ، ما يعزنا ، وما نقدمه ، ونفتخربه ، ويحتفى بنا العالم كله. لا ندعوا الى حرب ضد اللغة العربية (تلك عقدة اخرى) ، فتظل العربية هى لغتنا الرئيسية ، لكن رجاءا ، ابعدوا عنا القاذورات البدوية وثقافتها ، فلسنا فى حاجة اليها ، ولا احد يحتاجها ابدا ، واعيدوا لنا شخصيتنا الاصلية ، واعترفوا بحقنا فيه ، واحدثوا فيها من الترميم ما يجعلها قابلة للحياة والعطاء ، كغيرها من الحضارات. (هناك اسطورة تحكى ان تنينآ عملاقا ، هبط من السماء ، ووضع بيضتين فى رمل شاطئ النيل ، ففقستا بعد حين ، وخرج منهما كائنين ، اتجه أحدهما مباشرة الى النهر فاصبح تمساحا عملاقا مسيطرا يعيش على الاسماك والابقار ، والاخر جفل عكسيا موليا ظهره للبحر ، فأصبح ورلا ، هائما فى الصحراء ، يعيش على النمل والحشرات وجيف الطيور النافقة ، فتسخر من هيئته وعيشته وتعبث به الضباع والثعالب والكلاب ). ابراهيم الجعلى. اغسطس 2011 المراجع : تاريخ السودان – نعوم شقير سيكولوجية الانسان المقهور – د حجازى ازمة الهوية فى السودان – د الباقر عفيف ABDULEHANI NINMIR [[email protected]]