.. مقدمة : في بلاد السودان يقولون : يوم الخميس صفقة ورقيص ! وهو قطعأ كذلك في ليبيا الثورة ! في يوم الخميس 17 مارس 2011 ، أصدر مجلس الأمن قراره التاريخي رقم 1973 ، بالتدخل العسكري الخارجي المباشر لحماية المدنيين في بنغازي ! في يوم الخميس 20 اكتوبر 2011، سقط نظام القذافي في ليبيا ! وتم أغتيال الاخ القائد ، ملك ملوك افريقيا ، قائد الثورة ، المهرج الأكبر ، السفاح الدموي ، في مسقط رأسه سرت ! وأنطوت بذلك صفحة 42 عاما من الأستبداد ، والقمع ، والتعذيب ، والسحل ، والقتل ، في ليبيا ، وكذلك في خارج ليبيا ! تداعيات سقوط نظام القذافي علي بلاد السودان ، وباقي البلاد العربية ، وبالأخص علي الربيع العربي ، كثيرة ومتشابكة ! ولكن يمكن اختزال بعض هذه التداعيات ، فيما يلي : اولأ : هلاك القذافي ترك الرئيس البشير ، الرئيس الوحيد ، الذي يحمل امر قبض علي صدره ، من محكمة الجنايات الدولية ! صار الرئيس البشير الرئيس الوحيد في العالم الذي يتفرد بها الشرف ؛ نتيجة مباشرة لأباداته الجماعية لشعوب دارفور ، وجرائمه ضد الأنسانية ، وجرائم الحرب ، التي ارتكبها في دارفور ! بهلاك القذافي ، زال المنافس الوحيد للرئيس البشير ، علي هذا الشرف العظيم ! ثانيأ : في نفس يوم هلاك القذافي ، أوقفت السلطات الليبية ، في مدينة الكفرة الليبية المتاخمة للحدود السودانية ، المناضل دلدوم محمد فضل ، قائد العمليات العسكرية في ( حركة/ جيش تحرير السودان ) المقاومة في دارفور ! ومعه عشرات من الثوار الدارفوريين ، من مختلف الحركات الدارفورية الحاملة للسلاح ؛ بتهمة دعم قوات القذافي المدحورة ! هلاك القذافي سوف يلقي بظلاله السوداء علي حركات دارفور الحاملة للسلاح ! سوف يتوقف الدعم المعنوي والمادي الذي كان يقدمه القذافي لهذه الحركات ! والأدهي والأمر ، سوف تعتبر ليبيا الثورة حركات دارفور المناضلة ، حركات مرتزقة أشتركت في مجازر القذافي ، ضد الشعب الليبي ! ولها في القصاص حياة ! تداعيات هلاك القدافي ( 2011 ) ، علي حركات دارفور الحاملة للسلاح ، تحاكي التداعيات التسونامية المدمرة لسقوط نظام السفاح منغستو هايلي مريم في اثيوبيا علي الحركة الشعبية لتحرير السودان ( 1991 ) ! ثالثأ : من تداعيات الثورة الليبية ، حقيقة جديدة سوف ترمي بظلالها ، ولو بعد حين ، علي بلاد السودان ، وعلي المنطقة العربية بكاملها ، خصوصا علي سوريا ! الحقيقة الجديدة ، التي يجب أن نتملاها ، في بلاد السودان ، وفي المنطقة العربية ، هي أن حلف الناتو أصبح لاعبا سياسيأ رئيسيا في المنطقة العربية ! ليس بالكلام الساكت وحده ! وليس بالتعاون الثنائي السلمي المغتغت بين بعض الدول العربية ( مصر ، الامارات ، عمان ، قطر ؟ ) والحلف ! وليس باستخدام القوة الخشنة ، بمشاركة دول عربية ، كما في غزو العراق عام 2003! الحقيقة الجديدة ليست هذه ، ولا تلك ! الحقيقة الجديدة هي دعوة شعب عربي ثائر ( ليبيا ) للناتو للتدخل العسكري في بلده ، وبمباركة وقبول ، بل وبطلب صريح من الجامعة العربية … مظهريأ لحماية المدنيين في بنغازي ( مارس 2011 ) ، وفعليأ لقلب نظام حكم القدافي الدموي ! واستجاب مجلس الأمن لطلب ثوار ليبيا ، بإصدار القرار التاريخي رقم 1973 في يوم الخميس 17 مارس 2011! يوم الخميس 17 مارس 2011 … هذا يوم تاريخي في حياة الشعوب العربية المستضعفة ، وبالأخص شعوب بلاد