ميثم الجنابي.. تبرهن الأحداث التاريخية في ظل السيطرة التوتاليتارية على أن نتيجتها الحتمية هي الخراب الشامل للدولة والمجتمع والثقافة. وليس مصادفة أن تتعرض الطبقة الوسطى في ظل هذه الأنظمة إلى الخراب والتخريب “المنظم”. وهي نتيجة يمكن اعتبارها ظاهرة حتمية ملازمة للنظام التوتاليتاري بغض النظر عن القومية والدين ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والتكنولوجي للدولة والأمة. وإذا كان من الصعب الحديث عن “توتاليتارية عربية” بسبب التباين الفعلي بين دول العالم العربي وأنظمتها السياسية، فإن مما لا شك فيه هو انتشارها فيه بأشكال مختلفة. بمعنى سيادة عدد من التوتاليتاريات التي شكل النموذج العراقي إحدى صيغها الكلاسيكية “المتطورة”، أي الأكثر تخريبا! الأمر الذي يعطي لتحليلها أهمية علمية وعملية بالنسبة لرؤية آفاق البدائل المتعلقة بالفكرة الليبرالية (النظام السياسي الديمقراطي والمجتمع المدني) والراديكالية السياسية، بوصفها مرتع الاحتمال التوتاليتاري. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الحقيقة العملية الجلية عن ترابط الفكرة الليبرالية بالطبقة الوسطى. وهي حقيقة لها جذور تاريخية وفكرية واجتماعية، بفعل التلازم العضوي بين وجود الطبقة الوسطى والفكرة الليبرالية. وهي حقيقة يبرهن عليها مجمل التطور العالمي في مجال بناء الديمقراطية والمجتمع المدني. مما يجعل من مهمة الصراع من اجل إعادة بناء الطبقة الوسطى الأسلوب الوحيد الواقعي والعقلاني لبناء النظام الديمقراطي الاجتماعي والسياسي في العالم العربي المعاصر. فمن المعلوم إن الفكرة الديمقراطية، بوصفها بحثا عن الاعتدال، عادة ما تتجذر في الوعي السياسي للطبقات الوسطى. بل أن الفكرة الليبرالية تاريخيا واجتماعية ونفسيا هي من صنع الطبقة الوسطى. وليس اعتباطا أن تشترك مختلف التوتاليتاريات السياسية والعقائدية (من أقصى اليمين واليسار) بمحاربة الطبقة الوسطى وتصويرها على انها مرتع “القلق” و”انعدام الثبات” في المواقف! أما في الواقع فإن حقيقة “القلق” تعادل نفسية وذهنية البحث الدائم عن الجديد أو ما يمكن دعوته بالثبات الديناميكي. أما اتهامها “بانعدام الثبات” فهي مجرد صيغة أيديولوجية مقلوبة للرؤية التوتاليتارية التي عادة ما تجد في الثبات أسلوبا لوجودها، مع ما يترتب على ذلك من استبداد وقمع لكل اختلاف وتباين وحركة تؤمي بإمكانية خلخلة الوضع القائم. من هنا عدائها السافر والمستتر لكل”خروج” على “ثوابتها” الوطنية والقومية والاجتماعية والفكرية وما شابه ذلك. أما في الواقع فإن الطبقة الوسطى هي الأكثر “ثباتا” بمعايير الديناميكية التاريخية والاجتماعية. وهو ثبات نابع من موقعها الاجتماعي التاريخي بوصفها الطبقة الأكثر ارتباطا بفكرة الحرية والنظام الاجتماعي الديمقراطي. فالطبقات جميعا عرضة للتغير والتبدل من حيث موقعها الاجتماعي وأيديولوجياتها وأفكارها المتعلقة بماهية الدولة والمجتمع المدني وفكرة الحق والحقوق، بينما تبقى الطبقة الوسطى من حيث الإمكانية والواقع الممثل الفعلي لتيار البحث الدائم عن نسب الاعتدال والعقلانية