كما سبق ونشرت حريات أصدرت مجموعة الأزمات الدولية بالثلاثاء ( 23 نوفمبر) تقريرا يحوي معلومات وتحليلات هامة بعنوان “التفاوض حول المستقبل بين شمال وجنوب السودان” وقد تتبعت فيه مسار المفاوضات بين طرفي اتفاقية السلام الشامل: المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان. ولاهمية التقرير تقدم (حريات) اليوم تقريرا اخباريا مفصلا عنه . أكد التقرير أن تعنت المؤتمر الوطني سياسة مقصودة للابتزاز والحصول على أكبر التنازلات من المجتمع الدولي ومن الحركة الشعبية وعلى أفضل حزمة ترتيبات ممكنة لقضايا ما بعد الاستفتاء. وأشار التقرير للمخاطر العالية التي يلقيها هذا النهج على الاستقرار والسلام في البلاد، ولكنه أكد أن المؤتمر الوطني يتخذه غير آبه بما يمكن أن يجره على البلاد، بل إنه لو تابع هذا النهج بتوقيت غير مناسب يمكن أن يفوت فرصته في رفع العقوبات وتحسين صورته. أفصح التقرير كذلك عن الكثير مما كان يدور داخل أروقة التفاوض مما لم ينشر في الإعلام ومن هنا يستمد التقرير أهميته حيث أورد أن نقاش قضايا ما بعد الاستفتاء قدمت فيه أوراق ومقترحات من قبل الطرفين في محطات مختلفة ومن قبل الأطراف الدولية المتوسطة، وتتبع كيف ذبحت معظم المقترحات في نصل العناد، وقطع التقرير بأن الطرفين اتفقا مبدئيا في مفاوضات أديس أبابا في أكتوبر الماضي “على التخلي عن الاستفتاء ، اعترافا بأنه في مثل هذه المرحلة المتأخرة يمكن أن يكون مشكلة على حد سواء لأبيي وللمشهد السياسي على نطاق أوسع”. وأردف “لكن الحركة الشعبية لن تعلن وقوفها إلى جانب تجاوز الاستفتاء في أبيي حتى يتم الاتفاق على بديل مجد”. وأرجح التقرير أن الحل في النهاية سيكون أن تتبع أبيي للجنوب بموجب مرسوم رئاسي “في مقابل تقديم شيئ لحزب المؤتمر الوطني”. ولكنه قال “لا يزال غير واضح ما هو الشيء الذي يريده المؤتمر الوطني في المقابل”. وقد ذكر التقرير في بدايته الديناميات التي تحرك طرفي الاتفاق، وأشار في نهايته لخمسة سيناريوهات للاستفتاء المزمع لتقرير المصير في الجنوب والمقرر إجراؤه في التاسع من يناير المقبل. رصد التقرير تأخر التفاوض حول قضايا ما بعد الاستفتاء حتى تدخل كل من “لجنة الخبراء رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الافريقي والولايات المتحدة بدفع المحادثات المتوقفة” وفي الأسابيع الأخيرة فقط، بينما هناك الكثير المطلوب “لسد الفجوات بين طرفي اتفاقية السلام الشامل والوقت قصير”. وأظهر أن المفاوضات يعرقلها أن الطرفين يحتاجان لتطمينات. ويرى أنه ومع بدء عملية التسجيل فإن فرص عرقلة الاستفتاء “آخذة في التناقص بشكل سريع”. يؤكد التقرير أن المؤتمر الوطني يتلكأ في الوصول لاتفاقيات حول القضايا المناقشة ويفضل الانتظار ” ويمكن أن يستمر في احباط المفاوضات، مفضلا استخدام نفوذه في الساعة الحادية عشرة وذلك في محاولة لابتزاز تنازلات كبيرة من الحركة الشعبية و المجتمع الدولي في مقابل تأييده للاستفتاء”. وذلك بالرغم من المخاطر العالية لهذا النهج على استقرار السودان وعلى السلام فيه. وحذر التقرير من أن اتفاقيات الدقيقة الأخيرة التي تكون على حساب الحركة الشعبية سوف تنتهك في النهاية إذا ثبت أنها تمت بسوء نية. تابع التقرير كيف اتخذت قضية أبيي موقعا محوريا في المفاوضات، ورصد بداية التفاوض في ميكيلي يأثيوبيا ومذكرة التفاهم الموقعة في