في الأنباء التي لم تنف حتى الآن أن شباب حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذين كانوا محتشدين في مؤتمرٍ لهم، قد استقبلوا خبر وفاة الفنان المبدع زيدان ابراهيم الذي أذيع عليهم أثناء إئتمارهم بالصفير والتصفيق بصورة أعادت للأذهان مشهد صعاليك السينما من جمهور الترسو وما أدراك ما جمهور الترسو وأفلام الترسو حين كان للسينما سطوة وغلبة وامبراطورية غابت عنها الشمس، وجمهور الترسو لمن لا يعرفونه من الأجيال الطالعة الذين شبوا في أزمان تقهقر السينما وانحسار بريقها وخفوت بل تلاشي جاذبيتها، هو جمهور يتكون من حرفيين بسطاء كالمكوجية والغسالين والعتالين والمكنيكية وغيرهم مع احترامنا لكل هذه المهن، اضافة الى العطالى والمتبطلين والمتسكعين والنشالين والمنحرفين والطلاب المهملين الذين يكرهون الدراسة ويتهربون من المدارس ويتهيأون للانحراف، كانت تلك هي التركيبة العجيبة التي يتألف منها هذا الجمهور الذي يعشق أفلام زورو وسوبرمان وكل أفلام العنف والآكشن الى جانب أفلام العري والخلاعة والغنج، كان هذا الجمهور الفوضوي جاهز دوماً للتصفيق لأي مشهد عنف ينتهي بلكمة قوية تسقط الخصم أرضاً وهو دائماً مغرم بالبطل ونظرية البطل المعشعشة في ذهنية مواطن العالم الثالث عموماً والعربي خصوصاً، وكذلك يكون جمهور الترسو على أهبة الاستعداد للصراخ المتشنج والصفير الحاد مع كل لقطة ماجنة لممثلة لعوب تتثنى في مشيتها أو تكشف عن ساقيها أو ما دون ذلك من مشاهد ساخنة في غرف النوم المغلقة…. ذاك كان هو جمهور الترسو بزعيقه وصفيره وتصفيقه، كنا قد نسيناه ولم يعد يذكره أحد بعد ان لم يعد للسينما أي ذكر، ولكن لأن الشيء بالشيء يذكر فقد أعاد لنا بعض ولا نقل كل شباب المؤتمر الوطني ذكراه بالفعل الذي جنته ايديهم وأفواههم تصفيقاً وصفيراً عند تلقيهم خبر وفاة الفنان زيدان بينما كان المأمول منهم في مثل هذه الحالة أن يقفوا دقيقة حداداً أو يصمتوا وهم جالسين أو أن يقرأوا على روحه الفاتحة ويرفعوا اكفهم بالدعاء له بالرحمة والمغفرة أو حتى أن لا يكترثوا للخبر أصلاً، ولكن أن يصفقوا ويصفروا لخبرٍ كهذا فذلك هو المحير في الأمر، فحتى جمهور الترسو لم يُعرف عنه أنه كان يصفق ويصفر في مثل هذه الحالات، ولو أنهم مثلاً فعلوا ما فعلوا وهم يتلقون خبر وفاة مالك عقار أو أي من الذين يبغضونهم بشدة هذه الايام لالتمسنا لهم العذر رغم أن الموت ليس حدثاً يصلح للشماتة أو التشفي فلا شماتة في الموت وانما عزاء وعبرة، ولا ندري ما الذي جناه الراحل زيدان وأوغر صدور هؤلاء الشباب لكي يستقبلوا خبر وفاته بالصفير والتصفيق تعبيراً عن الفرح والسعادة فلا معنى للتصفيق سوى ذلك، والموت حدث جلل وعظيم يهز النفس الانسانية بصرف النظر عن أي اعتبارات أو اتفاق او خلاف، ولكن ماذا نقول وهل نعاتب هؤلاء الشباب إذا كانوا هم أنفسهم بمثل هذه التصرفات غير المعقولة ضحايا لما يسمى بالمشروع الحضاري الذي آل الى محض كذبة كبرى واستحال الى مشاريع دنيوية وملذات آنية ومكاسب مادية..