كثر حديث حارقي البخور عن الأجندة الخارجية لكل معارض للنظام، غاضين الطرف عن عمق الأزمة التي يعيش فيها النظام، بينما ايقن واجمع معارضي النظام إن مسألة سقوط النظام أصبحت مسألة وقت وتحتاج إلى زرد العقدة على عنقه ليلفظ أنفاسه الأخيرة. الذي ينظر لوجوه اعضاء الوفد المفاوض في محادثات أديس أبابا الخاصة، برسوم نقل بترول حكومة جمهورية جنوب السودان عبر أراضي جمهورية السودان، والتى تطرقت لها في موضوع سابق، يرى وجوها غبرة ترهقها قترة، تكاد تذرف الدمع من خيبة الأمل في عدم تحقيق ما يصبو إليه الوفد، بالرغم مما قدموا من التنازلات واظهروا حسن النية باخلا سبيل البواخر المحتجزة، والتى لا من الناحية الإنسانية ولا القانونية أن تأخذ حقك بوضع يدك على ممتلكات الغير دون الاتفاق معهم على ذلك، إلا اذا أردت أن تعيش وتعيش شعب السودان في توتر مستمر وتشغله عن معاناته اليومية. ما يحير المتابع لأحداث المناقشات والخلافات بين البلدين يؤلمه ويضحكه في آن واحد: يؤلمه بأن دفاع حكومة السودان عن مستحقاتها والتوصل إلى حل بشأنها يستند على افتراض عجز حكومة جنوب السودان عن وقف نقل البترول عبر خطوط الشمال، وذلك لأسباب عدة، فنية ولوجستية ومالية، وقرر مفكري المؤتمر الوطني وحكمائه استغلال هذا العجز في الضغط ليحل أزمة حكومته الاقتصادية على حساب حوجة الجنوب لهذا البترول الذي يغطي 98% من ميزانيته. موقف انتهازي، كان سببا في فشل المفاوضات ولكن حارقي البخور للنظام يرجعون كل هذا الفشل للأيادي الأجنبية التي لا تريد الخير للسودان... الشماعة : امريكا واسرائيل واعداء التنمية في السودان والذين يريدون تقسيم السودان إلى دويلات بعد اضعافه يسهل ابتلاعها! هب أن ذلك هو الحقيقة، هل الحل أن تهيئ لهم حكومة المؤتمر الوطني الأرض الصالحة لتحقيق مآربهم، مثلما هيأت لهم الأرض الصالحة لانفصال الجنوب ووجدوا لهم موطأ قدم هناك ومثلما هيأت الأرض الصالحة لعلاقة الجنوب مع اسرائيل بعدائها السافر للدولة الوليدة؟ وتهيأ الآن التربة الصالحة للتدخل الدولي بجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وابيي ودار فور التي لم تنطفئ نارها بعد، باشعالها لحرب ضروس لن تقود إلا لمزيد من التشتت والدمار والتدخل الأممي. الوضع شديد التعقيد في السودان يحتاج لمتابعة دقيقة وحكمة لإزالة هذا النظام المعاند الذى لا يرى إلا نفسه والكرسي الذي بالجلوس عليه يملك قرار الدمار، فبدون غروبه عن الساحة السياسية لا معنى لأي حديث عن كيفية الخروج من هذه الأزمة، وإن البلد حبلى بالثورة والمخاض ليس بالبعيد: أولا : يستعدى النظام دولة الجنوب الوليدة ويفتعل معها التوترات فى القضايا المتبقية من قبل الانفصال، مايسمى بالمتبقى من قضايا اتفاقية السلام الشامل، وهذه قضايا واجبة الحل(النفط، الحدود، ابيى، الحريات الأربعة،.. الخ) دولة الجنوب بالرغم من ضعفها، وبالرغم من إنها مازالت تنازعها الصراعات القبلية وتتحكم فيها قيادة وجدت نفسها فى قيادة دولة ليست لها مقومات الدولة وتشبعت بكثير من سوءآتكم وطريقة حكمكم، وبالرغم من حداثة تجربتها فى الحكم، وإنها أول تجربة لحركة مسلحة قضت أكثر من عشرين عاما بين الأدغال لا لغة لها غير البندقية، إلا أنها مدعومة دعما غير محدود من المجتمع الدولي عدو رأس دولة جمهورية السودان وعلى رأسه الولاياتالمتحدةالامريكية. فلا مجال للانتصار عليه ومعاداته ليست من مصلحة الطرفين ولا الشعبين. ثانيا- كفرت الحركة الشعبية قطاع الشمال بالعمل السلمي كطريق وحيد لاسقاط النظام أو لتحقيق التحول الديمقراطي، وانضمت إلى