بسم الله الرحمن الرحيم. عبدالغني بريش اليمى .. الولاياتالمتحدةالأمريكية . قرر حزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني المشاركة في حكومة المؤتمر الوطني التي تأخر تشكيلها لأكثر من أربعة اشهر ، وقال رئيس الحزب إن قرار المشاركة في حكومة البشير أملته اعتبارات المسؤولية الوطنية لمواجهة المخاطر والمهددات للسودان – ( غير أن السيد محمد عثمان الميرغني لم يوضح للناس صراحةً ما هي تلك الإعتبارات الوطنية ! بعد ضياع جزء عظيم من السودان- أي انفصال جنوب السودان عن شماله – وسيطرة الحكومة المصرية على مثلت حلايب السودانية التبي جرت فيها الإنتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة فيها كتأكيد للسيادة المصرية عليها – والإنتهاكات المتكررة للطائرات الإسرائيلية للأراضي السودانية – والقتل على الهوية الذي تمارسه السلطات السودانية ضد أهالي دارفور وجبال النوبة والأنقسنا ؟؟؟ ) . وفي سياق المشاركة ذاتها أصدر عمر البشير يوم الثلاثاء الموافق 29 نوفمبر مرسومان جمهوريان بتعيين الوليدان/ عبدالرحمن الصادق الصديق المهدي وجعفر الصادق محمد عثمان الميرغني كمساعدين له . قرار مشاركة حزب الاتحادي في حكومة البشير لم يعجب كثيرين من أعضاء وقواعد الحزب المذكور ، وكذا عددا من النُخب والكُتاب السودانيين الذين انتقدوا قرار المشاركة صراحةً من خلال مقالات صحفية هنا وهناك ، أو من خلال لقاءات مرئية ومسموعة .. غير أن معترضو المشاركة في حكومة البشير هم أيضا ليسوا أبرياء من الجرائم التي ارتكبت ضد الوطن والمواطن لأكثر من خمسين عام ، بل هناك أسئلة مشروعة تلاحق هؤلاء أينما إتجهوا ومتى ما فتحوا أفواههم في الحديث عن الأمور السياسية . لنسأل هؤلاء المعترضين على قرار المشاركة- ما الذي قدمه هؤلاء من جانبهم لوطن اسمه السودان لمواجهة الأتي :. 1/ أقدم حزب المؤتمر الوطني منذ مجيئه إلى السلطة على تفتيت السودان وتقسيمه حتى الآن إلى دولتين- فهل اعترض هؤلاء على هذه الخيانة الوطنية ، بل هل اتخذوا اجراءات عملية لمنع تقسيم السودان ؟. 2/ ارتكب نظام الانقاذ جرائم ضد الانسانية/الابادة الجماعية/حرب/ وجرائم التطهير العرقي في اقليم دارفور منذ عام 2003 وهذه الجرائم ما زالت مستمرة- فهل اتخذ هؤلاء موقفاً انسانياً قوياً يدين البشير وحكومته حتى يعيبوا مشاركة المهدي والميرغني في حكومة الابادة الجماعية ؟. 3/ وضعت السلطات المصرية يدها على مثلث حلايب الحدودية منذ عام 1992 وادعت ملكيتها للسيادة المصرية دون ان تتخذ حكومة البشير أي اجراء محلي أو دولي لحل هذا النزاع- فماذا قدم المعترضين لإرغام البشير وحكومته لإستعادة ملكية حلايب للسودان ؟ . 4/ اعلنت حكومة المؤتمر الوطني حربا شاملة على جبال النوبة/جنوب كردفان والنيل الأزرق في الخامس من يونيو 2011 ومازالت هذه الحرب اللعينة تحصد عشرات الأرواح يوميا – فهل احتج هؤلاء المعترضين على هذه الجرائم التي يندي لها جبين البشرية ؟ . 