السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة الإمام الصادق المهدي أمام معهد السلام الأمريكي
نشر في حريات يوم 26 - 11 - 2011


واشنطن دي. سي. 12 نوفمبر 2011م
إنه لمن دواعي سروري أن أخاطبكم حول المأزق السوداني، وهو مأزق كبير وخطير، وسيكون تناولي للموضوع عبر طرح ثلاثة أسئلة هي:
. كيف أوقفت اتفاقية السلام الحرب بينما فشلت في بناء السلام؟
. من هو المسئول؟
. ومع ذلك هل السلام ممكن؟ وكيف؟
أرجو أن تتابعوا إجاباتي على هذه الأسئلة الخطيرة
النقطة الأولى: أسمرا في مقابل نيفاشا:
حددت القوى السودانية المعارضة للنظام الحالي الأسس المثلى للسلام والاستقرار في السودان في إعلان أسمرا في يونيو 1995م. أقنعت عوامل معينة لا سيما استغلال النفط، أقنعت الكثيرين للبحث عن صفقة سلام لا سيما الولايات المتحدة التي غيرت سياساتها بعد توصيات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فنفخت الحياة في مبادرة سلام الإيقاد. ولكن خلافاً لنهج إعلان أسمرا القومي كان نهجهم الذي أثمر اتفاق نيفاشا 2005م ثنائياً.
رحب حزب المؤتمر الوطني- الحزب الحاكم في السودان- بهذا النهج لأنه يتسق مع سياساته الرامية لتقسيم المعارضة، ولأنه وعد بتسليمه الشمال كممثل وحيد له كما وعد بمنحه شرعية دولية. كذلك رحبت الحركة الشعبية لتحرير السودان بهذا النهج الثنائي متخلية عن التزامها باتفاق أسمرا لأنه يسلمها الجنوب ويمنحها فرصة لمطاردة هدفها بخلق سودان جديد يقرأ: سودان علماني أفريقاني. ولذلك كان منهج الطرفين تجاه الاتفاقية تكتيكيا بالأساس.
أعطى المجتمع الدولي- وبإشراف أمريكي- الأولوية لإيقاف الحرب دون الاهتمام الكافي بكيفية بناء السلام ولا بكيفية تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي ولذلك:
. قبلوا النهج الثنائي الحزبي بدلا عن النهج القومي.
. قبلوا تسمية وثيقة ناقصة اتفاقية سلام شامل مع أن عدة نقاط اختلاف قد بقيت عالقة أهمها أبيي وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
. وصفت الوثيقة بوثيقة سلام شامل بينما هناك حرب أهلية يخاض غمارها في دارفور ومواجهات مستمرة في شرق السودان.
في يونيو 2005م نشرت كتاباً يضع اتفاقية السلام والدستور الانتقالي القائم عليها في الميزان. خلاصة ما قلناه هو الترحيب باتفاقية السلام باعتبارها وسيلة لوقف الحرب وباعتبارها مبشرة بالوصول لعلاقات إيجابية معينة. ولكننا أوضحنا بجلاء أن الوثيقة لن تجعل الوحدة جاذبة كما وعدت ولن تقود لحكومة شاملة ولن تحقق التحول الديمقراطي.
بعد ست سنوات من عمر الاتفاقية تم إجراء الاستفتاء في موعده ولكن الاتفاقية فشلت في تحقيق ثلاثة من أهم أهدافها الجوهرية هي: جعل الوحدة جاذبة، جعل الحكومة شاملة التمثيل وجعل نظام الحكم ديمقراطياً.
لقد تنبأنا بأن جوانب معينة في هيكل الاتفاقية ستجعل الانفصال جاذباً وليس الوحدة، تلك العوامل هي:
. بروتوكول ماشاكوس الذي قسم البلاد على أساس ديني فمهد الأرض ليتخذ الشطران تطورا منفصلا: نسخة محدثة من سياسة الفصل العنصري الاستعمارية سياسة الجنوب 1922م.