والحرية الفردية والاجتماعية، أي الممثل الأكثر نموذجية لفكرة الحرية والديمقراطية السياسية والاجتماعية. إذ يبرهن التطور التاريخي للدولة العصرية والأمة (القومية) والمجتمع المدني على أن الطبقات جميعا من عمال وفلاحين وبرجوازية كبيرة وأرستقراطية، عرضة للتبدل الكبير أو الانقراض، بينما تبقى الطبقة الوسطى القوة الاجتماعية الوحيدة الأكثر ثباتا، بمعنى القوة الاجتماعية الوحيدة القادرة على تمثل مبادئ الثبات الديناميكي بالنسبة لقيم الحرية والديمقراطية. إذ أن التحولات الممكنة فيها تصب في اتجاه التكامل الاجتماعي والسياسي والثقافي للفكرة الديمقراطية والليبرالية. وفي هذا تتكامل إمكانية تمثيلها للحركة العقلانية والواقعية في بناء الدولة والمجتمع والثقافة الإنسانية. والقضية هنا ليست فقط في أنها الممثل التاريخي والاجتماعي والثقافي للحرية والإبداع، بل ولكونها الحلقة الضرورية لصنع الاعتدال الدائم في المجتمع والفكر على السواء. من هنا ثبات الحرية فيها ونزوعها صوب القانون. وفي هذا يمكن سر الخلاف التاريخي بينها وبين التوتاليتارية والراديكاليات السياسية. وفي هذا أيضا كان القضاء على الطبقة الوسطى أو إضعافها الأسلوب “الضروري” للأنظمة الدكتاتورية والتوتاليتارية من اجل ترسيخ وجودها وثبات ديمومتها السياسية. وهو تعارض وتضاد يمس كل مكونات وجودهما الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، أي كينونتهما التاريخية. فالتوتاليتارية تجد في تخريب وتهميش وسحق الطبقة الوسطى أسلوب وجودها السياسي والعقائدي، أي أسلوب تجسيد كينونتها التاريخية. وهو أسلوب يستحيل تنفيذه دون سحق أو تهميش الطبقة الوسطى، بوصفها حاملة الفكرة الليبرالية والديمقراطية. بعبارة أخرى إن التعارض والتضاد بينهما هو تعارض شامل ولا يمكن حله دون نفي الآخر. إذ لا يمكن للتوتاليتارية الوجود والعيش دون القضاء على الطبقة الوسطى. فهو أسلوبها الوحيد لتجفيف ينابيع الإبداع الاجتماعي والثقافي والسياسي الحر، أي أسلوب عيشها “الحر” في “قيادة” الدولة والمجتمع والإنسان والعقل والضمير! وهو أسلوب ينبع من الإحساس الغريزي للتوتاليتارية بقوة الثبات الديناميكي للطبقة الوسطى بوصفها مصدر الإبداع الدائم للحرية وقوام الحراك الاجتماعي والسياسي للفكرة الديمقراطية والمجتمع المدني. من هنا لا تؤدي ممارسة الأنظمة التوتاليتارية تجاه الطبقة الوسطى في نهاية المطاف إلا إلى تفريغ المجتمع من مقومات الاعتدال الاجتماعي، ومن ثم خلخلة الوجود الاجتماعي للدولة والأمة، مع ما يترتب على ذلك من اغتراب تام للسلطة عن المجتمع وفساد وإفساد شامل لهما. أما النتيجة المنطقية لذلك فتقوم في تخريب الكلّ وصنع الرخويات وتهييج مختلف أنواع الراديكاليات المتخلفة. ولعل تجربة العراق الحديثة هي خير دليل على ذلك، والتي يمكن وصفها فيما يتعلق بالطبقة الوسطى، بأنها خليط غريب لديناميكية الاستبداد والتهميش. الأمر الذي طبع التوتاليتارية العراقية (البعثية الصدامية) بطابع متميز هو عين الخراب والانحطاط. +++ التوتاليتارية على العموم هي نتاج خاص للانقطاع الراديكالي في تاريخ الأمم والثقافة. ومن ثم فهي وثيقة الارتباط بخصوصية تطور الأمم وكيفية تمثلها لتقاليد حل الإشكاليات الكبرى لعلاقة الطبيعي بالماوراطبيعي في الفرد والجماعة والدولة، وكذلك بمستوى انتقال الأمم من المرحلة العرقية إلى المرحلة القومية الثقافية. فمن الناحية الشكلية (والعملية أيضا) تسعى التوتاليتارية إلى تمثل وتمثيل الوحدانية من خلال تحويلها إلى واحدية شاملة لوجود الأشياء والأفعال والناس. وهو تناقض لا يمكن حله إلا بانحلال التوتاليتارية نفسها. وذلك لان التوتاليتارية لا تعقل خارج هذا التناقض التاريخي الذي يميز مساعي العقائد الكبرى لتمثيل “الحقائق الخالدة”. بمعنى محاولتها تمثل وتمثيل ما تعتقده نموذجا افضل وأسمى لوجود الأشياء ونظام البشر. إن آلية توليد وإعادة إنتاج التوتاليتارية ترتبط أساسا بثلاث أسباب هي كل من فقدان الحدود العقلانية في العلم والعمل، وفقدان الاعتدال العقلي – الأخلاقي، وأخيرا خلل التوازن الداخلي، الذي عادة ما يجد انعكاسه في سيادة الغلوّ والتطرف العملي. وهي أسباب تحدد ظهور وفاعلية العناصر الكبرى للتوتاليتارية، وبالأخص كل من: “مشروع بلا بدائل”، و”يقين بلا احتمالات”، و”إرادة بلا رادع”، و”واحدية عقائدية سياسية بلا روح ثقافي”. أما النتيجة الحتمية لكل ذلك فهو تخريب المجتمع والدولة والوعي. وفي الإطار العام يمكن القول، بان نتيجة التوتاليتارية هي تخريب الكلّ، وذلك لان كل سعي لفرض نموذج كلي سوف يؤدي بالضرورة إلى تدمير الكلّ. وذلك لان مفهوم الكلّ بحد ذاته صعب البلوغ حتى بالنسبة للوعي المجرد. إضافة لذلك أن الكلّ يتعارض مع الإجبار. كما انه بحد ذاته يفترض تلقائية ارتقاء جميع مكوناته. بينما التوتاليتارية في جوهرها هي نتاج الخروج على الكلّ الاجتماعي والتاريخي من جانب حفنة صغيرة لا علاقة لها بالكلّ سوى ادعاء تمثيله المطلق. وهو وهم يصنع اشد المفاهيم غلوا، وأكثر القيم رذالة، وأوسع الممارسات شناعة. وقد جسدت التوتاليتارية البعثية الصدامية في العراق نموذجا خاصا لها أدى إلى “صناعة” نوع ربما هو الأتفه في تاريخ التوتاليتاريات بأسرها. فقد كانت في ممارساتها تجسيدا لفقدان الحدود العقلانية في العلم والعمل، وفقدان الاعتدال العقلي – الأخلاقي، وخلل التوازن الداخلي، الذي وجد انعكاسه في سيادة الغلو والتطرف العملي. أما النتيجة فهي “تنظيم” دكتاتورية بلا حدود ولا قيود، “نظامها” الوحيد هو تقنين العنف والإرهاب. بحيث جعلت من “مشروعها” لبناء العراق عقدا أبديا لا علاقة له بالتاريخ والمجتمع، وتطاولت إلى درجة لم تسمح بأي قدر من البدائل، بما في ذلك من جانب “الحزب” الذي تمثله. وأكملت ذلك بيقينها القاطع لكل احتمالات من جانب أي فرد وجماعة ومنطقة وطائفة وحزب وقومية، باختصار أنها وجدت في كل “احتمال” مهما صغر جريمة ومؤامرة وتخريبا للحق والحقيقة. مما جعلها تمارس أقسى أنواع القهر والإكراه. وأعطت لكل أفعالها المنافية للقانون والأعراف والأخلاق والحق والحقيقة صفة “الإرادة الثورية”. مما افقدها تدريجيا من كل رادع عقلي وأخلاقي، بحيث دفع بها في نهاية المطاف إلى أن تلتهم نفسها بنفسها بعد