السودان ! في هذا اليوم التاريخي ، بدأ حلف الناتو في الأطاحة بالنظام الليبي بطلب من الشعب الليبي ، وبطلب من كل العرب ! وبدأت صفحة جديدة ، بمشاركة حلف الناتو الفعلية ، في ثورات المنطقة العربية ، التي سوف تشمل بلاد السودان ! أصبح الناتو مقبولأ للشعوب الثائرة ، وصديقأ لها ضد الطغاة والأستعمار المحلي ! في هذا اليوم التاريخي ، لم يستنكر الرأي العام الفكري العربي ، والرأي العام الشعبي العربي ، بل لم تستنكر الحكومات العربية ممثلة في الجامعة العربية … لم تستنكر هذه المكونات الفكرية والشعبية والحكومية العربية ، وفيها نظام البشير ، تدخل حلف الناتو ، بسنونه وضروسه ، داعمأ لايادي ثوار ليبيا ضد نظام الطاغية … بل علي العكس رحبت بهكذا تدخل عسكري مباشر ، أيما ترحيب ! نكرر … رحب نظام البشير بتدخل حلف الناتو في ليبيا ، مساندا للثوار ، وللأطاحة بالطاغية ونظامه المستبد ! علل نظام البشير ترحيبه بتدخل الناتو في ليبيا ، بأنه الشر الأصغر ! كون نظام القدافي الاستبدادي يمثل الشر الاكبر ! الاستعمار القديم في حلة الناتو الجديدة مقبول ! والاسترقاق المحلي غير مقبول ! الكي … اّخر العلاج … مقبول ومرحب به ! لم يعد التدخل العسكري الأجنبي فزاعة ! والناتو والغرب اصبحوا أكثر حرصا على تجنب الدخول في تجربة شبيهة بالعراق ! في هذا اليوم التاريخي ، تم إضفاء الشرعية العربية على نزعة التدخل الدولي في شؤون الدول ، وفي مقدمتها الدول العربية ، وفيها دولة السودان ! وبالتالي ينبغي على قوى المعارضة في الدول العربية ، وفي بلاد السودان ، أن تعتمد على أياديها ، متحدة مع سنون حلف الناتو ، لاقتلاع نظمها السلطوية من جذورها ! في هذا اليوم التاريخي ( الخميس 17 مارس 2011 ) ، تم تقنين ، في الوعي العربي ، والوعي السوداني ، شرعية التدخل الأجنبي ! سوف ترحب الشعوب العربية وتهلل لحلف الناتو لو تدخل بسنونه ، في سوريا ، أو اليمن ، أو السودان لأقصاء كل من علي صالح ، وبشار ، والبشير ؟ في هذا السياق ، دعي عبدالحليم خدام ، نائب الرئيس السوري السابق ، وأحد زعماء المعارضة السورية ، حلف الناتو للتدخل بسنونه في سوريا ، لمساعدة الثوار للأطاحة بنظام الطاغية بشار ! أقر خدام بأن أيادي الثوار المجردة وحلاقيهم ، لن تكفي وحدها ، لتغيير النظام الاستبدادي الغاشم ، الذي لا يفهم لغة الأيادي والحلاقيم … والذي يفهم فقط لغة السنون ! الثمن الذي سوف تدفعه هذه الشعوب لحلف الناتو ، نظير مساعدتها في التخلص من طواغيتها ، اقل الف الف مرة من أهدار الطواغيت لكرامتها ! وفي حالة بلاد السودان اقل مليون مليون مرة من أبادات الطاغوت الجماعية ، وتطهيره العرقي ، لشعوبها غير العروبية وغير المسلمة ! ماذا يبقي للانسان السوداني بعد الموت ، وقبله أهدار الكرامة ؟ أذا كان تدخل الناتو سوف يحفظ كرامته المهدرة ، وينجيه من موت محقق ؟ في هذا اليوم التاريخي ( الخميس 17 مارس 2011 ) ، تهاوت التابوات ، وسقطت الأقنعة ! قالت : ليس أقسى من مأساة الخيار: بين تحمل ظلم ذوي القربى ، والقبول باستمرار حكم الطاغوت ( الوطني ) ، الذي يهدر كرامة الشعب وحقوقه في بلاده ، ويطهره عرقيأ ، ويبيده جماعيأ ؟ وبين السكوت عن عودة الاستعمار الأجنبي ؟ فكيف بدعوته إلى العودة في ثياب ( المحرّر ) ؟ في مارس 2003 ، فرض صدام على شعب العراق المفاضلة البائسة بين طغيانه ، وبين الاحتلال العسكري الأميركي ! في يوم الخميس 17 مارس 2011 ، فرض القذافي على شعب ليبيا ، الخيار البائس بين حكمه الفردي الطاغوتي الذي امتد 42 حجةً ، وبين عودة الاستعمار الأجنبي ، ناتويأ هذه المرة ، في ثوب المخلص والمنقذ ؟ غدأ ، سوف يفرض البشير علي شعوب بلاد السودان ، الخيار البئيس بين حكمه الأبادي ، والتطهيري عرقيأ ، الذي يذكر بالتركية السابقة ، والذي أمتد 22 سنة كبيسة ، وبين الأنتفاضة الشعبية المحمية ( ناتويأ ؟ ) التي سوف تطيح بحكمه الغاشم ، وتقذف به الي مزبلة التاريخ ؟ وكما أنهى صدام عصر حكمه الاستبدادي مختبئاً في جحر، وقد حوّل شعبه الأبي إلى ملايين من الأيتام والأرامل والمشرّدين الهائمين على وجوههم في مختلف الجهات ، داخلاً وخارجاً ؟ ها هو القذافي يموت في جحر هو الآخر، تاركاً بلاده وقد لحقها الدمار ، وشعبه يحاول إحصاء ضحاياه الذين دكتهم صواريخ الطاغوت ، وصواريخ الاستعمار الناتوي الجديد ، بالتناوب ، وتركتهم هائمين على وجوههم، في الداخل والخارج القريب؟ وغدأ نري البشير يختفي هو الأخر في كركور ، من كراكير حوش بانقا ، تلاحقه ارواح ملايين الشهداء والنازحين والاجئين ، وهي تصيح : أينما كنتم تدرككم الأنتفاضة الشعبية ، ولو كنتم في بروج مشيدة ؟ دعنا نتملي في حقيقة أخري : الشعب يريد تغيير النظام ! ولكن ليس وحده ، وبيديه العاريتين ؟ وانما بمساعدة سنون الأستعمار القديم ؟ ولكن ماهي كلفة هذا الدين علي مستقبل الوضع الجديد في ليبيا ، ولاحقا الوضع الجديد في بلاد السودان ؟ هل سوف يصير الشعب الليبي والشعب السوداني ، أخلاقيا علي الاقل ، مدينا للناتو في الخلاص من الطاغية القدافي ، والطاغية البشير ، علي التوالي ! صار الناتو ( رمز الاستعمار القديم ؟ ) صديق ومغيث ومستجار الثوار في المنطقة العربية ! وروسيا والصين ( قلعتا تحرير الشعوب سابقأ ) صديقتا ومعينتا الطغاة ! روسيا والصين ! خلال القرن العشرين ، وحتي سقوط حائط برلين ( 1989 ) ، كانت روسيا والصين تدعمان الشعوب المستضعفة وحركات التحرير الوطنية ضد أستبداد قوي الأستعمار والامبريالية العالمية ! وأنقلبت الاوضاع ، رأسأ علي عقب ، بعد سقوط حائط برلين ! تابعنا مستغربين كيف وقفت روسيا والصين مع المجرم القدافي وعصابته ، وضد ثوار ليبيا ! وكيف وقفت قوي الاستعمار القديمة مع ثوار ليبيا وضد المجرم القدافي ! وفي يوم الاربعاء الخامس من اكتوبر 2011 ، اصيب المجتمع الدولي بصدمة غير مسبوقة ، جراء استخدام كل من روسيا والصين حق النقض ( الفيتو )، ضد مشروع قرار فرنسي بريطاني ( الأستعمار القديم ) يطالب بفرض عقوبات على سورية الاسد ، لقمعها شعبها وأذلاله ؟ روسيا والصين تدعمان الحكومات ، وحصريأ الحكومات ، حتي لو كانت حكومات استبدادية ، لانهما تستطيعان توقيع العقودات التجارية مع الحكومات ، وليس مع الشعوب وحركات التحرير ! اصبحت المصالح التجارية هي الفيصل الحصري في علاقات روسيا والصين بالعالم الخارجي ! خاتمة : هذه هي الحقيقة الجديدة في المنطقة العربية ، والوضع الجديد الطارئ الذي يجب دراسته ، وأيلائه كثيرأ من الاهمية ! هل هي حالة أستعمار جديد ( لايت ؟ ) برضاء الشعوب ، هربأ من واقعها السياسي الأليم ؟ أستعمار مؤقت ، والي زوال ! بعكس الأستعمار الداخلي المقيم … الكل يوم معانا ؟ أستعمار أهدار الكرامة ، والأبادات الجماعية !