لقد حملت لنا المنابر الصحفية خلال الأيام الماضية المزيد من أنباء فساد طغمة 'البدريين‘، التى لم تتوقف يوما، لأن توقفها يعني ببساطة أن الشعب السوداني قد إنعتق تماما من تسلط وظلم ووحشية دولة الفساد و الإستبداد. لكن أنباء فساد قادة الدولة الرسالية قد إختلفت هذه المرة لأنها تتعلق بأحد أكبر المتنفذين بدولة التوجه الحضاري، أحد مستشاري رئيس الجمهورية، القيادي البارز بالمؤتر الوطني، ومدير جهاز الأمن السابق، السيد قطبي المهدي. الخبر يقول بأن سيادته قد قام بإبلاغ الشرطة بسرقة ما يعادل 200 مليون جنيه سوداني من منزله، من مختلف أنواع العملات، الصعبة و'الهينة‘، بما فى ذلك الليرة السورية…فتأمل! وقد كشفت الأنباء كذلك بأن المتهمين فى تلك القضية هم خليط من العاملين فى الأجهزة النظامية وتجار العملة. لا أود الخوض الآن فى نوعية هذه الجريمة، أو فى طبيعة العلاقة التى تربط السيد قطبي بتجار العملة و مجرمي الأجهزة النظامية، لأن هذه العلاقة معروفة منذ أن قام هؤلاء الأبالسة بسرقة السلطة الشرعية فى ليل بهيم من ليالي شهر يونيو من عام 1989م. وأن تلك العلاقة لا تتجاوز فى حقيقتها الوصف الدقيق لأسامة بن لادن لطبيعة الدولة الرسالية فى السودان بأنها، “ليست سوي خليط من الدين و الجريمة المنظمة”، والذى أسهبت فى تحليله فى مقال سابق. لكن ما أود أن أتطرق له فى هذا المقال هو إكتناز السيد قطبي المهدي 'للذهب والفضة‘ فى منزله الخاص، وعلاقة ذلك بمرضي القلب من أطفال السودان. لقد شاهدت حلقة يوم الجمعة الموافق 7/10/2011م من البرنامج الناجح 'صحة وعافية‘، والتى كرست لمرضي القلب من الأطفال. إستضاف البرنامج إثنان من أخصائيي أمراض قلب الأطفال بمستشفى أحمد قاسم بالخرطوم بحري. وقد تحدثا حديثا يدمي القلوب عن التكلفة الباهظة لعلاج المرضي من أطفال السودان، و التى لا يستطيع تحملها كل الفقراء و المعوزين من آباء و أمهات أولائك الأطفال. لقد ذهبت الدكتورة المشاركة فى البرنامج بعيدا فى وصف حالة مرضاها من الأطفال ، و تجاوزتها لتصف لنا، وبصورة أكثر ألما، حالة آباء و أمهات أولائك المرضي، الذين يرون أطفالهم يموتون أمام أعينهم، فى الوقت الذى يمكنهم فيه إنقاذ حياتهم، لو توفرت لهم الموارد المالية الضرورية لتغطية تكاليف إجراء عملية القلب المفتوح بمستشفى أحمد قاسم. وقد ناشدت السيدة الدكتورة، وعينها تكاد تدمع، ذوي القلوب الرحيمة من ميسوري الحال بأن يتبنى كل منهم طفلا واحدا من أولائك التعساء، ويتحمل تكاليف علاجه، موجهة الدعوة لهم لزيارة المستشفي و الإطلاع على قائمة الإنتظار، ليختار كل واحد منهم ما يناسبه من الأطفال. وقد ذكرتهم سيادتها كذلك بالأجر و الثواب الذى سينالونه جراء ذلك، و الذى سيفوق كثيرا قيمة الأموال التى سينفقوها فى علاج أولائك البؤساء من الأطفال الفقراء. لقد جال بخاطري عند سماعي لهذه المناشدة الجرائم العديدة التى إرتكبها قادة الدولة الرسالية فى حق الشعب السوداني، ولكنني تذكرت بالأخص مستوى الخدمات الصحية التى كانت تقدم بالمجان قبل إنقلاب الإنقاذ المشؤوم، ليس بالنسبة للأطفال فقط، وإنما بالنسبة لجميع السودانيين، وفى جميع أنحاء البلاد. وبأنه لولا مجانية ذلك العلاج ربما 'إنقرض‘ بعض قادة الدولة الرسالية جراء بعض الأمراض الفتاكة، لأن معظمهم كان يعاني حالة الفقر المدقع والفاقة، التى لن تمكنهم من دفع تكاليف العلاج الباهظة التى فرضوها على الفقراء من أطفال السودان، لحظة إرتكابهم جريمة إلغاء العلاج المجاني فى البلاد! ولكن أكثر ما علق بذهني، عند سماعي لتلك المناشدة هو مبلغ ال200 مليون جنيه التى إكتنزها السيد قطبي المهدي بمنزله، وكم من أؤلائك الأطفال البؤساء كان من الممكن لسعادة المستشار تبنيهم، لو قدر له سماع ذلك النداء؟ لقد قدر أولائك الأطباء تكلفة عملية القلب المفتوح بالنسبة للطفل الواحد ما بين 7 الى 9 مليون جنيه. ولو أخذنا 8 مليون كمتوسط لتكلفة العملية الواحدة، فإنه كان بإمكان السيد قطبي تبني 25 طفلا للعلاج من قائمة الفقراء الذين تضمهم قوائم مستشفي أحمد قاسم، وبالتالي إنقاذ حياتهم، وفى نفس الوقت إدخال السعادة الى قلوب 25 والد ووالدة، يموتون عشرات المرات وهم يرون أطفالهم يختطفهم الموت من أمام أعينهم، فى الوقت الذى يقفون فيه مكتوفي الأيدي، عاجزين عن دفع تلك التكلفة، ولا حول لهم ولا قوة، نسبة لضيق ذات اليد…فتأمل! وكنت كذلك أفكر فى كيف ستكون الحالة الذهنية و النفسية لسعادة المستشار، لو قدر له سماع تلك المناشدة، وهو يكنز مبلغا من 'الذهب و الفضة‘، كان يمكن أن ينقذ حياة 25 طفلا من فقراء الشعب السوداني، وهو يحتفظ به كمصاريف بيت فقط داخل منزله؟ ولكنني كنت أفكر بالأخص فى كيف ستكون حالته، وهو يستمع لنصيحة الدكتورة فى الأجر والثواب الذي يمكن أن يجنيه حال تبنيه أحد أولائك الأطفال؟ وهو الذى أصم آذاننا، ولا يزال، مع بقية رفاقه الميامين من قادة الدولة الرسالية، بأنهم ما أتوا الى السودان إلا ليتمموا مكارم الأخلاق، ويطهروا أرضه من رجس الشيطان!! إذن ماهو الحصاد الفعلي الذي جناه السودان وشعبه وهو يرزح لأكثر من عقدين من الزمان تحت حكم عصابة، هي 'خليط من الدين و الجريمة المنظمة‘ من قساة القلوب؟ الحصاد المر لتلك السنوات العجاف يتمثل فى الآتي، على سبيل المثال لا الحصر: - يموت المواطنون من المرض لضيق ذات اليد، جراء إنهيار الخدمات الصحية والقضاء على مجانية العلاج بالمستشفيات الحكومية، وقادة الدولة الرسالية، وأفراد أسرهم، يتلقون العلاج فى أفضل المستشفيات فى الخارج، ومن أموال دافع الضرائب. - يموت المواطنون من الجوع و المسغبة وقادة الدولة الرسالية يرفلون فى رغد العيش. - قام قادة الدولة الرسالية بنهب ثروات البلاد ومواردها ثم كنزوا الذهب و الفضة فى منازلهم الفخيمة. - إنهيار النظام التعليمي فى البلاد وأبناء قادة الدولة الرسالية يتلقون تعليمهم فى أرقي المؤسسات التعليمية فى الخارج. - تفكك النسيج الإجتماعي،و إنهيار قيم المجتمع السوداني، جراء السياسات الرعناء و المتهورة، بل والخاطئة، التى طبقها قادة الدولة الرسالية على المواطن السوداني، وكأنما السودان حقل تجارب ليس إلا. - إمتلأت دور الأيتام و المؤسسات الخيرية باللقطاء، ومجهولي النسب، فى ظل حكم وأحكام قادة الدولة الرسالية. - إحتكار قادة الدولة الرسالية، ووكلائهم من الطفيليين، للسلع الضرورية، وبيعها للمواطن الفقير بأغلى الأثمان، تحت شعار التحرير الإقتصادي الكاذب. - المتاجرة بالدين، وإرهاب المواطنين بإسمه، وممارسات قادة الدولة الرسالية تدل على أنهم أبعد خلق الله عن ما حث عليه الدين الإسلامي الحنيف من مكارم الأخلاق. - إنتشار