إفراغ مستمر للمجتمع من كل قواه الحية. أما النتيجة فهي سيادة رؤية عقائدية لا علاقة لها بالمفهوم الحقيقي للسياسة بوصفها إدارة شئون الدولة استنادا إلى المجتمع وتنظيم قواه بما يخدم المصلحة العامة. وهي رؤية لا مكان فيها للثقافة بالمعنى الدقيق للكلمة. بعبارة أخرى، أنها أدت إلى واحدية عقائدية – سياسية بلا روح ثقافي. أما النتيجة فهي إنتاج مستمر للرخوية والرخويات في كل مكونات الدولة والمجتمع، أي إعادة إنتاج دائمة للرخويات الراديكالية الدينية والدنيوية. وهي نتيجة ليست سوى الوجه الآخر لحقيقة التوتاليتارية بوصفها ظاهرة مميزة للهامشية الاجتماعية والسياسية في عراق القرن العشرين. فتهميش الطبقة الوسطى الذي بلغ في ظل التوتاليتارية البعثية الصدامية أقصى مدى له أدى إلى تفريغ المجتمع من قواه الحية، ومن ثم توسيع مدى الأرضية الفعلية للقوى الرثة والحثالة الاجتماعية، وبالتالي غلبة اللاعقلانية في كل نواحي الحياة، مع ما يترتب على ذلك من نمو مختلف منازع الغلو والتطرف والسلفية (الأصولية). وهي الحالة التي يواجهها العراق في الظرف الحالي، باعتبارها القضية الأكثر والأشد تعقيدا بالنسبة لإنجاز مهمة التحول صوب النظام الديمقراطي السياسي والدولة الشرعية والمجتمع المدني. ولعل النماذج المتنوعة من الحركات السلفية المتلفعة بأسماء “أهل السنة والتوحيد” و”جيش الإسلام” و”جيش أنصار السنة”، أو أشباهها من “جيش المهدي” في “التيار الصدري” هي مجرد الصيغة الأولية الملازمة لما يمكن دعوته بمرحلة الانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية في ظروف العراق الحالية. وليس مصادفة أن تشترك هذه الحركات جميعا في التلذذ بكلمة الجند والجيش والعسكرة. فهو الأسلوب “الطبيعي” المعبر عن حال الرخوية الاجتماعية ونفسية الحثالة الرثة وفقدان العقلانية السياسية. كما أنها حالة تشير إلى “استمرار” التوتاليتارية في آثارها و”مآثرها”، والتي يشكل انعدام الطبقة الوسطى أحد العوامل الجوهرية في استفحالها وديمومتها. وقد وجد كل ذلك انعكاسه في الاستفحال المتجدد للنزوع الراديكالي عند مختلف القوى الاجتماعية والسياسية. وهي قوى اجتماعية عراقية معبرة عن حالة عراقية فعلية. أما في وسائلها، فانها التجسيد الأكثر تخلفا لكيفية إدارة الصراع الاجتماعي والسياسي، وذلك لان “منطقها” الوحيد هو منطق السلاح لا سلاح المنطق. وهي أيضا وسيلة معبرة عن حالة عراقية فعلية. وفي نيتها تسعى للهيمنة، وهي أيضا نية معبرة عن حالة عراقية فعلية. مما يعكس بدوره الحقيقة التالية: ان النفسية والذهنية الراديكالية لا ترى ولا تسمع ولا تتذوق الا ما يجري فيها فقط! ومن الصعب تذليل هذا الضعف التاريخي للراديكالية السياسية العراقية دون العمل من اجل بناء الدولة الشرعية ومؤسساتها والنظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني والثقافة العقلانية. وهي مكونات يستحيل بناءها دون إرساء الأسس الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية بشكل وللطبقة الوسطى بشكل خاص. فهو الأسلوب الوحيد الواقعي والعقلاني لإعادة بناء العراق. وهي مهمة تفترض