. أعطى بروتوكول قسمة الثروة الجنوب 50% من نفطه بدلا من أن يكون نصيب الجنوب منسوبا للثروة القومية. شجع ذلك البروتوكول الجنوبيين على الانفصال ليحتفظوا ببترول الجنوب للجنوب.
. يتبنى طرفا الاتفاقية أيديولوجيتين لا يمكن تعايشهما الأمر الذي أدى لإشعال حرب باردة بينهما طوال الفترة الانتقالية 2005- 2011م.
ووضحنا أن بعض جوانب الاتفاقية أعاق التحول الديمقراطي وهي:
. قبول دستور 1998م الاستبدادي كمرجعية.
. السماح باتخاذ تدابير غير ديمقراطية لحماية مصالح الطرفين الحاكمين: حكم ثنائي.
. قبول استمرار القوانين والمؤسسات الاستبدادية لحين استبدالها. ولم يتم سن أية تعديلات نظراً لاعتماد المؤتمر الوطني على أغلبيته.
النقطة الثانية: النزاعات العالقة
هناك خلافات عالقة وهناك قضايا تشكل مقدمات ومداخل لتحول النزعات الشمالية/ الشمالية لحروب وهي:
. تحكم المؤتمر الوطني في تطبيق اتفاقية السلام ونجح في إحباط أية تحفظات للحركة الشعبية بأغلبية 52% التي يمتلكها. كل رأي سياسي خلاف المؤتمر الوطني أصبح صياحاً بلا جدوى نسبة للقوانين والنظم الاستبدادية.
. اتفاقيات أبيي لا يمكن تطبيقها أولم تطبق. في ذلك الجو المتوتر هاجم الجيش الشعبي وحدة من القوات المسلحة السودانية ما دفع القوات السودانية للسيطرة على أبيي فصارت المنطقة جبهة حرب محتملة لم تهدأ إلا بدخول قوات أثيوبية تحت مظلة الأمم المتحدة.
. لم يتم عمل شيء استعداداً لاحتمال انفصال الجنوب. ظل المؤتمر الوطني حتى النهاية على أمانيه بتصويت الجنوب للوحدة.
كانت نتائج قصر النظر كارثية للأسباب الآتية:
أ‌. بعد استغلال البترول ودخول عائداته في الاقتصاد في عام 1999م أهملت الحكومة اقتصاد الموارد المتجددة في الزراعة والصناعة واندفعت في الإنفاق بإسراف على قطاعات غير منتجة فتضاعف الإنفاق عشرة أضعاف في الفترة بين 2000- 2010 أي 1000%.
لقد ظهرت على الاقتصاد السوداني كل سلبيات المرض الهولندي ولعنة النفط. هذه الغفلة حتمت أن يواجه الاقتصاد السوداني بأزمة غير مسبوقة.
ب‌. لم تنفذ المشورة الشعبية والتي كان من المفترض إجراؤها في المنطقتين المعنيتين.
اتجه المؤتمر الوطني بعد انفصال الجنوب لمراجعة وضع الحركة الشعبية فرع الشمال وقواتها المسلحة قبل الوصول لاتفاق سياسي كما تتطلبه المشورة الشعبية المزمعة.
أعطت القوات المسلحة السودانية الأوامر لقوات الجيش الشعبي بالشمال فرفضت إطاعة الأوامر مما أدى لمواجهة بجنوب كردفان. وكان لا بد أن يحدث مثل ذلك في جنوب النيل الأزرق. قادت حادثة صغيرة بالقرب من الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق للحرب المتوقعة.
ت‌. في خطابه الرسمي بمناسبة إعلان الجمهورية الجديدة في الجنوب قال الرئيس سلفاكير إن بلاده مهتمة بمصير مواطني جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور، ومهتمة بكفالة حقوقهم.
هذه المناطق أصبحت جبهات قتال في حرب أهلية شمالية.
