عندما بدأ توماس ادوارد لورنس الشهير ب (لورنس العرب) في تأليب وحشد القبائل في بلاد العرب وشبة الجزيرة العربية علي وجهة الخصوص، ضد الإمبراطورية العثمانية عام 1916م، كانت (الحرية) هي الكلمة السحرية التي خدع بها قيادات قبائل وشعوب المنطقة العربية وأوهمهم بانه سوف يساعدهم علي نيل حريتهم وتخليصهم من الجبروت والظلم التركي، ولكنه أخفي عنهم مهمتة الرسمية كضابط مخابرات بريطاني تتمحور هذه المهمة الاستخباراتية حول توسيع رقعة الامبراطورية البريطانية والهيمنة علي علي كل البلاد العربية بدلا عن الهيمنة التركية. الارهاب أو التخويف مفردات موجودة منذ الازل. ويقصد بها تنفيذ اعمال عنف تستهدف المدنيين العزل لاحباط الروح المعنوية للعدو سواء كان ارهاب دولة أو ارهاب مجموعات ترفع شعارات لتحقق أهداف محددة. وتعريف مفهوم الإرهاب صاحبه جدل طويل وخلاف عميق بين الدول حيث طوعته الأنظمة والحكومات الدكتاتورية، لقمع الحركات الاحتجاجية التي تطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وبعض حركات التحرر التي تطالب بالاستقلال أو حق تقرير المصير أو ظلامات تنموية واجتماعية أو مشاركة في السلطة والثروة والقرار السياسي. كما مارسته تلك الجماعات والحركات في مواجهة حكوماتها. حيث تتهم هذه الحركات حكوماتها بالتهرب من دفع فاتورة الإصلاح والتنصل من كل انتهاك لحق إنساني. وبعد احداث 11 سبتمبر 2001م التي استهدفت برجي التجارة العالمي بمنهاتن، استخدمت الولاياتالمتحدة مصطلح (الحرب علي الارهاب) للتغطية واضفاء مشروعية لكل الاعمال الوحشية والهيمنة المطلقة التي مارستها حول العالم لحماية مصالحها ومصالح حلفاءها خاصة في العراق وافغانستان، مما حدا ببعض الحكومات الدكتاتورية خاصة في المنطقة العربية أن تحذو هذا المنهج، وتتخفي خلف هذا المصطلح، غير المتفق عليه تعريفاً ومعني، لإعطاء شرعية قانونية للعنف الذي تمارسةأجهزتها القمعية ضد شعوبها امام المجتمع الدولي. تعلل القذافي بهذا المنطق واحتج به في مواجهة خصومه حتى استفز به الامريكان ودول الغرب عندما شن غارات جوية ضد المواطنين العزل في مدن “كالزنتان” و”سرت” و”بني الوليد”. وأخيراً “بنغازي”. وتعلل بنفس الحجة واستغلها لأبعد مدى (علي عبد صالح) في اليمن وقام بقتل وقمع شعبه. ومن بعده (بشار الاسد) في سوريا. وبذات التعليل، ساقت حكومة إنقلاب الانقاذ حروبها ضد المواطنين العزل في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الازرق وجنوب كردفان، وشرق السودان وحروب التجاهل ضد شعب المناصير وضحايا السدود في كجبار وداخل العاصمة القومية. وبل ذهبت اكثر من ذلك عندما طالبت المجتمع الدولي بانزال عقوبات تحت مسمي الارهاب علي حركة العدل والمساوة عند انسحاب الاخيرة من المفاوضات في الدوحة. بل وطالبت في مذكرة حمراء استندت فيها علي قانون الارهاب وطالبت بوليس الانتربول الدولي بالقبض علي زعيمها الشهيد د. خليل إبراهيم. تشرع حكومة حزب المؤتمر الوطني وفي سعي حثيث الآن، في سن قانونا جديد للجاسوسية في السودان. والقصد