من الصعب جداً وصف الدكتور حسن الترابي بالغباء والبله، ولا أظن أن أحداً شكك في مقدرات الترابي الذهنية غير اثنين هما الدكتور جعفر شيخ ادريس خصمه اللدود الذي كان يصفه بالغبي الذي يدعي الذكاء والكاتب الصحفي عبد الرحمن الزومة الذي فجر في خصومة الترابي بعد المفاصلة، وهناك بالطبع آخرون لم يصموه صراحة بالغباء وإنما وسموه بالغاضب الذي أعمى الغضب بصيرته، ومن أبرزهم الطيب مصطفى زعيم منبر (السلام العادل)، ومعظم هؤلاء من التيار الذي ناصر السلطة وانحاز الى القصر في الصراع الذي قسّم الاسلاميين الى منشية وقصر، ثم الى شعبي ووطني، ولكن ورغم كل شيء فإن ذكاء الترابي ليس محل شك، وتشهد عليه سيرة ممتدة منذ عهد الطلب، ولهذا لا يمكن النظر لكل الانتقادات التي تحاول عبثاً التقليل من قدراته العقلية إلا في إطار الشهادات المجروحة غير المنزهة عن الغرض… الآن جهاز الأمن يقول انه ضبط وثائق بحوزة نائب الترابي ابراهيم السنوسي كتبها الترابي بخط يده وفيها يدعو الى الانقلاب العسكري كأحد الخيارات للإطاحة بالنظام، والإمام الصادق المهدي أيضاً قال إن الترابي سبق أن دعاهم للمشاركة في انقلاب عسكري، وعندما نقول انقلاب عسكري في زمن الربيع العربي والانتفاضات والهبات الشعبية فإن الانقلابي هنا لن يكون إلا شخصا أو حزبا أو جماعة تسعى الى حتفها بظلفها، فالانقلابات التي كانت ظاهرة فاشية في دول العالم الثالث خلال الحقب السابقة لم تعد الآن كذلك، وإنما بالعكس أضحت ممقوتة ومعزولة ومحاربة من الكل، دول ومؤسسات ومنظمات اقليمية وقارية، وعلاوة على ذلك فإن النظام الحاكم في السودان قد اطبق بكلتا يديه على كل المؤسسات العسكرية والامنية من جيش وشرطة وأمن عام وأمن خاص واحكم قبضته عليها، فمن أين للترابي بانقلاب عسكري، بل كيف يفكر مجرد تفكير في هذا الاتجاه وهو يعلم بالضرورة اكثر من غيره صعوبة الانقلاب في ظل الاوضاع التي سيست الخدمة المدنية وجيّرت القوى الامنية لصالح بقاء الحاكمين على سدة السلطة؟، وهل هو بكل هذا الغباء أم أن الحمق والحنق جعلاه مثل (أبو الدقيق) يرفرف بأجنحته حول النار ثم لا يتورع من القاء نفسه في أتونها. لو قيل مثلاً إن الترابي يخطط لغارة من خارج الحدود على غرار ما فعله خليل أو ما فعله الترابي نفسه بالاشتراك مع الصادق المهدي والشريف حسين الهندي فيما عرف بحركة المرتزقة لكان ذلك أقرب الى التصديق، أما انقلاب انقلاب، فلا أظن أن الترابي قد بلغ هذه الدرجة من سوء التقدير وعمى البصيرة، وحتى لو صحّت الاتهامات المثارة ضده فلن يكون قصده الانقلاب بمعناه العملي، دبابات تسيطر على الاذاعة والتلفزيون وتغلق الكباري وتسيطر على المواقع العسكرية، وتعتقل القيادات الحكومية ومارشات عسكرية وبيان أول الى آخر هذه المظاهر الانقلابية، وإنما الانقلاب بمعناه وبُعده النفسي الذي ينغص حياة الحاكمين على طريقة ( سهر الجداد ولا نومو)، بل حتى نومهم يجعله خزاز مثل نوم الديك في الحبل والله أعلم…