يقول السودانيون في أحد أمثالهم الشعبية المعبرة (البلِد المحن لابد يلولي صغارن) ويقولون في آخر (البلِد ليهو دبيب يطوي في صلبو)، ويقابل هذين المثلين السودانيين الشعبيين المثل العربي الفصيح الذي يقول (يداك أوكتا وفوك نفخ) وهو يضرب لمن يقع في سوء فعله، وكذا المثلين السودانيين، وقصة المثل العربي تحكي عن رجل مغرم بالسباحة رغم عدم إجادته لفنونها، وذات مرة قرر أن يسبح مهما كلفه الأمر فجاء بقربة نفخها حتى (وقفت قربة) وربطها على ظهره ثم نزل النهر وبدأ السباحة، ولكنه لاستعجاله لم يحكم ربط القربة فقد كانت ضعيفة الوكاء فتسرب هواؤها وأوشك الرجل على الغرق فاستغاث بشخص كان يقف على الشط وكان هذا الشخص ثقيلاً جداً لم يأت بأي حركة تنقذ الرجل وكان أقصى ما فعله هو أن حرّك لسانه قائلاً للغريق (يداك أوكتا وفوك نفخ) وهي المقولة التي جرت مثلاً وتعنى أنك أنت الذي ربطت ونفخت فلا تلومن الا نفسك، وقريباً من المعنى الذي قصدته هذه الامثلة الثلاثة، حكاية الأسد الأطرش الذي فتك بالراعي الذي توهم أنه امتلك الغابة وصار ملكها المتوج بعد أن امتلك قلوب أهلها بعزفه وألحانه الراقصة حتى صارت الغابة حلبة رقص كبيرة فيها من (يعرض صقرية) ومن يرقص رقصة القرد والركشة وعجكو ومردوم وكمبلا وإبرة ودر وهلمجرا من رقصات، إلا أسداً وحيداً كان بعيداً وحين ظهر على (مشارف الغابة) اختلط حابلها بنابلها وعمتها الفوضى، فقد أدرك الكل الخطر القادم وأصبحوا يهربون في كل إتجاه صائحين (الاطرش جاكم)، ما عدا الراعي الحالم الذي لم يكن يدرك حقيقة هذا الأسد فظل في مكانه يعزف ويزمر إلى أن بلغه الأسد فأطار رأسه بمزماره… الأمثلة الثلاثة وحكاية الأسد الأطرش تصلح كلها لتكون درساً وعبرة لولاة الأمر والقائمين على حكم البلاد أن ينتبهوا لهذا الحصاد المر، الذي بدأت تنتجه مزارع الفتنة وبذور الهوس والتطرف وثقافة التكفير الآخذة في الاضطراد يوماً بعد يوم والتي غضوا الطرف عنها وصهينوا من تناميها إلى أن بلغت ما بلغته الآن من هدم وتكسير للأضرحة والقباب وتدمير وحرق للكنائس وآخرها ما حدث قبل يومين للكنيسة الانجليكانية بضاحية الجريف غرب وبعدها ما تعرض له حي كامل يقطنه الدينكا بمدينة الخوي بشمال كردفان الذين أخذوا بجريرة مشاجرة عادية وقعت بين شخصين أحدهما من الدينكا، فتم الهجوم عليهم وطردهم من مساكنهم البائسة وإحراق الحي بالكامل، والمشكلة في مثل هذه التفلتات سواء كانت دينية أو عرقية أنها حين تندلع وتجد الهشيم الذي يوفر لها مواد الحريق القابلة للاشتعال والرياح المسيرة التي تدفعها للأمام فانها ستحرق الجميع لا تستثني حتى الساحر الذي يحاول أن يلعب بالبيضة والحجر ويستثمر في مثل هذه الفتن، ولهذا ليس من مصلحة أحد أن يدع مثيرات الفتن ومولدات العنف تكبر بأكثر مما هي كبيرة وخطيرة الآن، بل من الواجب الديني قبل الوطني أن يسارع المسؤولون لاطفاء بؤر الفتن ومحاضن العنف بأعجل ما يكون وعبر القانون بلا مجاملة لشخص أو طبطبة على ظهر جهة، وهل بعد قول المولى عزّ وجل (والفتنة أشد من القتل) من قائل أو معقب؟!.