المخدرات بين الشباب وطلاب الجامعات من الجنسين جراء الفقر المدقع الذى يعيشه معظم أولائك الطلاب. - إنتشار المدن العشوائية وزيادة عدد المشردين الذين يسكنون بيوت الصفيح و الكرتوت على بعد أمتار من القصور الفخمة لقادة الدولة الرسالية. - إذلال المواطنين و إمتهان كرامة المرأة من خلال فرض قادة الدولة الرسالية عقوبة الجلد بالسياط، بإسم تطبيق الشريعة، والتى قام بإلغائها مولانا أبورنات عند إستقلال السودان بإعتبارها مهينة للكرامة الإنسانية. أما بالنسبة لتقسيم قادة الدولة الرسالية للبلاد وتفتيتها، و التفريط فى السيادة الوطنية، فهذا موضوع آخر يحتاج لمقال منفصل. لكن ما نود أن نذكرهم به هو حديثهم الممجوج والمتكرر عن الدين و الشريعة، الذى حين يسمعه المرأ يظن بأنه أمام جيل من الصحابة الجدد، وحينما يراهم يكنزون الذهب والفضة فى منازلهم، ولا ينفقونها فى سبيل الله، أو لإنقاذ مرضي القلب من أطفال السودان البؤساء، غير عابئين بقوله تعالى بأنها سوف تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة، فإنه يكتشف بأنه ليس سوي أمام أنبياء كذبة، وأبالسة عصر الفساد و الإستبداد. كما نود أن نذكرهم بأن الظلم ظلمات. وأن دولة الظلم ساعة. وأن دوام الحال من المحال. وأنها لو دامت لغيرك، لما آلت إليك. وأن الدولة الرسالية، التى فرضوها على الشعب السوداني، الصامد الصابر، بقوة الحديد و النار، ذاهبة دون شك، وستنهار أركانها قريبا. وإن ذلك سيتم، بإذنه تعالى، بفضل نضال الشرفاء من شباب الوطن، وكذلك بفضل سياساتهم الخرقاء الخاطئة التى يستحيل جرائها علاج الأزمة الإقتصادية الخانقة التى تمسك بتلابيبهم. كما نود أن نذكر قادة الدولة الرسالية أيضا بأنهم يرون ذلك بعيدا، ولكننا نراه بأنه أقرب إليهم من حبل الوريد. ونود أن نقول لهم بأنه لو كان للدولة البوليسية، و أجهزة بطشها، قدرة على إنقاذ دول الفساد و الإستبداد، لما سقط شاه إيران، وشاوشيسكو، وبينوشيه، وإبن على، وحسني مبارك، وغيرهم من الطغاة الذين كانوا يمتلكون أقوى الأجهزة الأمنية، وذهبوا، بالرغم من ذلك، الى مزبلة التاريخ، حينما ثارت شعوبهم ضد الظلم و الطغيان. ونظام الإنقاذ لن يكون إستثناءا. وعندما تذهب دولة فسادهم و إستبدادهم أدراج الرياح سيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وحينها أود من السيد قطبي المهدي، وغيره من قادة الدولة الرسالية، أن يتذكروا مناشدة السيدة الدكتورة، المسئولة بمستشفى أحمد قاسم بمدينة الخرطوم بحري، بضرورة تبني المعدمين من أطفال السودان المصابين بأمراض القلب، و إنقاذ حياتهم من الموت المحقق، والتى أطلقتها من خلال برنامج 'صحة وعافية‘، الذى تم بثه يوم الجمعة الماضية، عسى ولعل أن تلين قلوبهم التى تحجرت، أو أن تسمع آذانهم التى أصابها الصمم لهذا النوع من النداءات، أو أن تدمع عيونهم التى جفت محاجرها، و التى أصبحت لا تقدر على فعل شئ إلا 'قوة العين‘! كما أود أن أحيي السيدة الدكتورة الفاضلة، وأقول لها لو كان قد تبقي لقادة الدولة الرسالية ذرة من ضمير لقاموا بتطبيق السياسات و الأنظمة السليمة التى تضمن العلاج المجاني لجميع أطفال السودان، وأغنوك عناء المناشدة، حيث لا حياة لمن تنادين من سماسرة وطفيليي الدولة الرسالية، وتجار الدين! 12/10/2011م [email protected]