اتفاقية كاودا الثانية 11/11/2011م بين الحركة الشعبية/ شمال السودان والمجموعات الدارفورية أعلنت تكوين الجبهة الثورية للإطاحة بحكومة الخرطوم. يؤكد المؤتمر الوطني أن هذا المؤتمر قد انعقد بجنوب السودان وتحت رعاية حكومة الجنوب وعليه ففي رأيه يمثل هذا تحالفا بين الجبهة الجديدة وحكومة الجنوب للإطاحة بحكومة الخرطوم.
النزاعات الجنوبية/ الجنوبية:
بعض المجموعات السياسية تحدت موقف الحركة الشعبية في الجنوب. هذا التحدي تصاعد ليتحول لعمل عسكري بعد انتخابات إبريل 2010م تجسد في سبع جبهات قتال تقودها ثلاثة فصائل من الدينكا واثنان من النوير وفصيل من المورلي.
ومن مظاهر النزاع الأخير عزم ثلاث مجموعات على التوحد في جبهة واحدة للإطاحة بحكومة جوبا هي: مجموعة الجنرال أتور في منطقة شمال أعالي النيل، ومجموعة أخرى منشقة عن الجيش الشعبي بقيادة جيمس قاي بولاية الوحدة والتي تزعم بأنها تحاصر بانتيو عاصمة ولاية الوحدة من كل الجهات ومجموعة متمردة أخرى بقيادة الجنرال قوردن كونق.
ويصف بعضهم أنفسهم بأنهم مهمشون ويطالبون بتقرير المصير داخل الجنوب ويؤكدون أن الاتفاقات الجنوبية/ الجنوبية لم تطبق وأن انتخابات إبريل كانت مزورة.
الخلاصة:
نحن مواجهون بجبهة شمالية بسند جنوبي يعمل بنشاط للإطلاحة بحكومة الخرطوم وجبهة جنوبية بسند شمالي تهدف للإطاحة بحكومة جوبا. هذه المواجهات ستتحول من طبيعتها الأصلية كنزاع بين الدولتين إلى نزاعات داخل الدولتين.
هذه الحرب القادمة ستتحول لحرب مدمرة تشمل حلفاء خارجيين وتقود لاستقطاب بالقارة الأفريقية.
ومثلما قادت اتفاقية أديس أبابا 1972م بسبب عيوبها لحرب أسوأ في عام 1983م، ستقود اتفاقية 2005م المعيبة في 2011م وما بعدها لحرب أسوأ من الحرب السابقة.
النقطة الثالية: من المسئول عن هذا المأزق
أ‌. طرفا الاتفاقية وقعاها لأسباب تكتيكية وليست استراتيجية.ونسبة للانقسام الأيدولوجي بينهما فقد جعلت علاقة الطرفين ببعضهما من القرب والاحتكاك سببا لريبة أكبر.
ب‌. سوء إدارة مسألة أبيي ومنطقتي المشورة الشعبية صار ذريعة وسببا للحرب.
ت‌. التعاطف الدولي “الغربي” مع الحركة الشعبية والعداء للمؤتمر الوطني وسع فجوة الثقة بين الشريكين السودانيين.
لقد ساهم المجتمع الدولي “الغربي” بنصيبه الخاص من الغفلة، وأضافه للمسرح السياسي السوداني:
. قبل المجتمع الدولي وبارك اتفاقية معيبة لوقف الحرب دون الاهتمام الكافي بكيفية بناء السلام.
. وقبل انتخابات مزورة دون الاهتمام الكافي بالمعايير الديمقراطية وذلك ببساطة لتفتح الطريق أمام الاستفتاء.
. لم تجر مفوضية فحص وتقييم تنفيذ اتفاقية السلام تقييما عميقا لتطبيق الاتفاقية فقد فشلت في التحذير من خطورة الفشل في إجراء المشورة الشعبية في موعدها، وفشلت في إدراك أن اللجنة الفنية للحدود ليست كافية لأن كثيرا من قضايا الحدود هي قضايا سياسية وليست فنية.