منه اطفاء مشروعية قانونية لممارسة مزيد من الارهاب الذي ظلت تمارسه ضد الشعب السوداني بشتي السبل، من تضييق في حرية الرأي والتعبير، وإغلاق الصحف، والاعتقالات والتعذيب القاسي بحق خصومها، وقمع الذين يحتجون من غلاء المعيشة، وغيرها من السياسات الظالمة بحق مواطنيها. المقصود بهذا القانون هو تخويف وترويع المهاجرين السودانيين ذوي الجنسيات المزدوجة والمقيمين في الخارج خاصة في المهجر. حيث صاروا يشكلون تهديدا جدياً لحكمهم مما أرعبهم وهدد كيان وجودهم، فوجد النظام في اتهامهم بالجاسوسية وفبركه تهم العمالة، والارتزاق، والتعامل، والتخابر مع الخارج ضالته، ومن ثم يمكن معاقبتهم جنائيا، سواء كانوا داخل أو خارج السودان، كما حدث مع الناشط المعارض عبد المنعم سليمان، ويبدو بأن هذه الحكومة تقلد حكومة الملالي في إيران وذلك بنقل تجرتبها بالكربون، كما حدث مؤخرا مع المواطن الامريكي ذو الاصول الايرانية “امير ميرزا حكمتي” والذي حكمت علية محكمة ايرانية بالاعدام متهمة اياه بالتجسس لصالح وكالة المخابرات الامريكية وتكمن خطورة هذا القانون في أن النظام يريد به تصفية خصومه السياسيين المقيمين في الخارج الذين باتوا يشكلون له هاجسا مستمرا وذلك لسهولة تلقيهم المعلومة من الداخل التي تمثل انتهاكا لحق إنساني والقيام بسرعة نشرها وذلك بالاتصال بالمنظمات الحقوقية والإنسانية، الأمر الذي شكل ويشكل ضغطا مستمرا للنظام وجعل تكلفة تضليله للرأي العام المحلي والدولي باهظة. ومصدر الخوف والقلق من سن هذا القانون، أن لا أحد من أفراد الشعب السوداني يتوقع أن تلتزم حكومة الإنقاذ ومشرعوها بالتعريف القانوني للجاسوسية علي حسب ما جاء في اتفاقية لاهاي بالمادة 20 منه، لتحمي به الدولة السودانية وكيانها من الاختراق والمحافظة علي ما تبقي منها، بل الخوف كل الخوف أن يكون المقصود بهذا القانون كل من كتب كلمة أو حرفا بعكس ما تشتهي سفن الإنقاذ، أو قال كلمة في ندوة أو تحرك في جسم سياسي يعارض به سياساتها أو تعامل مع منظمة إنسانية لغوث ضحاياها. وحكومة الإنقاذ حصدت ما غرست! أليسوا هؤلاء المبعثرين في فجاج الأرض، الذين باتوا يشكلون خطرا عليها وتخاف منهم، هم من ضحاياها؟. أليست هي سياسة مقصودة منهجا وتخطيطا واعترف بها رجل الإنقاذ الأول المطرود صلاح قوش، وذلك عندما صرح وقال (لم نكن نعترض كل من يريد الهجرة خارج السودان حتى لا يبقي من يعارض النظام في الداخل). وفرضية أن الإنقاذ تريد بالذين يعارضونها في الخارج شرا، وعليهم أخذ الحيطة والحذر منها، ومن خبثها، هي مطاردتها وضيقها بالرأي الآخر، وما تخريبها لموقع (سودانيز أون لاين) الشهير لأكثر من مرة وغيره من المواقع ذات التأثير الهائل في الرأي العام المحلي والإقليمي وحتى الدولي (كالراكوبة) و(حريات) و(سودانايل) وغيرها من المنابر الحرة إلا دليلا قويا أن الأفراد النشطين الذين يعارضونها ويكتبون في تلك المواقع هم الهدف التالي. دون أن نسقط من افتراضنا كل نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية. مجدي الجزولي