المفاوضات الجارية بين وفدي دولتي السودان في أديس أبابا أعادت للذاكرة طرفة شعبية لا تخلو من حكمة مفادها أن لصاً سرق جوالاً من البصل وقبض عليه متلبساً بجرمه وعند محاكمته خيره القاضي بين ثلاثة أحكام، إما أن يأكل البصل أو أن يجلد مائة جلدة أو أن يدفع الغرامة. إختار اللص أن يأكل البصل لكنه لم يستطع بالطبع فقال للقاضي إذن الجلد أفضل ولكنه لم يحتمل الجلد أيضاً عندها قبل مضطراً دفع الغرامة، بعد أن مر بكل الخيارات وعاقب نفسه بكل العقوبات. نقول هذا في معرض النصيحة لحكماء دولتي السودان لأننا نرى تحرك أشجار الآثار السالبة على تعنت المفاوضين تمشي أمام أعيننا ولا نحتاج لزرقاء اليمامة لكي تحذرنا منها وقد باركنا من قبل لقاء نائبي الرئيسين ولكن للأسف لم يتم ذلك، كما باركنا إتفاق نافع- عقار الذي أجهضه المتشددون وهاهي ثمار التعنت تمشي على قدميها في النيل الأزرق وجنوب كردفان. للأسف في جميع الحالات فان من يتحمل كل العقوبات إنسان السودان في الشمال والجنوب، وتقف الآثار الاقتصادية الظاهرة جراء النزاع حول النفط دليلاً على ما نقول من أن ثمن التشاكس بين الحزبين الحاكمين في دولتي السودان يدفعه أهل السودان جميعاً. لذلك قلنا ان التسوية السياسية الشاملة لا بد أن تستصحب القوى الفاعلة في الساحة السياسية في الحكومة والمعارضة بعيداً عن المغالطات الصورية عن الأحجام والأوزان فلا السودان الباقي يمكن أن يحكم آحادياً ولا دولة جنوب السودان يمكن أن تحكم آحادياً. لكن التحدى القائم حالياً يستوجب الإسراع بالإتفاق بين الحزبين الحاكمين على القضايا العالقة بينهما ووقف النزاعات ومعالجة أسبابها وهذا يتطلب إحداث إختراق إيجابي في المفاوضات القائمة ونرى أن تكثف جهود الوساطة الأفريقية بقيادة الحكيم إمبيكي لإقناع رئيسي دولتي السودان باللقاء المهم بينهما لاستكمال الاتفاق بين الدولتين لصالح شعب السودان في الشمال والجنوب. ليس هناك ما يستعصى على الإتفاق إذا خلصت النوايا وجد العزم وقد أثبتت التجارب ان الاتفاق ممكن بغض النظر عن إختلاف الرؤى السياسية وأن النزاعات المسلحة مكلفة بلا طائل وان خسائرها لا تقف عند طرف دون آخر، وأن الإعتراف بالآخر أهم للحفاظ على وحدة النسيج الإجتماعي للأمة السودانية بكل مكوناتها العقدية والسياسية والثقافية والإثنية. مهما اكفهرت الأجواء وأدلهمت بين دولتي السودان فاننا لن نفقد الأمل ولن نيأس من إمكانية إرتفاع صوت العقل لمحاصرة النزاعات الكارثية الآنية والمتوقعة، ونرى في لقاء الرئيسين البشير وسلفاكير الفرصة الممكنة لتحقيق الإتفاق المطلوب لصالح أهل السودان في الشمال والجنوب.