. وفشلت – في الوقت المناسب- في التعليق على والإشارة إلى أن تطبيق الاتفاقية كان يمضي تماما عكس اتجاه مقاصدها. لقد تم الترحيب باتفاقية السلام كخريطة طريق للسلام والوحدة الطوعية والتحول الديمقراطي ولكنها فشلت في الاختبارات الثلاثة: حيث لا سلام ولا وحدة ولا تحول ديمقراطي.
لا بد لأصحاب الشأن السودانيين من تباحث وتدارس قومي لإجراء تشريح لاتفاقية السلام لتحديد ما يجب فعله لإنقاذ بلديهما من الهاوية. ويجب على المجتمع الدولي أن يجري نقداً ذاتيا لدوره لاستخلاص الدروس الضرورية.
النقطة الرابعة: هل السلام ممكن؟
الإجابة نعم، ولكن ليس على النهج الجزئي الحزبي الثنائي. نمط الاتفاقات بين حملة السلاح نمط معيب، يمكن للمتقاتلين وقف الحرب ولكن ليس بناء السلام، فدائرة أصحاب الشأن في بناء السلام دائرة واسعة. قد يرغب المقاتلون لأغراض السلطة الحزبية أن يحتكروا القرارات حول مصير السودان ولكن هذا لا مبرر له ولن يبني السلام.
يقع اللوم في مأزق السودان الحالي على ثلاثة أطراف:
طرفي اتفاقية السلام الموقعين عليها، والمجتمع الدولي ومع ذلك فيتحمل المؤتمر الوطني نصيب الأسد في ذلك لأنه أصر على أن يكون صانع القرار الأكبر. ولهذا يرى حزب الأمة القومي أن تحقيق السلام و التحول الديمقراطي في السودان لا يتم إلا بتغيير جذري في حكومة السودان.
هنالك أربعة سيناريوهات لإحداث ذلك التغيير الجذري:
أ‌. يعي حزب المؤتمر الوطني الحاجة للتغيير، ويتحدث كثير من أفراده بلغة التغيير. تدرك قيادة حزب المؤتمر الوطني أن الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية من أجل التغيير هي ضغوط حقيقية. ولكن تصلب شرايين الحزب والنظام يجعل من برنامجهم للتغيير أقل من المطلوب وبعد فوات الأوان.
ب‌. نهج جبهة كاودا الثورية نهج راديكالي لتغيير النظام ولكن هناك عاملان يعقدا هذا المشروع:
. زمان ومكان الإعلان جعلا من الجبهة صورة طبق الأصل من الجبهة المعاكسة للإطاحة بحكومة جوبا. ومهما تكن حقيقة نوايا الجبهتين فستغرقان في أية حرب تصعيدية بين دولتي السودان.
. العامل الثاني: للأسف تعرض سكان السودان لسياسات ولدت انقساما إثنيا أصبح عدسة يرى الكثيرون من خلالها الأحداث السياسية.
سيناريو كاودا: سيناريو الضربة القاضية لا يستطيع تجنب أثر تعقيدات هذين العاملين السلبي.
هذا السيناريو يمكن ببساطة أن يعجل بحرب شمالية/ جنوبية شاملة بأبعاد غير مسبوقة.
ت‌. سيناريو الانتفاضة ممكن، يستمد هذا السيناريو إلهامه من انتفاضتي السودان في 1964 و 1985م ومن الربيع العربي الحالي. تعمل كثير من المجموعات الشبابية من مختلف الأحزاب السياسية لتحقيق هذه الانتفاضة. هناك أيضا العديد من المجموعات الشبابية المستقلة مثل حركة “قرفنا” و”شرارة” و”شباب من أجل التغيير الديمقراطي” وعدة مجموعات أخر.
ث‌. هناك مظالم ومرارات مشابهة لتلك التي أشعلت الربيع العربي. ولكن النظام يتوقع هذا الاحتمال مما يجرده من عنصر المفاجأة الذي ساعد منظمي الثورات في تونس ومصر من الشباب، ولذلك سيكون السودان أقرب للسيناريو السوري واليمني.
