انتظر السودانيون التشكيلة الحكومية منذ الانفصال في يوليو أي لمدة خمسة أشهر. العذر الذي تردد في الأرجاء للتأخير هو أن المؤتمر الوطني يريدها حكومة ذات قاعدة عريضة، ويريد أن يضيف لأحزاب الزينة أحزابا ذات وزن حقيقي ملموس، وقد صنع المستحيل ليقنع حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي بالتهور والدخول معه لاقتسام تركة الجوع والتمزق الوطني التي تثقل كاهله، ومع دخول البعض في الاتحادي إلا أن مسيرة الحزب الهادرة عبرت بأقوى صورة عن رفض المشاركة وإدانة أصحابها أي ذهب المشاركون أفرادا وتملصت منهم القاعدة فلم يزيدوا قاعدة الحكم عرضا ولا طولا. وفي الأمة كان القرار واضحا برفض المشاركة ولكن المؤتمر الوطني استغل اقتناع العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي القيادي السابق بالحزب بترفيعه في منصب سيادي ليقوم بمهمة مستحيلة للجسر بين الشمال والجنوب في زمان تضرب فيه طبول الحرب! أقول: استغل اقتناعه القديم، وموافقة والده على تنصيبه كضابط، ليقول إن حزب الأمة (شارك) بعبد الرحمن! ونحن لن نصرف حبرا أكثر في نفي ذلك لأن المنطق لا يقبل رفض الحزب للمشاركة وقد عرضت عليه مناصفة، ثم تم ترفيع العرض إلى 60% له وللاتحادي على أن يكون للمؤتمر الوطني 40% وفي كافة المستويات ثم يقال إنه بعد الرفض اكتفى بمشاركة عبد الرحمن المهدي! وحينما يكون المنطق مثقوبا لهذه الدرجة على صاحبه أن يقف ليجفف نزيف العقل الهاطل ويراجع حساباته. ولأننا لا نريد الاسترسال هنا فسنكتفي بفكرة أن إضافة بعض الأسماء من الاتحادي الديمقراطي الأصل للوزارات ومؤسسة الرئاسة إضافة للعقيد عبد الرحمن كمساعد للرئيس لم تجعل من الحكومة (ذات قاعدة عريضة) ولا يحزنون، بل إنها جرفت من قواعد المنضوين إليها وصبت عليهم لعنات الحانقين، أو دعوات حثيثة من المشفقين لكي يغادروا هذه المنصة سريعا، وقد قلت لشقيقي الحبيب يوم تنصيبه أي في يوم 29 نوفمبر: أمرقوا يا أمير توبا عليك مو خايل يا فارس اللطام الكفه بالخير طايل ما صدقته يوم ذاعوه قول القايل ما بتبرا السراب ما بتنتكل في مايل دايراك يا الأمير تمشي القصر في مسيرة في جمعا هدر حالف يعيد السيرة يهتف يا نظام تسقط خطاك خسيرة أرجع قش دموع صبت عليك حسيرة وهي دعوات موصولة للحزب الاتحادي الأصل، وكم حزنا على الحزب الكبير يوم أعلنت موافقته على المشاركة! ويقيننا أو دعاؤنا أن يعجل الله بإدراك الجميع خطل الذهاب فيعودون بدروس ما كان أغناهم عنها وهل غادرتنا الدروس قبلا؟ ولنعد للحكومة العريضة.. قالت صحيفة (حريات) الإلكترونية إن الحكومة العريضة تمخضت فولدت فأرا، فالمجموعة المتنفذة في المؤتمر الوطني احتفظت فيها بجميع الوزارات السيادية الرئيسية. وكان الأستاذ التقي محمد عثمان كتب تقريرا مميزا لجرد حساب الحكومة السابقة أيان فترة الترقب الماضية، نشر بصحيفة (الصحافة) في 19 نوفمبر بعنوان (الوزارة السابقة.. ماذا أفادت؟) وتحدث عن وزراء من فضة في الحكومة السابقة قائلا: (بعض الوزارات لم تكن ذات وزن ونالها أصحاب الحظوة من أجل مراضاتهم أو جبر خواطرهم، حيث لم تتطلب مواقعهم أن يبين لهم فعل أو يتحدثوا وإذا تحدثوا كان كلامهم من فضة لا يقطع قول أي خطيب) وذكر ثلة من هؤلاء الوزراء من ضمنهم د.