لم نكن نرجم بالغيب- حاشا لله- عندما أعلنا تفاؤلنا باللقاء السوداني- السوداني الذي انعقد في الخرطوم بين وفد حكومة السودان ووفد حكومة جنوب السودان وسبحنا عن قصد ضد تيار المشائين بالفتنة الذين حاولوا التشويش على زيارة وفد حكومة جنوب السودان بقيادة الفريق سلفاكير ميارديت للخرطوم وزرعوا الغام الكراهية والحقد والتشكيك لإفشال المفاوضات التي أكدت أن أهل السودان أقدر على معالجة خلافاتهم إذا أخلصوا النية وحزموا أمرهم. هذا يؤكد أيضاً أن مشاكل السودان الباقي قابلة للحل السياسي السلمي إذا وضعناها في إطارها السليم بدلاً من حشرها في تصنيفات مسبقة فشلت من قبل في جعل خيار الوحدة بين الشمال والجنوب جاذباً، ومازالت الفرصة مواتية رغم حدة الاستقطاب السياسي التي عادت من جديد لتحقيق هذا الحل السياسي السلمي الذي يتطلب معالجة أسباب التوترات بدلاً من تعقيدها وافتعال معارك في غير معترك وفتح جبهات جديدة للمرارات والأحقاد. نقول هذا ونعني ضرورة تكثيف الجهود من أجل أطفاء الحرائق التي انتقلت إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق واستكمال سلام دارفور وتعزيز الحوار بين حزب المؤتمر الوطني “الحاكم” وبين الأحزاب المعارضة ليس بهدف المشاركة في الحكم وإنما لتحقيق الاتفاق القومي حول الأجندة الوطنية التي يمكن أن تكون أساساً للتنافس السلمي على السلطة ديمقراطياً. إن الفتنة التي يسعى البعض لتأججيها لن تخدم السودان الباقي ولا الإسلام الذي لم يسلم من أخطاء التطبيقات السياسية الشائهة التي ضحت بابناء الجنوب بما فيهم المسلمون وقطاعات كبيرة من المواطنين المسلمين أيضاً إلى خانة المعارضة السياسية، لذلك ظلنا نقول دائماً وأبداً أن المشكلة سياسية والحل سياسي ولا داعي لحشر مشاكلنا في قوالب تفرق بين أبناء الوطن حتى جعلتهم يرتدون إلى قبائلهم في محاولة للاستقواء بها في النزاع حول السلطة والثروة. مرة أخرى إننا نبارك الاتفاق السوداني السوداني الذي تم بعيداً عن الوسطاء، وفي قلب الخرطوم بين حكومة السودان وحكومة جنوب السودان ونرى أنه لا مخرج من الأزمات والاختناقات القائمة والكامنة إلا عبر الاتفاق القومي الذي نراه ممكناً إذا خلصت النوايا وجد العزم لأنه إذا استمرت السياسات القديمة بذات وسائلها وآلياتها فإنها ستدخل الوطن والمواطنين في ظلمات سياسية واقتصادية وأمنية لن يسلم منها أحد.