ج‌. في مؤتمر نظمته مؤخرا بالقاهرة “سيسكو” ومنتدى عالمي للمرأة ومجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، خاطبت رئيسة شيلي السابقة السيدة “ميشيل باشيليه جيرا” المؤتمر حول دروس من أمريكا اللاتينية للربيع العربي.ووصفت كيف أن الأحزاب السياسية كانت ضعيفة في شيلي مما دفعها لتوحيد موقفها الأمر الذي قوى من تأثيرها، وعندما وصل الضغط من أجل الديمقراطية حدا معينا دعا الرئيس “أوغستو بينوشيه” المعارضة للاتفاق على خريطة طريق للتحول الديمقراطي. ووصفت كيف أن نفس النمط قد حدث في الأرجنتين وأرقواي والبرازيل. لقد فعل الملك خوان كارلوس نفس الشيء في إسبانيا.
وفي السودان حينما بلغ الضغط الشعبي من أجل التحول الديمقراطي حدا معينا ارسل لي الفريق عبود اثنين من كبار ضابطه لمناقشة الاستجابة لمطلب الشعب وتفاوضنا ووصلنا لخريطة طريق حول التغيير الناعم السلس.
وفي الظروف الراهنة يسعى حزب الأمة لتوحيد موقف المعارضة السياسية والمدنية حول ميثاق وطني أو أجندة وطنية لتحقيق الآتي:
. الاتفاق على دستور ديمقراطي يستوعب التنوع على أساس المساواة في المواطنة.
. علاقة توأمة خاصة بين دولتي السودان.
. الاستجابة الإيجابية لمطالب دارفور المشروعة التي تتخطى حدود اتفاقية الدوحة وتستوعب توصيات وثيقة هايدلبرج وتقر إعلان المبادئ الذي اقترحه حزب الأمة.
. إجراء استفتاء أبيي وتطبيق المشورة الشعبية للمنطقتين.
. كفالة حقوق الإنسان بما يتوافق مع المواثيق الدولية.
. استصحاب برنامج إصلاح اقتصادي جذري.
. التعامل الواقعي مع المحكمة الجنائية الدولية بصيغة توفق بين العدالة العقابية والعدالة التصالحية.
. تفكيك هياكل الحكم الحزبية الحالية لصالح نظام قومي.
ولتحقيق هذا الهدف ننوي استخدام كل الوسائل الحركية التي نستطيعها ما عدا استخدام العنف.
مقارنة بالبدائل الأخرى فإن هذا السيناريو سيكون متسقاً مع الطموحات الوطنية ومع معايير الربيع العربي. وما نتوقعه من المجتمع الدولي هو أن يدرك أن هذه الأسس هي الأسس الوحيدة المجدية للسلام الشامل العادل والتحول الديمقراطي الحقيقي. وهي خريطة الطريق المجدية للاستقرار في السودان. كما أنها تفيد جمهورية جنوب السودان لأن الاستقرار في دولتي السودان كل لا يتجزأ.
إن ورشة دارفور المنعقدة الآن برعاية أمريكية مضيعة للوقت فهي تكرار للنهج الجزئي القديم المسئول عن مأساة السودان الحالية. صحيح أن لحروب السودان الأهلية الحالية مراكز إقليمية ولكنها مشاكل وطنية تستوجب حلا وطنيا.
لقد تدخل مركزكم مع عدد من المجالس الأمريكية في عمليات السلام في السودان. ولا بد أنكم أدركتم أن تلك العمليات قد مضت بوضوح في اتجاهات خاطئة. قال العز بن عبد السلام وهو فقيه مصري من القرن الثاني عشر: كل إجراء حقق عكس مقاصده فهو باطل. وإذا أدركتم ومتى ما أدركتم الحاجة لنهج جديد نأمل أن تتفهموا وأن تقدموا دعماً معنويا وسياسيا لأهل السودان ليمتلكوا ويحققوا خلاصهم بأنفسهم.
شكراً لحسن الاستماع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.