5/ مؤخراً قام تحالف سوداني اطلق على نفسه الجبهة الثورية السودانية ضم الحركة الشعبية (شمال)- حركة العدل والمساواة- حركة تحرير السودان جناح ( عبدالواحد محمد نور ومني اركو مناوي ) وحركة كوش – ومؤتمر البجا الجناح المعارض ، ومن أبرز أهداف التحالف المذكور اسقاط نظام البشير وإحلال نظام ديمقراطي تعددي في السودان — لكن النخب والمثقفين وبعض الكُتاب المعترضون على مشاركة الميرغني في حكومة الإبادة رفضوا الإلتحاق بتحالف الجبهة الثورية السودانية لإسقاط البشير بحجة أن هذا التحالف عنصري – فما الفرق بين هؤلاء ومحمد عثمان الميرغني المشارك في الحكومة مع البشير ؟ . المشكلة الحقيقية التي يعاني منها السودان ليست في مشاركة الميرغني أوالمهدي أو نقد في حكومة البشير .. إنما المشكلة كبيرة جدا ومعقدة أيضا .. فالنخب السودانية التي تتبجح اليوم ، مدعيا حرصها على الوطن ، هي التي صنعت وتصنع الأنظمة الديكتاتورية ومكنها وتمكنها على ذبح شعوبها ونهب خيراتها ، وهي بالتالي شريكة تلك الأنظمة القمعية اللعينة اللئيمة المجرمة في الجرائم التي ترتكبها ضد شعوبها ومواطنيها . إن الثورة السودانية القادمة يجب ان تستهدف ليس فقط نظام الإنقاذ وحزب المؤتمر الوطني والأحزاب الطائفية والرجعية والديناصورية وغيرها ، بل النخب والمثقفين والقيم والمبادئ أيضا ، لأن السودان ولسنوات عدة فقد القيم والمبادئ والأخلاق ذات الوزن الثمين ، وحل النفاق والكذب والتملق مكانها . عجز النخب السودانية في كل المجالات واضح لكل ذي بصر وبصيرة ، ويعود هذا العجز إلى أسباب : أهمها انحدارها وإخفاقها وانحطاطها إلى مستويات ما دون الوطن والأخلاق الإنساني ، ولا نملك سوى الصلاة على هذا السودان الذي أصبح بلدا لا فرق فيه بين الأمي والمتعلم والجاهل والمثقف ووووو … كما يؤخذ على هذه النخب ترهلها وعدم فهمها لمعانى المواطنة والوطنية ، وتعلقها المتزايد بمصالحها الجهوية الخاصة ، وعجزها فهم التعددية الإثنية والدينية واللغوية والثقافية التي هباها الله وسبحانه وتعالى للسودان . بالإضافة إلى أنها غير مستقلة في قرارها ، ولم تقم بأداء دور حقيقي وصادق وحر تجاه وطنها- وعليه لم تعتبر الضمير الحي للمجتمع السوداني ولسان حاله ، بل لم تهتم بمصالح الشعب وهمومه ومشاكله التي تعترض حياته ، وبالتالي هي غير قادرة على اكتشاف الايجابيات والسلبيات لغرض تحقيق الهدف المنشود وإيجاد الحلول الممكنة للسلبيات . وهي لا تفتخر بوطنيتها السودانية ، لكنها غالباً ما تتغنى بماضي تخيلي وهمي عظيم للهروب من الواقع المؤلم ، وتعتذر في كثير من الأحيان عن تقديم حلول مقبولة لما يعاني منها البلاد من أزمات وكوارث ومشاكل … وانتهى بها الفشل إلى مصالحة مع العجز ، تاركة للأحزاب الطائفية والتقليدية وأعداء الوطن من القوى الظلامية والرجعية لتقرير مصير الشعوب السودانية . وينطبق عليها قول الشاعر : تعيبوا المهدي والميرغني والعيب فيكم وما للمهدي والميرغني عيب سواكم و تهجون المهدي والميرغني بغير ذنب و لو نطق السيدان لكم هجاكم و السودان بكم يخادع من يراه والسلام عليكم …