حين بدأت تتسرب وثائق سرية أميركية تحتوي على معلومات ” عسكرية”، وبعضها دبلوماسية، وربما ترتبط المعلومات “بالأمن القومي الأميركي”، تذكرت واقعنا في السودان، وما يتعرض له الصحافيون من ” مضايقات”، و”اعتقالات” ” وسجون” بسبب “اتهامات تتعلق بهيبة الدولة، أو نشر أخبار كاذبة، ولو كانت “صادقة”، كذلك تلك “الرسائل المبطن منها والصريح” التي تتوعد، وتهدد، وتقلق مضاجع الصحافة والصحافيين، فكان أن صار الصحافيون في السودان؛ أكثر الشرائح استهدافاً من قبل الحكومة، وربما أكثر من الذين يحملون “السلاح”، ويقاتلون، فيقتلون، ويقتلون في سياق الصراع حول السلطة والثروة. فالحكومة يمكن أن تعقد “اتفاقاً مع قائد “حركة مسلحة”، وتغدق عليه “المناصب والأموال”، إلا أنها، أي ذات الحكومة، لا تتهاون في مواجهة صحافي يتحدث عن “الحرية، ويطلب “التحول الديمقراطي” سليماً، ويحلم “بالعدالة الاجتماعية”، أو السلام الاجتماعي، فيمكن أن تأخذه إلى السجن مثلما فعلت مع كثيرين. وشتان بين “السياسي” و”الصحافي” لأن الأول يبحث عن مناصب”، أو قد يقاتل من أجل مكاسب ” شخصية”، مع ضرورة عدم “التعميم باعتبار أن هناك الكثيرين من قادة المعارضة لا يزالون يناضلون من أجل قضايا عادلة، في الجنوب، وفي دارفور، والشرق ، والنيل الأزرق ، وجبال النوبة، والخرطوم، وحتى مروي ودنقلا ومدني. إلا أن الصحافي في الغالب طبعاً، ونرفض “التعميم كذلك” يبحث عن “الحقيقة” من وجهة نظره، انطلاقاً من “نسبية الحقيقة” المفترى عليها في وطن المواجع، والفواجع. أما رئيس تحرير “ويكليكس” فلا يزال “حراً” ، طليقاً” رغم أنه نشر مئات الآلاف من الوثائق الخطيرة، ونشر موقع ويكيليكس حول الحرب في العراق، فيما اعتبر “التسريب الأكبر لوثائق عسكرية سرية في التاريخ”. ،ويتصل الأمر ب400 ألف تقرير عن حوادث كتبها جنود أمريكيون، بين يناير 2004 ونهاية 2009، تعرض خصوصاً حالات تعذيب بيد القوات العراقية، إضافة إلى “أكثر من 300 حالة تعذيب ارتكبتها قوات التحالف”، على قول صاحب الموقع جوليان أسانج.، وأوردت الوثائق أن 109 آلاف شخص على الأقل 63% منهم مدنيون قتلوا في العراق منذ مارس 2003 حتى نهاية 2009، وكشفت أيضاً أن القوات الأمريكية قتلت ما بين 600 و700 مدني عند حواجز في كل أنحاء العراق أو بعمليات إطلاق نار استهدفت مدنيين عن طريق الخطأ. كما نشر الموقع وثائق وصفت الرئيس الفرنسي ساركوزي “بالنزق، والايطالي براسكلوني بأنه “لعوب”، أو ما شابه ذلك على حسب وصف الدبلوماسية الأميركية، وقد أدى الأمر إلى “أزمة مكتومة” ستحاول وزير الخارجية هيلاري كيلنتون؛ احتوائها، والتأكيد على أن ما ورد في الوثائق لا يمثل الدبلوماسية ، وانما موظفون صغار، وقد يتصل أوباما بالزعماء الغربيين “لتطييب الخواطر”. ربما يقول قائد إن واشنطن ، وعلى مدى تاريخها تعتبر حرية الصحافة “أمراً مقدساً” ، وهي التي أنجبت الرئيس توماس جيفرسون، الكاتب الأساسي لوثيقة اعلان استقلال أميركا، والمعروف بمقولته الشهيرة لو خيرت بين حكومة دون صحافة، أو صحافة دون حكومة لأخترت صحافة دون حكومة”!. ولذلك تظل الصحافة تتمتع بحرية لا سقف لها سوى في حدود القانون، وتظل المعرفة “حقاً أساسياً من الحقوق في كل العالم”، وأول طريق المعرفة هو المعلومات. ولكل هذا فإن سانج سيظل حراً، حتى توجه له “اتهامات ملمموسة”، وسيدخل المجتمع الأميركي في جدل الحرية، وحق المعلومة، والحفاظ على الأمن. ويبدو أن العالم يفضل الحرية، وله وسائل أخرى للحفاظ على الأمن.