عبد القادر محمد أحمد المحامى.. فى المقال السابق تحدثنا عن (البعد عن الشبهات) كوأحدة من الضمانات الهامة لاستقلال القضاء ، وقلنا أنها غير متوافرة بالنسبة لقضائنا لكونه يعمل فى مجال التجارة والاستثمار ويقوم بجمع المال العام والتصرف فيه خارج ميزانية الدولة ودون اتباع الضوابط المعلومة . لقد صرح السيد رئيس الجمهورية بأنه لا بد من اجتثاث الفساد وأنه لا كبير على القانون ، ثم تبعه السيد رئيس لجنة مكافحة الفساد بقوله أنه سيلاحق الفساد داخل كل مؤسسات الدولة وأنه معنى بالبحث حتى عن مظنة الفساد . ما دام الأمر كذلك يبقى على السيد رئيس اللجنة أن يبدأ عمله بمؤسسة القضاء باعتبارها الالية المنوط بها محاكمة الفساد للتأكد من أنها ليست فاقد شئ ، أليس فيما تقوم به القضائية من كنز للمال العام ووضعه فى حسابات خاصة والتصرف فيه دون رقيب ما يشكل مظنة أوشبهة الفساد ؟ وللأسف قولنا هذا لايخرج عن كونه يتماشى مع تصريح السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس لجنة مكافحة الفساد ، لكنه فى الواقع يفتقر للتصور العملى . بما أننا نتحدث الان عن كيفية الاصلاح القضائى بتنقية القضاء من التهم والنواقص التى ألمت به ، وفى مقدمتها ابعاده عن تهمة أو مظنة الفساد ، علينا أن نأتى بحلول منطقية وعملية . كلنا يعلم أن التحرى عن الفساد أو شبهة الفساد داخل السلطة القضائية ، والوصول به الى نهاياته المرجوة لن يكون فى مقدور لجنة مكافحة الفساد ، بسبب أن ما يجرى داخل القضائية من سلوك تجاه المال العام ليس مقصورا عليها ، لكنه يحدث فى اطار سياسة التمكين التى اعتمدتها الانقاذ فى بداية عهدها عندما صرح أحد شيوخها بأن الانقاذ أتت لتمكين الدين فى الأرض ولتمكين الدين فى الأرض لا بد من التمكن فى الارض، ولكى تتمكن فى الارض لا بد أن تتمكن فى المال . وهذه هى ذات السياسة التى أقر بها مؤخرا السيد رئيس الجمهورية . ما دام الأمر بهذه الصورة المخيفة فأنه لا سبيل لمكافحة الفساد الا بالقضاء على كل الفساد الذى تسبح فيه كل مؤسسات الدولة بظهور السيد رئيس الجمهورية على شاشات الفضائيات ليعلن لشعبه قرارات جمهورية هامة فحواها الغاء سياسة التمكين ، تصفية كل الاستثمارات والأعمال التجارية التابعة لمؤسسات الدولة والحجز على ممتلكاتها ، الحجز على كل الأموال العامة المودعة فى حسابات خاصة وتحويلها لوزارة المالية ، الزام كل الاشخاص الذين استغلوا سياسة التمكين وأثروا ثراءا حراما بأن يردوا للدولة كل ما اكتسبوه من أموال نقدية أو عينية ، خلال فترة معينة بما يجنبهم الملاحقة الجنائية ، وتشكيل لجنة عليا لمتابعة تنفيذ هذه القرارات . ثم بعد ذلك يأتى دور لجنة مكافحة الفساد لتكون مهمتها ملاحقة كل الأشخاص الذين أثروا ثراءا حراما ولم يقوموا برد كل أوبعض ما كنزوه من أموال . هذه الطريقة فى التعامل مع قضايا الفساد قد لا ترضى الكثيرين الذين يروا فيها نوعا من التساهل أوالتصالح مع الفساد ، لكنها فى تقديرى ضرورية فى اطار ما يجب أن يتم من تصالح وتعافى بين فئات المجتمع بما يحقق السلام والأمن الاجتماعى الذى بدونه لن يحدث الاستقرار والانطلاق نحو المستقبل ، ويمكن أن تأتى قياسا على سياسة الحقيقة والمصالحة المطلوبة بالنسبة للمظالم التى وقعت على الأفراد . ثم يبقى على الأشخاص الذين أثروا ثراءا حراما أن يتجاوبوا مع هذه السياسة ويساعدوا على انجاحها دون أن يتحسروا أو يتمسكوا بأموال جمعوها من قوت الناس دون وجه حق وكان نتيجتها ما نراه الان من فقر وبؤس يعم المجتمع . لا شك أن هذا الموضوع يحتاج للكثير من التفاصيل لكننا وفى حدود ما يخدم عنوان المقال نكتفى بذلك لننتقل للجوانب الأخرى المتعلقة بالاصلاح القضائى . ان الأصلاح القضائى فى الجانب االمتعلق بالقاضى وادارة القضاء يجب أن لا يترك للجان حزبيه كما ورد فى اتفاقية القاهرة ولا للمفوضية القضائية أومفوضية الدستور ، هذا الأمر فى تقديرى يجب أن يترك للقضائية نفسها ليتم داخلها فى هدوء وبصورة انسيابية . و نورد هنا بعض النقاط التى نراها ضرورية للأصلاح وتحقيق استقلال القضاء :- هذه مجرد خواطر سريعة قابلة للنقض والتعديل والأضافة قصدت بها تحريض الأخوة القانونيين على تناول أمر الأصلاح القضائى علنا وبالصراحة والجدية المطلوبة ، وهو موضوع فى غاية الأهمية والخطورة لأن الدمار المتعمد الذى لحق بالسلطة القضائية والمفاهيم المغلوطة التى أصبحت سائدة حول مدلول استقلال القضاء ودور القاضى فى حماية استقلاله ، تحتاج الى مجهود مضنى وسنين طويلة لاعادة الأمور الى نصابها .علينا أن لا نرهن البدء فى الأصلاح القضائى بالاصلاح السياسى الشامل فطالما أن النظام يدعى بأن القضاء مستقل فلا معنى للقول بأن هذا نظام شمولى وأن ما يحدث فى القضاء من موجبات الأنظمة الشمولية ، خاصة وأن ما يحدث فى القضاء الان يحقق مصالح فردية لا علاقة لها بحماية النظام . على السادة المحامين خاصة الأخوة أنصار النظام ، الا يكتفوا بالحديث فى مجالسهم الخاصة عن ما يجرى داخل السلطة القضائية ، عليهم أن يساهموا بايجابية فى وقف ما يحدث لأنه يسئ لبلادنا ولسمعتها بين الدول ، خاصة فى وقت نعول فيه على الأستثمار والمستثمرين الأجانب للخروج من الأزمة الأقتصادية . على السادة القضاة أن يتنادوا لأجراء حوار فيما بينهم حول واقع ومستقبل السلطة القضائية وكيفية العلاج ، فهم أدرى من غيرهم بحقيقة ما يحدث وما يتداوله الناس سرا وعلنا . ان سمعة القضاء وحياده واستقلاله يصنعه ويحميه رجال القضاء أنفسهم بما يجب أن يتحلوا به من شجاعة وشفافية وكبرياء وعلو همة . نسأل الله التوفيق للجميع ، والعدل والأمن والسلام لبلادنا . عبد القادر محمد أحمد المحامى