بالقدر نفسه تذليل ضعف القوى الاجتماعية والسياسية العراقية وبالأخص نفسية المؤامرة فيها. بمعنى الارتقاء إلى مصاف الرؤية الوطنية العراقية وترسيخها في الوسيلة العملية والنية الاجتماعية والغاية الديمقراطية والحقوقية. مما يفترض بدوره العمل على دمج القوى الراديكالية في المجتمع من خلال تحسين شروط وجودها الاجتماعي والاقتصادي. إذ أن قواها الاجتماعية هي إحدى اكثر القوى التي تعرضت للتخريب والدمار من جانب التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. ومن ثم فإن المشروع الواقعي والعقلاني لتذليل الراديكالية السياسية في العراق يفترض العمل من اجل إرجاع حقوقهم المهدورة كاملة من خلال دمجهم في عملية البناء الجديدة للعراق. لاسيما وانه الأسلوب الضروري أيضا لتذليل بقايا التوتاليتارية والراديكالية وإحقاق الحق والعدالة. كما أن من الضروري استكمال هذه العملية بترجيح أولوية الرؤية السياسية والبدائل السياسية في الموقف الراديكالية السياسية عموما. بمعنى العمل على استبدال الصراع المسلح بالصراع السياسي، واستبدال نية الهيمنة بنية البديل العملي للتعددية والنظام الديمقراطي، وأخيرا تأسيس فكرة النظام المدني بوصفه البديل المعقول والمقبول لكل توتاليتارية دنيوية (علمانية) كانت أم دينية. إن النقص الذي تعاني منه الحركات الاجتماعية والسياسية العراقية ونموذجها الأكثر تطرفا في الحركات الراديكالية السياسية، نابع من طبيعة الخلل الذي يميز “الحالة العراقية” ككل، التي هي بدورها النتاج “الطبيعي” لأربعة عقود من التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. الا أن ذلك لا ينفي ما سبق للمعتزلة وان أطلقوا عليه كلمة الإرادة، بحيث توصلوا إلى الحكمة الكبيرة القائلة، بان الإنسان إرادة. ومن ثم يتحمل بصورة كاملة مسئولية فعله سواء فيما يستند إليه من قوى ويستعمله من وسائل وما ينوي القيام به وما ويهدف إليه. إذ حقيقة الإرادة هي السعي إلى ما هو معقول ومقبول بمعايير الحق والحقيقة. وهي الفكرة التي ينبغي أن تتقاسمها القوى السياسية جميعا من اجل الخروج من معارك الجسد من خلال جعلها آخر معارك الراديكالية السياسية في العراق. كل ذلك يضع أمام جميع الحركات السياسية والاجتماعية العراقية المعاصرة بمختلف مشاربها مهمة إدراك العبرة التاريخية والسياسية والأخلاقية من تجربة التخريب الشامل للتوتاليتارية البعثية الصدامية. فهي الاتجاهات الكبرى التي تحتوي في أعماقها على بذور عقائدية للتوتاليتارية. بمعنى إدراك الحقيقة البسيطة القائلة، بان كل سعي لفرض نموذج كلي سوف يؤدي بالضرورة إلى تدمير الكلّ. مما يستلزم بدوره إعادة النظر النقدية والشاملة بالرؤية الفلسفية للأيديولوجية العملية بما يخدم توحيد الرؤية العقلانية والمعتدلة الساعية لبناء دولة المؤسسات الشرعية والمجتمع المدني. وهي مهمة ممكنة التنفيذ في حال بلورة رؤية فلسفية سياسية وعملية عن المجتمع المدني وفكرة الحرية والنظام في العراق، بوصفه الأسلوب الضروري لتذليل بقايا التوتاليتارية والراديكاليات الاجتماعية والسياسية الرثة. نقلاً عن الحوار المتمدن