يونيو 2010م وفرق التفاوض التي نتجت عنها ولكنه قال إن الأشهر الثلاثة التي تلت لم تشهد تقدما يذكر، وإن الحركة الشعبية قدمت مقترحات داخل كل مجموعات العمل ولكن المؤتمر الوطني “لم ينظر فيها بجدية ولم يقدم مقترحات بديلة”، ولتحريك القضية تدخل مبعوث الرئيس الأمريكي سكوت غريشن واستغل اجتماعات الأممالمتحدة حول قضية السودان في سبتمبر فدعا الطرفين وقدم لهما مقترحات بشأن قضايا ما بعد الاستفتاء ناقشاها وأبدى وفد المؤتمر الوطني (بقيادة سيد الخطيب) ترحيبه ولكنه قطع بعدم تفويضه للوصول لاتفاق وطالب بمهلة للاطلاع على الوثيقة والرجوع للجهات المعنية، ولكن بعد أن انعقدت الاجتماعات من جديد في أثيوبيا في أكتوبر رأس وفد المؤتمر الوطني المستشار الرئاسي صلاح غوش وأبدى وفد المؤتمر الوطني تصلبا وقدم مقترحات (لم تحمل محمل الجد أبدا) بأن تدار أبيي إدارة مشتركة، أو تقسم مناصفة لقسمين شمالي يضم للشمال وجنوب يضم للجنوب، مما قتل وثيقة غرايشن. المحطة التالية للتفاوض كانت في الخرطوم في 7 نوفمبر بدعوة من لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى برئاسة السيد ثابو مبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق، وقد طولبت الإدارة الأمريكية قبلها بتقديم محفزات لتحريك الجمود فاستجابت بوعود رفع السودان عن قائمة الإرهاب وجزرات دبلوماسية واقتصادية. وكان من المفترض أن يناقش في هذه الجولة اتفاق إطاري لم يوقع، وظلت أبيي معلقة وفهم أنها لا تحسم إلا على مستوى الرئاسة ولكن اجتماع الرئيسين البشير وكير تعذر لتأخر طيارة الأول في جوبا وسفر الثاني للحج، وكان لقاءهما العابر بمطار الخرطوم غير كاف للنقاش، فافترقا على أمل مواصلته في نهاية نوفمبر. استمرت محادثات الخرطوم لأكثر من أسبوع، وبدا الطرفان نوعا ما “سعيدين بشكل مدهش بالبقاء في مجال العموميات”. سيناريوهات الاستفتاء الخمسة بحسب التقرير هي: إجراؤه في وقته واعتراف الخرطوم بالنتيجة، أجراؤه في وقته وعدم اعتراف الخرطوم بالنتيجة، تأخيره ومطالبة الحركة الشعبية بموعد جديد، تأخيره أو تقويضه وإعلان الحركة الشعبية للاستقلال من جانب واحد، وتأخيره أو تقويضه وإجراء حكومة الجنوب للاستفتاء بنفسها. وخلص التقرير في النهاية إلى أن “إهمال العمل التأسيسي لعلاقات إيجابية لما بعد الاستفتاء سوف يكون قصر نظر وربما وصفة لتجدد الحرب”. وأتبع “إن الضغط على الأطراف لإتمام هذه المهام قبل نهاية فترة اتفاقية السلام الشامل هو أضمن وسيلة لضمان انتقال سلمي في الأمد القريب ، وعلاقة مستقرة على المدى الطويل”. مجموعة الأزمات الدولية مقرها بروكسل وهي متخصصة في الدراسات والبحوث حول النزاعات في العام وقد وصفت تقاريرها مجلة الإكونومست من قبل بأنها “لا تقدر بثمن”. وقد أصدرت المجموعة عشرات التقارير حول السودان كان آخرها في سبتمبر 2010م حول تعريف الحدود الشماليةالجنوبية، وتعد من أنشط المنظمات البحثية في القضية السودانية بمختلف تشابكاتها. الجدير بالذكر أن المفاوضات الرئاسية التي تجري حاليا بشأن أبيي هي التي أشار لها التقرير، وقد قدم خلالها السيد ثامبو مبيكي ستة مقترحات تجمع كل ما طرح أثناء التفاوض، بما فيها المقترح الأساسي الذي نص عليه بروتوكول أبيي من إجراء استفتاء لأبيي، ومقترح أن تتبع أبيي للجنوب بمرسوم رئاسي، ومقترح المؤتمر الوطني باقتسام أبيي بين الشمال والجنوب.