الحركات الدارفورية في تحالف لإسقاط النظام عبر البندقية دفاعا عن حقوقهم المسلوبة. ثالثا – التحركات الشعبية التي طاقت للحرية والديمقراطية ولإزالة الغبن والضيم واذلالهم بالتجويع وانعدام الخدمات التى تتواءم مع دخولهم، والتشريد عن العمل وجيوش العطالة تهيم على وجوهها لا ترى أين المفر، وحذاء العسكر يدوس على كرامتهم، وبندقيته وغازاته المسيلة للدموع تنال كل من يهتف يريد عيشا كريما في وطنه. رابعا– كم من الملايين اختاروا المنافي الاختيارية من أجل العيش الكريم حتى ولو كان بعيدا عن حقه المسلوب وكم من مهجر قسريا عن أرضه لتباع للمستثمرين الاجانب ويغرق زرعه وضرعه، يعتصم سلميا من أجل قطع أرض جوار رفاة اسلافه، يحافظ فيها على ارثه وثقافته وهويته في وطنه الصغير، يرفع الآن أنه يريد اسقاط النظام! خامسا– التحركات الطلابية واعتصاماتها واغلاق الجامعات وتضامنهم مع المعتصمين من المناصير والاعتقالات التي تطولهم وأيدي الأمن التي تلوح بعصاها وخطب نافع المستفزة، والتي تُذكِّر بخطب الصحاف وقذافي والسفاح نميري ومن قبلهم الجنرال عبود وخطبه المشهورة بأنه سيضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه التلاعب بمقدرات الشعب. اذا الشعب أراد فلا غالب له “فارادته من إرادة المولى عز وجل"، قالها شاعر تونس: اذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر، ونفذها شعب تونس العظيم.. وقالها شاعر الشعب السوداني يا شعبا لهبك ثوريتك.. تلقى مرادك والفي نيتك.. وسينفذها شعب السودان العظيم قطع شك كما نفّذ من قبلها ثوراته التي أذهلت العالم! سادسا – الهبة التي قام بها مواطني نيالا ضد صلف السلطة التي خرقت دستورها وقوانينها وتخطت خيار شعب نيالا، بالرغم من إنه كان مزورا، لكنهم اقنعوا به منتسبيهم ومؤيدي من كان واليا ويعد منتخبا ... لم يستشر حتى منتسبيهم حول تغييره ! ويتحدثون عن الانتخابات ونزاهتها والديمقراطية التى ليسوا حريصين عليها حتى داخل مؤسستهم.. مهما كان سبب انتفاضة نيالا فإنها بلا أدنى شك تبرهن على أنه قد طفح الكيل وضاق شعبنا في نيالا بهذه السلطة الممعنة في الدكتاتورية والتحكم في مصائر الناس... يقول أهلنا النوير كما حكى أحد الأصدقاء من جنوب السودان في تعريف الحكومة: ( إن الحكومة هي حفنة قليلة من الناس يحيطون أنفسهم بترسانة من الناس المسلحين ويأكلون أموال المواطنين)!! سابعا– أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، فاصبحوا كالصريم ... ويسدي النصح أصحاب المذكرة من منتسبي النظام للذين لن يستبينوا النصح إلا ضحى الغد... الوضع أصبح لا يطاق وعليكم أن تقفزوا من السفينة قبل أن تغرق، أو اتركوا القيادة لشبابكم فهم اقدر منكم على " المعافرة “. ونقول لهم الشعب السوداني أدرى بكيف يخرج سفينته إلى برالأمان، ولكن بعد غرقكم. لقد ضاق أهل النظام بالحفنة التي أصبحت تتحكم حتى في اتخاذ القرار دون مشورتهم، وأصبحت تستأثر بما تبقى من فتات الكيكة. الشعب يريد التنسيق بين هذه الفصائل الثائرة المختلفة ... فكرسي السلطة يهتز تحت من يجلس عليه... الشعب يريد التنسيق بين كل من له مصلحة في اسقاط هذا النظام... لامجال لأي من أطراف المعارضة مكان في المركب المطوح بأهله ... المركب الذي أفسده الدهر فلا مجال لاصلاحه... ولم يتبق من الكيكة ما يمكن أن يقتسم مع الذين مازال عندهم الأمل في إن يجدوا منها شيئا... الشعب يريد أن تنظمه قياداته وأن تخاطبه قياداته وأن توحد هبته وانتفاضته السلمية المطالبة بحقها في الحرية والكرامة ولقمة العيش الكريمةوالعدالة الاجتماعية.