بدءا من عام 1990م وترسيخا وامتدادا لنهج ما يعرف بالتمكين تم الاستغناء عن خدمات عدد كبير من الدبلوماسيين السودانيين ليحل محلهم أهل الولاء ومن هم في مقامهم، وبجريان السنين انتشر القادمون الجدد لمهنة الدبلوماسية في كل مكان في سفارتنا في الخارج وفي رئاسة وزارة الخارجية وأصبحوا يشكلون أغلبية جلها من فئة المتردية والنطيحة وما عاف السبع ولكن بعضهم أعطوا الوظيفة حقها من احترام ومهنية ومناعة خلقية، و في نهاية المطاف يظل الوطن بأكمله هو الخاسر الأكبر من فصل الناس من وظائفهم بلا وجه ليحل فيها غيرهم بلا وجه حق أيضا، وقد بدت ظواهر هذا الخسران المبين جلية في عدد غير قليل من السفارات، وبعض هذه السفارات تستضيفها بلدان ذات علاقة وثيقة بالسودان وتربطها به مصالح حيوية مشتركة كثيرة و تتخذها أعداد كبيرة من السودانيين مهجرا لهم. بعض السفراء وبعض الكبار في هذه السفارات لا يفرقون بين العام والخاص، بين ما يجوز وما لا يجوز، بين الوطن والنظام، لا يعرفون حدا للعيب والحرام كجزء من ثقافة الفساد الإداري والمالي السائدة في الوطن والتي أصبحت وباء قاتلا لا يبقي ولا يذر وممارسة عفوية يومية يمارسونها بمثل عفوية التنفس والأكل والشرب. بعضهم اتخذ من مقر السفارة ، وهو مقر الدولة السودانية، ومنزله ،وهو ايضا منزل الدولة السودانية، مكانا لممارسة الوساطة التجارية ورعاية الصفقات التي لا تخلو من الشبهات والعمولات الحرام. أحدهم لم يجد في نفسه حرجا من تصيد بعض رجال الأعمال والمستثمرين في أحدى تلك البلدان واللهث وراءهم بصورة لا تدعو للاحترام ليعرض عليهم نفسه وخدماته ويعدهم بتوفير كل طلباتهم في السودان ممهورة ببصمة وختم المسئول المختص سواء كان في الخرطوم أو خارجها، وكانت داره مستضيفة وراعية لصفقة مشبوهة فاحت رائحتها لخارج أسوار الدار . أصبح الرجل مادة للتندر في جلسات مجتمعات رجال الأعمال الضيقة في ذلك البلد والتي تكشف فيها كل الأسرار، كل جليس يفرغ في نهاية اليوم ما في صدره وينثر ما عنده. لكن الرجل لديه من أسباب القوة ما يجعله ينام ملء جفنبه ويفعل ما يحلو له غير آبه بما تتناقله المجالس عن أفعاله. هذه الممارسات المفلسة لا تتوافق مع قواعد العمل الدبلوماسي ولا تغيب بالطبع عن عيون الأجهزة المعنية في البلدان المضيفة وإن كانت تلك الأجهزة تغض عنها الطرف لعدة اعتبارات، ولكنها،أي الممارسات، تخصم كثيرا من رصيد السمعة الطيبة للوطن وأهله داخل الوطن وخارجه بقدرما تخصم من رصيد سمعة السفارة كلها، وهو رصيد أخذ في التآكل السريع المخيف على جميع المستويات. ليت هذا وهؤلاء ، بلا استفاضة أو كثير من التفاصيل، يتقون الله فينا وفي وطنهم وفي أنفسهم، فنحن رغم كل شيء لا نملك إلا أن نحمل لهم قدرا كبيرا من الاحترام لأنهم يمثلون الوطن الذي تعلمنا منذ صرخة الميلاد الأولى أن نعشقه ، ولأنهم أصبحوا حقيقة واقعة يشكلون واجهة ذلك الوطن ورسله إلى العالم ، مهما كانت قلة حظهم من المهنية والمعرفة ومهما بلغ ضعف مناعتهم الخلقية، وأيا كان الطريق الذي أفضى بهم إلي هذه المواقع. [email protected]