يحيى عبدالله محمد حمد وزير الاتصالات وتقانة المعلومات، وهو الوزير الذي قالت صحيفة الرائد إنه الملقب بيحي امتياز، وأظهرت أنه كادر قديم بالتنظيم الإسلاموي الذي استلم الحكم في 1989م. وكان التقي ومن ورائه الشارع السوداني يتوقع الوزارة الجديدة أن تعلن بين يوم وليلة ولكن انتظارهم طال لحتى نهاية الأسبوع الأول من ديسمبر. وهو انتظار لا نظنه كان مع الأشواق كما قال دعبل الخزاعي: خليفة فات لم يحزن له أحد وآخر قام لم يفرح به أحد! ولكننا، بالذات في مجال الاتصالات حزنا حزنا أكبر، وتوقعنا عهدا ماسيا لوحدة الحجب! فوحدة الحجب أصلا (ذهبية الحال) لأنه يتبناها ضمير المؤتمر الوطني الناطق صاحب (الانتباهة) ويسير من ورائه وزراء الاتصالات خطوة بخطوة. قال الوزير السابق الدكتور يحي حينما سئل عن حجب مواقع الإنترنت: (نحن في الهيئة لدينا خطة ومشاريع بدأت منذ عام 2003م لحجب المواقع المخلة بالآداب، وهذا مشروع رفعت الهيئة شعاره منذ فترة، وجزى الله خيراً أستاذنا الطيب مصطفي فهو الذي بدأ هذا المشروع منذ ذلك الزمان، وأنا تشرفت أن أكون عضواً في اللجنة الفنية لهذا المشروع). ومما يجدر ذكره أن الوحدة حجبت أحيانا مواقع سياسية لأسباب أمنية، كما أنها تحجب المواقع التي تحتوي على بعض الكلمات وأحيانا تكون تلك المواقع مما يذكر الكفر لتفنيده وراوي الكفر ليس بكافر! ويشكل الحجب في نهجه الحالي قيدا ثقيلا على حرية التعبير في السودان. سبب حزننا القديم علاوة على نهج الحجب الغرابي، هو أن حكومة المؤتمر الوطني اتخذته لفرض الاستقامة فرضا بدلا عن غرسها لتنبت في مجتمع فاضل، وكانت مآلات هذه الخطة غير السديدة أن حصد المجتمع السوداني شوكا في استغراق الشباب في الرذائل، مثلا، تعاطي المخدرات بنسب تصل 60% في بعض الجامعات وقصص الانحراف الخلقي برواياتها التي تفرغ الأحشاء. وظللنا نقول إن الفضيلة لا تكون بالعصا بل بالتربية والقدوة وسد الذرائع وتوفير الحاجات. والذي تقوم به (وحدة الحجب) ليس إلا بمثابة غلق الطريق إلى محيط الرذائل عبر باب وحائط سيكون دائما هناك ألف طريق للالتفاف عليهما فالمحيط لا يحجبه سور. ولو أردنا صرف الشباب عن الاغتراف من ذلك المحيط فما علينا إلا أن نجعلهم بداية يأنفونه ويحبذون الاستقامة. جاء في الخبر أن وزير الاتصالات الجديد ينتمي إلى جماعة أنصار السنة المحمدية، فقلنا: (هي في البير ووقع فيها الفيل) فالجماعة تنظيم سادر بشكل أكبر في طريق الحجب مما يعني أن عهد الحجب الذهبي القديم سوف يتحول إلى ماسي. اللهم إلا لو كان الوزير السيد محمد عبد الكريم الهد يتبع الجماعة مع مراجعات أساسية في نهجها فنحن لم نحط بأفكاره ولكنا حكمنا عليه بناء على المعروف عن جماعته. ومع احترامنا لحق الجماعة في الدعوة بالحسنى والتبشير برؤاها فهي جماعة قال بعض علمائها إن التفكير كالتكفير، ويروى أن القوم اضطروا لإقناع أحد أبرز شيوخها بالسعودية بحل المرئي وأنه ليس من عمل الشيطان ببثهم القرآن عن طريقه! فمع هذه الحال نرجو ألا يكون الحجب في الوزارة الجديدة هو الأساس، وألا نضطر لإثبات أن الفكر ليس كفرا، وأن الإنترنت ذاتها ليست من عمل الشيطان! وليبق ما بيننا