كيف تستعيد الجامعات مكانتها؟.. كيف تتحقق استقلالية الجامعات؟.. د/ بابكر أحمد حسن.. يعاني التعليم العالي من علل ظلت تلازمه منذ تطبيق ثورة التعليم العالي ومضاعفة القبول بالجامعات الموجودة أصلاً مع إنشاء جامعة لكل ولاية دون التحسب لمتطلبات ذلك التوسع غير المدروس وسنعرض في هذا المقال إلي مظاهر التدهور وأسبابه ومقترحات الإصلاح بهذا الترتيب بالرغم من أن هذه العوامل متداخلة مع بعضها الفرعية المقترحة ،ولكننا نفعل ذلك بهدف سهولة المتابعة فقط. أين تقف جامعاتنا في التصنيف العالمي؟ يمكن القول إن أهم مظاهر التردي في التعليم العالي تتمثل في الآتي:- تدهور بيئة العمل المتعلقة بالبنيات الأساسية من مكتبات ومعامل ومختبرات وسكن ومكاتب ومزارع تجريبية وميادين الرياضة وصالات الأدب والفنون. ومما لا شك فيه تشكل هذه المرافق المناخ المعافى للتنشئة السليمة والاطمئنان النفسي. تدني مستوى البحوث والنشر بسبب ضعف التمويل وفقر متطلبات البحث العلمي. تدني مستوى كفاءة الخريجين كما شهد بذلك سوق العمل المحلي والإقليمي تتسم الميزانيات التشغيلية بالضعف وعدم الاستقرار والخلو من ضوابط استمرارية التنمية والاعتماد على توفير الفصل الأول المتعلق بالمرتبات . تغول أجسام خارجية على إدارة الكثير من ممتلكات الجامعة من أراضي ومباني وداخليات. العلاقات العلمية الخارجية مع الجامعات ومراكز البحوث تتسم بالضعف وعدم التقنين المؤسسي مما يفقد جامعاتنا الكثير من منافذ التطور ومواكبة البحوث والاختراعات. تدني في التصنيف العالمي والإقليمي حيث احتلت جامعة الخرطوم قبل خمس سنوات المرتبة4950 عالمياً والمرتبات 45 و 49 على المستويين العربي والافريقى على التوالي أما القفزة التي تحققت في أخر التصنيفات العربية والإفريقية فوضعت الجامعة في المرتبات 11 و 13 فتشكل نقلة نوعية أما إذا ما تمت مقارنتها بسابق التصنيفات فنجد أن جامعة الخرطوم كانت تحتل المرتبة الثالثة كأدنى انجاز وإذا ما أضفنا إلى ذلك إن معيار التصنيف العالمي يخلو من أي جامعة عربية أو افريقية حتى المرتبة 700 ما عدا جامعتين سعوديتين. مازالت المناصب القيادية في الإدارات العليا للجامعات تتم بالتعيين وفقاً لقانون التعليم العالي وقوانين الجامعات التي تتسم بالقصور والشمولية. في الجانب الخاص بالأساتذه يمكن الإشارة لجملة مشاكل تواجههم هي:- -عدم التفرغ الكامل للكثيرين منهم بسبب ضعف المرتب -أدّى تطبيق “ثورة التعليم العالي" إلى مضاعفة القبول دون أي اعتبار لتوفير متطلبات الزيادة من البنيات الأساسية بمختلف مضاربها. -جريمة القبول الخاص جعلت الكفاءة الأكاديمية تتراجع في وجه المقدرة المالية. -محلية التأهيل والتدريب لشباب الأساتذة حرمهم من الزخم المعرفي والعلمي المتوفرات بالجامعات الأجنبية مما هوى بمستوى الأساتذة بشكل ملحوظ. ضعف الصلة بالمحافل الدولية من جامعات ومراكز بحوث هبط بمستوى الجامعات المحلية. -الاعتماد على التدريس النظري لعدم كفاية المعامل والمزارع التجريبية وكافة مناشط التدريب الميداني بسبب شح الميزانيات وزيادة أعداد الطلاب.- التعريب السريع وغير المدروس ترك أثراً سلبياً إذ أنه تم العمل به قبل توفير ما يتطلبه من التعريب للمناهج وتوفير المراجع والدوريات للأ ساتذه والطلاب . -دعم الجامعات الجديدة من كوادر الجامعات القديمة أثر سلباً على كل الجامعات قديمها وحديثها حيث تم توزيع العدد المحدود علي عدة جامعات مما خلق شحاً في عدد الأساتذة إلى القيادة العليا بالجامعات دون الحصول على الخبرات المتراكمة في فنون وعلوم الإدارة الأكاديمية والمالية للجامعات. -إلغاء نظام السكن والإعاشة شكل عبئاً كبيراً على الطلاب