(2-3) فى مقالى السابق والذى تناولنا فيه نظرية العناية الإلهية لاقتصاد الجمهورية الثانية فى السودان الشمالى، وقد خلصنا إلى أن ترك أمر التخطيط الاقتصادى الممنهج بإيدى العسكر وبعض متهجمى السياسة دون إعطاء الأهمية لدور الخبراء الاقتصاديين والابتعاد عن المحاور الاساسية فى العملية الاقتصادية والتى تتمثل فى العلم ودوره فى التبصير للعمل الجماعى، والأمن الاجتماعى ثم الإدارة الراشدة والتى تساعد على اتخاذ القرارات الأساسية الهامة وهى ماذا ننتج من السلع والخدمات؟ وكيف تنتج هذه السلع؟ ثم كيفية توزيع ذلك الإنتاج والسلع والخدمات على أفراد المجتمع؟. عليه فإن أى نظرية وحتى تتوافر لها فرص الاستمرارية والنجاح لابد من استيعابها للنماذج الاقتصادية وأساسيات النظريات المجربة عبر السنين وعلاقتها بالعلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى أما الدعوة إلى الاعتماد على ميزانية (سوف نحصل، سوف نزرع وسوف وسوف ………….) وإسقاط المبادئ العلمية وتحويل الجهود من الإنتاج إلى رفع الأكفة والتدرع لله وفتح أفواة الناس للسماء فإن الاقتصاد بهذا لن يستقيم وإلا فإن الدولة مطالبة بأن تجلب الملائكة من السماء لتحريك مشاريع التنمية وموارد الإنتاج التى توفر الثروة الازمة لإشباع رغبات شعب السودان المتضور جوعاً، ويكفى السماء أنها تتحمل ميزانيات ضخمة تصرف على أفراح وعراس الأموات وتنقلات أرواح الشهداء السودانيين فى الحروبات الأهلية منذ امد بعيد، وبنك الشمال خير مثال فى الاقتصاد السودانى أصله الثابت وفرعه فى السماء. ذكرت فى مقالنا السابق أن الغاية من الأنشطة الاقتصادية هو الحصول على الثروة بالكم التى تحتاجها الدولة ولو بالجوء إلى نهب اموال الأخرين، فما الغزوات والغارات فى التاريخ، ثم الاستعمار إلا وجهاً من وجوه الحصول على ثروات. فقد نهبت أوروبا خيرات افريقيا والعالم وها هى تعيش الرفاهية وإشباع لأغلب رغبات شعوبها. أن حادثة سرقة بترول الجنوب وإيضافة عائداته لميزانية الدولة أفضل عندى من خداع الناس بأن ميزانية العناية الإلهية هى التى ستفك كل النحس الذى أصاب مفاصل الإقتصاد السودانى الشمالى بأمراض النقرص والهشاشة، وهذه الأمراض فى حد ذاتها معيبة ومستهجنة فى الأداء الاقتصادى، فلا يعقل لدولة تدعى أنها دولة إلاهية دينية ثم ينعدم فى نشاطها أدنى معايير الأخلاق، فالاقتصاد مطالب أن يكون نزيهاً من الشبهات ناهيك من الاقتصاد الذى يعتمد على أموال منهوبة وعائدات الاتجار بالبشر والمخدرات وغسيل الأموال وضرائب الدعارة والخمور . فمنذ خروج المستعمر وحتى يومنا هذا يمكننا ان نجزم بالقطع بأنه لم يتم حساب الناتج القومى الإجمالى بعلمية وكاذب من يقول أن اياً من الحكومات الشمولية أو شبة الديمقراطية استطاعت أن تقدم حساب الناتج القومى الفعلى لجمهورية السودان منذ الاستقلال إلى ميلاد الجمهورية الثانية. إن عدم السيطرة على جغرافية الأرض السودانى وموارده البشرية والطبيعية والجوء إلى افتعال حروب تلو الآخرى وخروج أجزاء من أرضها خارج سلطة الدولة وتوقف حركة النمو الاقتصادى لتوقف عملية الانتاج عامة جراء التوترات والعمليات العسكرية وتحول الكثير من الشعب إلى قائمة المستهلكين وهذا أدى إلى عدم مقدرة الاقتصاديين فى دراسة ثم حصر وحساب عائدات قطاعات الإنتاج السلعى وقطاعات الخدمات الإنتاجية و الاجتماعية بشكل علمى يعكس الواقع الفعلى لاقتصاد الدولة وفى ظل هذه الاقتصاديات الجزئية والمغلقة لا يتم حساب التعاملات الخارجية وبالتالى عدم إضافته إلى الناتج المحلى لعدم الاستقرار والحروبات الأهلية التى تهدد انسياب التبادلات الخارجية مع الدول لعدم رغبة الكثيرين من المستثمرين لتعريض رؤس أموالهم لعوامل المخاطرة والذى تجعل فرصة الحصول على الأرباح والفوائد بالكم الذى يكفى إشباع رغباتهم شبة معدومة وبالتالى يتراجع عادات راجال الأعمال والدول الراغبين فى الاستثمار فى السودان. عندما يعتمد الاقتصاد على نظرية سوف وينطلى ذلك على مجلس كل أعضائه من حزب واحد وهو الحزب الحاكم ويقوم بعرض الموازنة وزير مؤقت وبلا صلاحيات دستورية فهذا فى حق ذاته الإقرار بالتخبط وفشل الوزارة فى إعطاء أرقام حقيقية لبنود الموازنة والتى يتطلع الشعب السودانى أن يوفى بحاجاتها، فليس من المنطق السوى الحديث عن الانتعاش فى الاقتصاد بالجمهورية الثانية رغم غياب البترول وعائداته هذا العالم لا يمكن توقع النمو الاقتصادى والعالم كله غارق فى الازمة الاقتصادية والتى طالت الدول الرأسمالية والمتقدمة ناهيك عن تلك المتخلفة كالسودان الشمالى الذى يرفع شعار الترشيد ثم ينفق بسخاء لمؤتمرات وهمية لا تعالج مرض الملاريا ولا تزيل القمامة من الطرقات، كيف ينتعش اقتصاد للجمهورية الثانية والانفاق الحكومى على العمليات العسكرية وإبادة شعب دارفور جبال النوبة والنيل الأزرق. من أين للاقتصاد فى الجمهورية الثانية بالعافية وهى تنفق ببذخ على الأحزاب المتوالية وحكومية مركزية مترهلة 66 وزيراً وأكثر إضافة إلى مساعدين ومستشارين للرئيس وحكومات ولائية ووزراء ولائيون وسلطات وهمية ولائية وحكايات ألف ليلة وليلة. أى مواطن بسيط يمكنه أن يقدم نقداً لازعاً لإقتصاد الجمهورية فهو اقتصاد لا يستطيع توفير مخزون استراتيجى من الذرة والدخن الذى يعتمد عليه غالبى أهل السودان. نظام اقتصادى عاجز عن التحكم فى الاسعار والتضخم فى المواد الأساسية المنقذ لحياة الناس والأطفال (السكر والملح) نظام اقتصادى غير قادر على استنباط موارد ومواعين إرادية جديدة لضخ العملات الصعبة فى خزينة الدولة. جمهورية تفتقر إلى استقرار وأجواء استثمارية ملائمة لجذب رؤس الأموال. إلى الملتقى 31-12-2011 [email protected]