مما قاد إلى عدم الاستقرار وضعف التحصيل الأكاديمي. - الاستغناء عن خدمات خيرة الاساتذه بسبب سن المعاش أو الفصل التعسفي رغم الحوجة إلى خدماتهم وقدرتهم على العطاء المتميز. -ارتفاع نسبة الطلاب إلى الاساتذه ساعد على إحداث المزيد من التدني في المستوى الأكاديمي. -الاستثناء لبعض الفئات الطلابية من حيث خفض درجات القبول لأسباب لا تتعلق بالقدرات الاكاديمية . الطلاب تحصيل في بيئة فقيرة التعليم الهابط يقود إلى إنتاج سئ في مستوى التحصيل الأكاديمي. المناهج تميزت بالحشو وزيادة العبء الأكاديمي بإدخال مطلوبات الجامعة التي لا تمت بصلة لتخصص الطلاب. التوسع في القبول أدي إلى تكدس أعداد كبيرة من الطلاب في مواعين ضيقة مما حرمهم من الراحة النفسية ومتعة الحياة الجامعية. تدني المستوى في اللغة الانجليزية حرم الكثير من الطلاب من الاستفادة من المراجع العلمية الرصينة. ضعف الإمكانات والبنيات الأساسية جعل المناخ الأكاديمى طارداً وأثر سلباً على الاستقرار النفسي للطلاب، خاصة الفقر الواضح في مجال الفنون والآداب ومجمل ضروب الإبداع. التدخل السافر في تكوين اتحادات الطلاب والروابط من حيث حرية التنظيم والتعبير أفقد الطلاب الكثير من عوامل الاستقرار النفسي وبناء القدرات. الكثير من الأساتذة لم يكتمل تأهيلهم مما أثر سلباً على الأداء الأكاديمي والتربوي. كيف تستعيد الجامعات مكانتها؟ لابد للجامعات إن تصبح منارة للعلم وإنتاج المعرفة. خلق البيئة المعافاة من خلال تأهيل جميع مرافق البنيات الأساسية المذكورة أعلاه. شروط الخدمة المجزية الاساتذه من حيث المرتبات والسكن والمخصصات ورعاية الأسرة والسفر الأكاديمي. رصد الميزانيات الكافية خاصة الفصل المتعلق بالتنمية والبحوث والمراجع والدوريات وإصحاح البيئة بالشكل المتوائم مع الميزانية العامة والدخل القومي. مواءمة القبول بالجامعات مع الإمكانات الحالية والمستقبلية . مراجعة مؤهلات أعضاء هيئة التدريس وتوفير التدريب اللازم في شكل دورات منتظمة. إعادة النظر في فلسفة التعليم ( إن وجدت) والمناهج والتأهيل والتدريب. تعديل قوانين التعليم العالي وقوانين الجامعات بالشكل التي يكفل البعد عن تكريس الشمولية ويؤطر ديمقراطية الهياكل الإدارية لتتمتع الجامعات بالاستقلال الكامل وكفالة الحريات وإشاعة الديمقراطية. وفي هذا الجانب لا بد من التأكيد على إن اختيار الإدارات العليا للجامعات يجب إن يكون على أسس الانتخاب الذي لا يقتصر على مجلس الاساتذه كما اقترح السيد رئيس مجلس الجامعة ومجلس الاساتذه وأعضاء هيئة التدريس على أن تكون نسبة التمثيل 15% -30% و55% على التوالي حتى تكون الأغلبية للأساتذة مع كفالة تمثيل الاساتذه بالنسب أعلاه. كفالة حق تكوين الهيئات النقابية الاساتذه والاتحادات والروابط للطلاب مع دعمها مادياً وتمثيلها في كافة مستويات الجامعة. تهيئة المناخ الإبداعي للطلاب. إحياء الدور المجتمعي للجامعات من خلال الانفتاح على المجتمعات المحلية وتوفير المعرفة والتأهيل على مستويات متباينة حسب القدرات والرغبة المجتمعية. إلغاء القبول الخاص وحصر الاستثناء في حدود المصروفات وليس في المستوى الاكاديمى. خلق التوازن بين الشهادات البكلاريوس والدبلومات حسب المتطلبات الفعلية والنسبة المقبولة للعلاقة بين المهنيين والفنيين بعد مراجعة أهداف ومتطلبات كل منهما وبحسب الحوجة التنموية. خلق جهاز فاعل لإجراء الدراسات والبحوث المرتبطة بالتنمية الريفية وتجويد أداء مشروعات التنمية من خلال المشاركة الفعلية مع هيئات البحوث ومراكز الدراسات وشركات دراسة وتنفيذ المشروعات. إعادة كل الداخليات إلى جامعاتها لتقوم بإدارتها وكامل الإشراف عليها.